ثلاثة مخاطر أمنية تواجه الحكومة السورية... ما هي؟

"فلول النظام".. وميلشيات إيران.. و"داعش"

أ ف ب
أ ف ب
عربتان تابعتان للقوات السورية في ريف حمص في 4 يناير 2025

ثلاثة مخاطر أمنية تواجه الحكومة السورية... ما هي؟

شهدت محافظات سورية استنفارا كبيرا لقوى الأمن العام والجيش السوري يوم الخميس 24 أبريل/نيسان، وذلك نتيجة معلومات حصل عليها جهاز الاستخبارات عن هجوم محتمل لـ"فلول النظام وبقايا الميليشيات الإيرانية" من جهة، وخلايا "داعش" من جهة أخرى.

وتزامن الاستنفار مع اشتباكات حصلت داخل مدينة حمص، وقيام "حزب الله" اللبناني بإطلاق قذائف مدفعية من الأراضي اللبنانية تجاه نقاط الجيش العربي السوري في منطقة القصير بريف حمص، وانفجار سيارة مفخخة ببلدة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا أدت إلى إصابة 8 سوريين بجروح.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة"، من مصادر في الأمن العام السوري، فإن وزارتي الداخلية والدفاع أوعزتا إلى قواتها برفع حالة الجاهزية في كل من دمشق، وحمص، ومناطق الساحل، والمناطق القريبة من البادية السورية، وطُلب من الحواجز تكثيف عمليات التدقيق على البطاقات الشخصية وتفتيش السيارات، خصوصا تلك التي تعود لأشخاص لبنانيين أو عراقيين. أضافت المصادر أن قوات حرس الحدود على الشريط الحدودي مع لبنان والعراق رفعت الجاهزية، كما تم نشر قوات للأمن العام في شوارع كل من دمشق، والمدن الساحلية، ودير الزور، وحمص، وحماة، وتدمر، والقريتين لضمان استتباب الأمن ومنع أي محاولة لزعزعة الاستقرار.

وبحسب المصادر، فإن المعلومات التي وصلت لوزارة الدفاع والاستخبارات تُفيد بوجود خطر هجمات محتملة من قبل فلول النظام، وعناصر مرتبطين بـ"حزب الله" والميليشيات الإيرانية، وتنظيم "داعش" في البادية وحمص، وهو ما استدعى رفع الجاهزية لمنع حدوث هذه الهجمات، إضافة إلى إطلاق طيران استطلاع تابع لوزارة الدفاع في محيط دمشق، وحمص، والمناطق الساحلية لرصد أي تحرك لهذه القوى.

تنسيق بين "فلول النظام" و"حزب الله"

شهدت مدينة حمص مساء الخميس 24 أبريل اشتباكا في حي وادي الدهب بحمص بين عناصر الأمن العام والعميد الطيار علي شلهوب، وذلك بعد مهاجمة العميد- المُتهم بارتكاب جرائم بحق السوريين- عناصر الأمن العام أثناء محاولة اعتقاله، وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنه "بعد إصابة عدة عناصر من الإدارة تم التوجيه بتحييده لما لمحاولة اعتقاله من خطر على أرواح المدنيين في المنطقة وعناصر إدارة الأمن العام"، تزامن ذلك مع إطلاق نار في عدة أحياء من حمص.

على جبهة أخرى قريبة، قال مسؤول في وزارة الدفاع إن "حزب الله" اللبناني أطلق "عدة قذائف مدفعية من أراضي دولة لبنان، تجاه نقاط الجيش العربي السوري في منطقة القصير غرب حمص"، وردّت قوات الجيش السوري "باستهداف مصادر النيران، بعد رصد المواقع التي خرجت منها القذائف الصاروخية والتي بلغ عددها 5 قذائف"، بحسب المسؤول العسكري الذي أضاف لوكالة "سانا" أن وزارة الدفاع "تتواصل مع الجيش اللبناني من أجل تقييم الحدث، وقمنا بإيقاف استهداف مصادر النيران داخل الأراضي اللبنانية بطلب من الجيش اللبناني، بعد أن تكفل بتمشيط وملاحقة المجموعات الإرهابية المسؤولة عن استهداف الأراضي السورية".

