العلاقات بين إسرائيل والغرب... تدهور جديد لكنه غير حاسم

استمرار انحياز واشنطن لتل أبيب سيظل اعتبارا جوهريا

أ ب
أ ب
وقفة احتجاجية لمدة يوم كامل خارج البرلمان في لندن، الخميس 29 مايو 2025، حيث تقرأ شخصيات بارزة ونشطاء وأطباء أسماء أكثر من 15 ألف طفل قتلوا في غزة

العلاقات بين إسرائيل والغرب... تدهور جديد لكنه غير حاسم

شهدت علاقات إسرائيل مع حلفائها الغربيين تدهورا جديدا في أواخر مايو/أيار، عندما اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قادة فرنسا وبريطانيا وكندا بـ"تشجيع حماس". وجاء ذلك عقب إصدار الحكومات الثلاث بيانا مشتركا وصفت فيه حكومة نتنياهو بـ"الفظيعة"، بعد أن تعهدت بـ"السيطرة" على قطاع غزة بالكامل.

وهدد البيان باتخاذ "إجراءات ملموسة أخرى" إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية. وتشير نبرة البيان وردّ نتنياهو عليه إلى التوترات المتزايدة بين إسرائيل وحلفائها الغربيين، باستثناء الولايات المتحدة. فبينما كانوا في السابق متضامنين معها، باتوا الآن أكثر استعدادًا للتنديد والنقد، مع اتساع رقعة حرب غزة على نحو يبدو بلا نهاية، وسقوط المزيد من الضحايا الفلسطينيين. فهل يشير هذا التصعيد إلى ما هو أكثر من مجرد تبدل في الخطاب؟ وهل يمكن أن تتحول "الإجراءات الملموسة" التي يتوعد بها القادة الغربيون إلى واقع فعلي، وهل ستكون ذات أثر حقيقي؟

علاقات متوترة

جاء البيان المشترك لكل من المملكة المتحدة وفرنسا وكندا في أسبوع شهد تحوّلا ملحوظا في خطاب الحكومات الغربية تجاه إسرائيل. فبعد البيان بوقت قصير، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم على مراجعة اتفاقية الشراكة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وفي إعلانها عن القرار، طالبت رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إسرائيل باتخاذ إجراءات جدية بشأن المساعدات الإنسانية، ووصفت الوضع بأنه "كارثي".

ما زالت الدول الغربية بعيدة كل البعد عن الوصول إلى إجماع في إدانتها لإسرائيل، وتشير التقارير إلى أن 17 فقط من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي أيدت مراجعة العلاقات التجارية

وقبل أيام، استخدم وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي لغة أشد قسوة، إذ صرح في البرلمان بأن معاملة إسرائيل لغزة كانت "إهانة لقيم الشعب البريطاني"، وأن دعوات وزراء الحكومة الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين من القطاع كانت "مثيرة للاشمئزاز"، و"وحشية"، و"متطرفة." وفي تكرار لسياسة الاتحاد الأوروبي، أعلن لامي أن محادثات التجارة الحرة بين بريطانيا وإسرائيل سوف تُعلّق، وأن المحادثات الأوسع حول خارطة طريق استراتيجية ثنائية مستقبلية ستخضع للمراجعة.

وما زالت الدول الغربية بعيدة كل البعد عن الوصول إلى إجماع في إدانتها لإسرائيل، وتشير التقارير إلى أن 17 فقط من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي أيدت مراجعة العلاقات التجارية، غير أن هذا الخطاب اليوم يختلف اختلافا جذريا عما كان عليه الحال في الأيام الأولى للصراع في غزة. فقد أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تضامنا مطلقا" مع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، عندما كان زعيما للمعارضة في أكتوبر 2023، إن لإسرائيل "الحق" في قطع الماء والكهرباء عن غزة أثناء هجماتها المبكرة.

