اعتُبر اللقاء الأخير بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترمب في المملكة العربية السعودية خطوة تاريخية بارزة نحو إنهاء العزلة الطويلة التي عانت منها سوريا، وتمهيد الطريق لاستقرارها. غير أن الإسلاميين المتشددين، داخل البلاد وخارجها، رأوا في هذا اللقاء خيانة وانحرافا عن "النقاء العقائدي"، ورضوخا لقوى "كافرة". وقد ذهب رجل الدين الجهادي البارز، أبو محمد المقدسي، إلى حد إصدار فتوى تُكفر الشرع وتصفه بالمرتد. وسارع تنظيم "داعش" إلى استغلال هذا الاستياء. إذ غذى التنظيم مخاوف المقاتلين الأجانب من أن تؤدي الانفتاحات الدولية إلى خيانة أو اعتقال أو ترحيل، مستثمرا هذه الهواجس في دفع الانشقاقات واستقطاب مجندين جدد.
وقد تزامنت هذه الحملة الدعائية مع تصاعد ملحوظ في نشاط "داعش" داخل المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة الانتقالية. إن تلاقي الغضب الأيديولوجي، وحملات التضليل الاستراتيجي، وتجدد النشاط العسكري، يشير إلى ما هو أبعد من مجرد دعاية: إنه محاولة مدروسة من قبل "داعش" لإعادة التموضع في لحظة وطنية هشة. فبدلا من التركيز الحصري على استعادة الأراضي، بات التنظيم يستغل مشاعر الإحباط والخوف والسخط السياسي للحفاظ على حضوره وتأثيره. وفي هذا المنعطف الحرج، لا يكمن الخطر في تحركات "داعش" وحدها، بل في قدرة سوريا– أو عجزها– عن الاستجابة الفعالة.
عودة التجنيد إلى الحياة
لطالما نظرت "داعش" إلى "هيئة تحرير الشام" بوصفها منافسا مباشرا لها، غير أن العداء بين الطرفين ازداد حدة بشكل ملحوظ منذ انهيار نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول. ففي الأشهر التي أعقبت السقوط، دأب التنظيم على استخدام نشرته الأسبوعية "النبأ" لمهاجمة السلطات الجديدة، واصفا إياها تارة بالمرتدة، وتارة أخرى مشبها حكمها بطغيان أنظمة عربية أخرى.
واليوم، تبدو ملامح استراتيجية جديدة آخذة في التشكل، إذ بدأ التنظيم يوجه دعواته مباشرة إلى المقاتلين الأجانب في سوريا، حاثا إياهم على الانسلاخ من انتماءاتهم الحالية والانضمام إلى صفوفه. فعلى الرغم من أن "داعش" ظل في صراع محتدم تاريخيا مع الفصائل الجهادية الأخرى في سوريا، فإن الإدانات الواسعة التي أطلقها الإسلاميون المتشددون تجاه الانفتاح الدبلوماسي الأخير للرئيس أحمد الشرع على القادة الغربيين، أفسحت له المجال لاستغلال حالة القلق المتصاعد.