أ ف ب
تعزيزات من القوات السورية في ريف اللاذقية في 7 مارس 2025

بحسب معلومات "المجلة"، فإن "القذائف التي أطلقها (حزب الله) اللبناني نحو الأراضي هدفها تشتيت انتباه قوات أمن الحدود والجيش السوري أثناء محاولتها إفشال عملية تهريب كان يُنفذها مهربون لبنانيون على الحدود السورية اللبنانية انطلاقا من ريف حمص. وعملية التهريب تلك كانت تنقل أسلحة من الأراضي السورية إلى الأراضي اللبنانية لصالح (حزب الله) اللبناني بالتنسيق مع فلول النظام والمهربين".

ويحاول "حزب الله" اللبناني منذ سقوط النظام السوري نقل كل مخازن الأسلحة الخاصة به، والتي تحتوي على أسلحة كان يمتلكها "الحزب" سابقا في سوريا، إضافة إلى تلك التي كانت تتبع للنظام وقام عناصره المرتبطون بـ"الحزب" بالسيطرة عليها قبل أن تصل إليها يد الحكومة السورية. ويعتمد "حزب الله" اللبناني لتهريب هذه الأسلحة على شبكات تهريب معقّدة في مناطق الهرمل والقاع، وهي مناطق تعتبر مراكز نفوذ لـ"الحزب" على الحدود السورية، بينما يساعده من الجانب السوري الشبكات التي شكلها "الحزب" بالتعاون مع نظام الأسد والتي ما زالت تعمل لصالح "الحزب" إما مقابل المال أو نتيجة ترابط أيديولوجي مع "حزب الله".

ما زالت الميليشيات المرتبطة بإيران رغم انهيار سطوتها، تحاول إبقاء نفوذٍ لها في المنطقة القريبة من الحدود السورية-العراقية

زادت الحكومة السورية من تعزيزاتها على الحدود السورية-اللبنانية منذ سقوط النظام، وشكلت خط تنسيق مشترك مع الجيش اللبناني لوقف عمليات التهريب بين سوريا ولبنان، وقطع خطوط التواصل والإمداد بين "حزب الله" اللبناني و"فلول النظام"، كما نفّذ الأمن العام مداهمات كثيرة لمخازن أسلحة كانت مُعدّة للتهريب إلى الأراضي اللبنانية من سوريا، واعتقل عددا من المهربين العاملين المتعاونين مع "الحزب".

وكان الأمن العام قد ضبط يوم الأربعاء 23 أبريل مستودع أسلحة وذخائر بريف حمص الشمالي الشرقي، وذلك بعد يومين من ضبط مديرية أمن ريف دمشق "مستودعا يحتوي على كميات من الأسلحة والذخائر، بينها صواريخ مضادة للدروع، وذلك خلال عملية أمنية في منطقة قطنا بريف دمشق"، بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية السورية التي قالت إن "هذه الأسلحة كانت معدّة للتهريب خارج الأراضي السورية".

رويترز
حاجز رسم عليه علم ايران في الريف الجنوبي لإدلب في 1 ديسمبر 2024

وانتشر يوم الخميس 24 أبريل على شبكات التواصل الاجتماعي فيديو مصور نُسب لمقداد فتيحة، قائد "لواء درع الساحل" يتلو فيه بيانا قال إنه "مشترك بين قيادة لواء درع الساحل بالتنسيق مع جبهة المقاومة الإسلامية-أولي البأس، والدكتور عبد الحميد الشمالي القائد العام لقوات أشباح روج المقاومة في المنطقة الشرقية". وبحسب البيان الذي تلاه فإن هذه القوى ستنسق وتتعاون فيما بينها "لمحاربة التنظيمات التكفيرية وحكومة الأمر الواقع في دمشق"، ولم يتسنَّ لـ"المجلة" التأكد من صحّة البيان من مصادر موثوقة. 