أ ف ب
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (وسط) ووزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (الثالث على اليمين) يزوران مستودعات الهلال الأحمر المصري لتخزين المساعدات الموجهة إلى غزة، في مدينة العريش الحدودية المصرية، في 8 أبريل

لكن، ومع استمرار حرب غزة وتفاقم الخسائر المروعة، أصبحت الحكومات الغربية أشد انتقادا من أي وقت مضى. فلفترة طويلة، كانت الدول الهامشية ذات النفوذ الأقل، مثل أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا، هي من يتولى زمام الإدانة، غير أن الدول ذات التأثير الأكبر، مثل بريطانيا وفرنسا، أبدت تحولا تدريجيا في مواقفها مع مرور الوقت. ففي سبتمبر/أيلول 2024، أوقفت المملكة المتحدة ثلاثين من تراخيص الأسلحة لإسرائيل، لأنها اعتقدت أن ثمة "خطرا حقيقيا" من أن تُستخدم هذه الأسلحة في انتهاك القانون الإنساني. وبعد شهر، دعا ماكرون أيضا إلى وقف تسليم الأسلحة من فرنسا. ولكن، حتى في ذلك الحين، بقيت تلك الإجراءات رمزية لا أكثر، ولم تمثّل تحوّلا حقيقيا في السياسة. فقد كرر ماكرون "التزام فرنسا الثابت" تجاه إسرائيل في مكالمة هاتفية مع نتنياهو ردا على وقف التسليم، بينما استمرت بريطانيا بالسماح بحوالي 320 ترخيصا آخر للأسلحة، وهو ما يفوق بكثير التراخيص التي تم إيقافها.

في بريطانيا، رأى نواب من الصفوف الخلفية في البرلمان أن لامي لم يقدّم سوى القليل من السياسات التي لم ترتقِ إلى مستوى خطابه

هل يشهد الغرب نهجا جديدا؟

هل تمثل الإجراءات البريطانية تلك شرخا جديدا وبارزا في العلاقات الغربية الإسرائيلية؟ سارع المنتقدون إلى التقليل من شأن هذا الاحتمال. ففي بريطانيا، رأى نواب من الصفوف الخلفية في البرلمان أن لامي لم يقدّم سوى القليل من السياسات التي لم ترتقِ إلى مستوى خطابه. فالاكتفاء بتعليق محادثات التجارة سيكون ذا أثر ضئيل، ما دفع بعض النواب إلى الدعوة لاتخاذ إجراءات أكثر جدية، مثل تعليق صادرات الأسلحة، وحظر التجارة، والاعتراف بفلسطين. ورغم أن المملكة المتحدة فرضت عقوبات جديدة على ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية وأربعة كيانات استيطانية، رفض لامي الدعوات لفرض عقوبات على وزيرين في الحكومة الإسرائيلية، أحدهما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي صرّح قائلًا: "سوف نسوي غزة بأكملها بالأرض".

على نحو مماثل، وُجّهت انتقادات حادة إلى الاتحاد الأوروبي لعدم بذله جهودا كافية. فقد دعا وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، إلى فرض عقوبات على إسرائيل ردا على الأزمة الإنسانية في غزة. وأشار كثيرون إلى أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ شكّل نحو 32 في المئة من تجارة السلع مع إسرائيل في عام 2024. وكما أشار ألباريس، فإن بروكسل تملك نفوذا حقيقيا إذا ما أرادت استخدامه، غير أنها حتى الآن لم تُبدِ رغبة أو قدرة على ترجمة خطابها إلى أفعال. ويعكس ذلك الانقسامات المستمرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث تبدي كل من ألمانيا والنمسا والمجر والتشيك، على وجه الخصوص، تعاطفا أكبر مع إسرائيل مقارنة ببقية الأعضاء.

رويترز
وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس يتحدث خلال مؤتمر صحفي، في اليوم الذي تستضيف فيه الحكومة الإسبانية اجتماعًا لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والدول العربية لمناقشة الحرب في غزة، في وزارة الخارجية بمدريد، إسبانيا، 25 مايو

العامل الأميركي

يُعدّ العامل الأميركي أحد أبرز المؤثرات في طريقة تعاطي الحكومات الغربية مع إسرائيل. ورغم أنه من غير المرجّح أن يشارك الرئيس ترمب موقف كندا وبريطانيا وفرنسا، نظرا لقربه من إسرائيل، فقد عبّر عن نبرة أكثر تحفظا في معرض تعليقه على الهجوم الجديد على غزة، قائلا: "نريد أن نرى ما إذا كان بوسعنا إيقاف هذا الوضع برمته في أسرع وقت ممكن". وأبدى ترمب في الآونة الأخيرة إشارات أخرى إلى تباعده عن نتنياهو، منها تقاربه مع زعماء الخليج خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة، ومحادثاته غير المباشرة مع إيران، واستعداده للقاء الزعيم السوري الجديد ورفع العقوبات. ومع ذلك، من غير المعقول أن يقوم ترمب بوصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"الفظيع"، في الوقت الذي تقوم فيه إدارته بترحيل النشطاء وتهديد الجامعات بسبب انتقاداتهم لإسرائيل.

