المقيم في الولايات المتحدة، سواء كان أميركيا أو أجنبيا، لاحظ من دون شك الشرخ الذي بات اليوم أمرا واقعا بين الإدارة الأميركية والشارع الأميركي، منذ اندلاع الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة. شرخ نابع من رفض هذه الإدارة تسمية الحرب باسمها الحقيقي، إبادة جماعية، ودعمها غير المشروط لمرتكبي هذه الإبادة، بدلا من بذل ما في وسعها لوقفها، وهو ما وضعها في تناقض صارخ، أكثر من أي وقت مضى، مع القيم الإنسانية التي لطالما ادعت امتلاكها والدفاع عنها، ولطالما تذرعت بها لتبرير حروبها.
الكاتب والصحافي المصري الأنغلوفوني عمر العقاد، الذي يقيم منذ سنوات في بلاد العم سام، لم ينتظر حدوث هذه الحرب لاستنتاج هذه الازدواجية في أميركا، وفي الغرب عموما. فمن خلال تجربته في كندا، ثم في أميركا، كما من خلال عمله كصحافي الذي قاده إلى أفغانستان، ثم إلى سجن غوانتانامو، فإلى العالم العربي أثناء "ربيعه"، قبل أن يغطي الفصول الأخيرة من مسلسل العنصرية تجاه ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة، شكل باكرا فكرة واضحة ودقيقة عن العالم الذي يعيش فيه.
تأملات بصيرة
ولا شك أن صواب هذه الفكرة يفسر البصيرة التي أثبتها في روايته الأولى، "حرب أميركية" (2017)، التي تخيل فيها حربا أهلية أميركية ثانية في مستقبل قريب، وحصد عليها مقالات مدحية صدرت في أبرز الصحف والمجلات الأميركية، ثم في روايته الثانية، "يا لها من جنة غريبة" (2021)، التي فضح فيها الأزمة الأخلاقية لعالمنا الراهن من خلال متابعة قدر فتى سوري ينجو بمفرده من غرق قارب كان محملا نازحين.
في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد ثلاثة أسابيع فقط من بدء حرب الإبادة على غزة، نشر العقاد تغريدة حظيت بأكثر من عشرة ملايين مشاهدة: "ذات يوم، حين يصبح كل شيء آمنا، حين لا يعود هناك أي عائق شخصي لتسمية الأشياء باسمها، حين يكون قد فات الأوان لمحاسبة أي شخص، سيكون الجميع دائما ضد ذلك".