ميليشيات مرتبطة بإيران شرق سوريا  

ما زالت الميليشيات المرتبطة بإيران رغم انهيار سطوتها، تحاول إبقاء نفوذٍ لها في المنطقة القريبة من الحدود السورية-العراقية، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة" من مصادر ميدانية في دير الزور، فإن عمليات تهريب عناصر الميليشيات الإيرانية السابقين في سوريا مستمرة نحو العراق، إضافة إلى أن النقود ما زالت تجد طريقها من العراق إلى بعض العناصر السوريين الذين كانوا ضمن الميليشيات الإيرانية المحلية، وذلك من أجل إبقائهم متحضرين لأي تحرك مستقبلي، وأكد مسؤول سوري أن الحكومة السورية لديها علم بعمليات التهريب التي تحصل، وتتابع عن كثب وتراقب هذه التحركات لكشف كافة الشبكات التي تعمل على الحدود والداخل السوري.

يسعى تنظيم "داعش" منذ سقوط النظام السوري إلى إعادة بناء قدراته العسكرية، وذلك من خلال قيامه بنقل عدد كبير من عناصره نحو البادية السورية انطلاقا من الشمال السوري

وبحسب المعلومات، فإن هناك تواصل بين الميليشيات الإيرانية التي توجهت نحو العراق مع سقوط النظام وبعض العناصر الذين لم يغادروا الأراضي السورية، وهذا التواصل يتم لتحقيق عدّة أهداف، أبرزها إبقاء خطوط تواصل مفتوحة مع بعض العناصر وتحضيرهم ليكونوا خلايا نائمة تتحرك عند الطلب، والهدف الآخر هو تهريب عناصر إلى العراق عبر كل من معبر "الجغايفة" ومعابر ترابية أخرى، ويتم نقلهم إلى مناطق بالقرب من القائم، وهو ما يرجح إمكانية استخدام هؤلاء العناصر لاحقا في سوريا أو في مناطق جغرافية خارج الحدود السورية.   

لمواجهة هذه التحركات، كثفت الحكومة السورية تعزيزاتها الأمنية على الحدود السورية-العراقية خلال الأسابيع الماضية من خلال  تفعيل أكثر من 15 مخفرا حدوديا انطلاقا من معبر القائم-البوكمال، إضافة إلى تشكيل مراكز مراقبة تتابع نشاط المهربين والشخصيات التي لديها سوابق في تهريب السلاح وتجارته لوقف عمليات التهريب، زيادة الزخم في عمليات تنسيب الشباب في صفوف الأمن العام بمحافظة دير الزور واختيار الموثوق بهم للعمل في الفرق المسؤولة عن حماية الشريط الحدودي، وبحسب مصدر أمني في دير الزور، فإن هدف الحكومة الرئيس العمل على تأمين الحدود السورية-العراقية من معبر البوكمال وصولا لمنطقة التنف.  

أ ف ب
مقاتلون سوريون يحملون علما لميليشيات ايرانية في ريف ادلب في 1 ديسمبر 2024

الإجراءات الأمنية من الواضح أنها تسعى إلى قطع أي خطوط تواصل حدودي مع الميليشيات العراقية التي تُدار من قبل إيران، وأبرزها "حزب الله" العراقي، إضافة إلى تفكيك شبكات التهريب التقليدية التي عملت خلال سنوات طوال يدا بيد مع الميليشيات الإيرانية في تشكيل شبكات طرقية معقّدة للتهريب تتضمن أنفاقا بين طرفي الحدود، وفي حال تمكنت الحكومة من تحقيق ذلك تكون قد ضيقت الخناق على بقايا الميليشيات الإيرانية في الداخل السوري تمهيدا لإنهاء قوتها ونفوذها.

"داعش" يعيد ترتيب صفوفه وجغرافيته

هدفَ الاستنفار الأمني في المدن السورية إلى تقويض إمكانية "داعش" من شنّ هجمات على قوات الأمن العام، لأن المعلومات التي حصل عليها جهاز الاستخبارات السوري تُفيد بتحرك لخلايا "داعش" في كل من حمص والبادية، ولذلك نشرت قوات الأمن العام قواتٍ لها وأنشأت حواجز مؤقتة في كل من تدمر والقريتين المُطلتين على البادية، إضافة إلى الاستنفار العام في كل من شوارع حمص ودير الزور.

أ ف ب
جندي سوري مع علم "داعش" في ريف حمص

المعلومات التي حصلت عليها الحكومة السورية جاءت بعد أيام من نشر تنظيم "داعش" بيانا مصورا هدد فيه الرئيس أحمد الشرع من الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن وجهت الولايات المتحدة طلبا إلى الحكومة السورية بضرورة المشاركة في مكافحة الإرهاب.