تدرك جميع الأطراف أنه طالما استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، أو في الحد الأدنى امتنعت عن الضغط عليها لتغيير موقفها، فإن تحقيق تحولات ملموسة سيكون أمرًا صعبًا

إن استمرار انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل سيظل اعتبارا جوهريا في كيفية تعاطي الحكومات الغربية مع أي تحول في سياستها تجاه تل أبيب. ورغم استمرار التوترات مع إدارة ترمب بشأن التعريفات الجمركية وأوكرانيا وخطر الضم (في حالة كندا)، يدرك القادة الغربيون ضرورة الموازنة الدقيقة. فهم يرغبون في رسم سياسة مستقلة تجاه إسرائيل، وهو ما تطالب به شعوبهم على نحو متزايد، لكنهم يدركون في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة تبقى الدولة الوحيدة القادرة فعليًا على التأثير في السلوك الإسرائيلي وضبطه. كما يخشون من أنّ تبنّي موقف أكثر حدة قد يؤدي إلى توسيع الهوة مع واشنطن، ويقضي على فرص إقناع ترمب بالضغط على نتنياهو. ومن ناحية أخرى، تبرز اعتبارات تتعلق بالواقعية السياسية، إذ يأمل القادة الأوروبيون أن يتمكن ترمب من لعب دور بنّاء في الحرب الأوكرانية واحتواء روسيا، التي يرون فيها تهديدا أكثر إلحاحا من الصراع في غزة، مهما بلغ غضبهم. وهذا يجعلهم أكثر حذرا من الابتعاد كثيرا عن الموقف الأميركي.

إسرائيل تتحدى

قد يفسر الدعم الأميركي المتواصل النبرة المتحدية في رد نتنياهو على البيان المشترك الصادر عن كندا والمملكة المتحدة وفرنسا، إذ قال مخاطبا القادة الثلاثة: "عندما يشكركم القتلة والمغتصبون وقاتلو الأطفال والخاطفون، فأنتم على الجانب الخطأ من العدالة". وقد عزز مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، بعد أيام من صدور البيان، ادعاء نتنياهو بأن أعداء إسرائيل ازدادوا جرأة جراء مثل هذه الانتقادات، رغم غياب أي دليل على أن المهاجم استلهم فعله من البيان. ومن نافل القول إن تجاهل نتنياهو للانتقادات، واعتبارها سببًا في تقوية "حماس"، كان نهجًا معتادًا طوال فترة الصراع.

وقد استخدم نتنياهو وحكومته الأسلوب ذاته في التعامل مع الدول الأخرى التي وجّهت انتقادات في السابق، وكذلك مع الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. وكما هو الحال مع هؤلاء المنتقدين، فإن الإدانات الجديدة الصادرة عن الحلفاء الغربيين لا تُمارس أي ضغط حقيقي على إسرائيل من شأنه أن يدفع حكومة نتنياهو إلى إعادة النظر في نهجها تجاه غزة.

وعلى الرغم من امتلاك الاتحاد الأوروبي، وبدرجة أقل المملكة المتحدة، أدوات مؤثرة مثل العقوبات الاقتصادية وحظر الأسلحة، لا توجد مؤشرات حقيقية على أن "الإجراءات الملموسة" المهدَّد بها ستصل إلى هذا المستوى. وتدرك جميع الأطراف أنه طالما استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، أو في الحد الأدنى امتنعت عن الضغط عليها لتغيير موقفها، فإن تحقيق تحولات ملموسة سيكون أمرًا صعبًا. قد يكون الحلفاء الغربيون غير الأميركيين قد فتحوا آفاقًا جديدة من خلال خطابهم الحاد، غير أنه في ظل غياب خطوات عملية ملموسة، من غير المرجح أن يشهد الوضع في غزة أي اختراق حقيقي.

font change