ويسعى تنظيم "داعش" منذ سقوط النظام السوري إلى إعادة بناء قدراته العسكرية، وذلك من خلال قيامه بنقل عدد كبير من عناصره نحو البادية السورية انطلاقا من الشمال السوري، وذلك لأن البادية السورية قريبة من الحدود السورية العراقية، والتي تشكل شريانه للتنسيق مع التنظيم في العراق، إضافة لكون البادية هي مخزن لأسلحة "داعش" التي خبأها خلال سنوات قوته في عامي 2015-2016.

المعلومات التي حصلت عليها "المجلة"، تُشير إلى أن تنظيم "داعش" قام بإجراء تغيير على تكتيكه خلال الشهر الماضي، حيث بدأ بنقل بعض خلاياه تجاه حمص، لرغبته في زعزعة الأمن في المناطق التي تشكل تنوعا دينيا في سوريا، ويهدف "داعش" من خلال هذا التكتيك الجديد إلى القيام بهجمات ضد المدنيين دون أن يتبنّاها، ساعيا إلى شيطنة الحكومة واتهامها باستهداف الأقليات في سوريا.

ما يزيد من خطورة تنظيم "داعش" ليس حصوله على المرونة الجغرافية فحسب، وإنما إمكانية استغلاله لتوجه الحكومة السورية لفتح علاقات مع الغرب والدول العربية وإمكانية انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش"

وقالت مصادر مطلعة إن "الداخلية السورية وجهاز الاستخبارات على دراية بتكتيك التنظيم الجديد، واعتقلت أكثر من عنصر خلال شهر مارس/آذار أثناء اتنقالهم من البادية تجاه حمص، كما اعتقلت مهربين مرتبطين بالتنظيم، وتُجري الحكومة السورية تحقيقات موسعة لتفكيك شبكات التنظيم في المنطقة وتأمين المدنيين من أي هجمات". كما تُشير المعلومات إلى أن هناك "خلافا داخليا بين خلايا التنظيم، هذ الخلاف سببه غضب بعض عناصر "داعش" من أن التنظيم لم يأخذ موقفا واضحا ضد الحكومة السورية، ولم يعلن الجهاد ضدها، في حين أن عناصر آخرين يرون أن الوقت الحالي ليس لشنّ الهجمات وإنما لإعادة ترتيب الصفوف وبناء قدرات عسكرية كافية للقيام بهجمات منظمة وقوية ضد الحكومة السورية".

أ ب
تعزيزات من القوات السورية في ريف اللاذقية في 7 مارس 2025

وقالت مصادر في الأمن العام السوري لـ"المجلة" إن خطر "داعش" هو "أحد المخاطر التي يوليها الأمن العام أهمية كبيرة، والاستنفار الأمني الذي حصل في دمشق والمناطق السورية ذات الغالبية المسيحية يوم الأحد الماضي كان لحماية المسيحيين-أثناء احتفالهم بعيد الشعانين- من أي هجمات قد ينفذها تنظيم "داعش" أو أي جهة أخرى ضدهم".  وأشارت المصادر إلى أن الحكومة السورية قامت بتعزيز قواتها في مناطق البادية ودير الزور وحمص خلال الفترة الماضية لمواجهة خطر التنظيم الذي باتت مراكز قوته تنتشر على مساحة البادية السورية.

وما يزيد من خطورة تنظيم "داعش" ليس حصوله على المرونة الجغرافية فحسب، وإنما إمكانية استغلاله لتوجه الحكومة السورية لفتح علاقات مع الغرب والدول العربية وإمكانية انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، لأن هذا التوجه من المؤكد أنه سيُغضب بعض القوى المتشددة في سوريا والتي لا تنتمي لـ"داعش" أو تعمل تحت لوائه، إضافة إلى بعض العناصر الأجانب الذين سيشعرون بأنهم تحت تهديد الترحيل من سوريا بالتزامن مع انفتاح الحكومة الجديدة على المجتمع الدولي؛ هذا الغضب من غير المستبعد أن يستغله "داعش" لتجنيد عناصر جدد في صفوفه، للانتقام من الحكومة السورية. 

font change