لا تضاهي الشرق الأوسط منطقة أخرى في العالم، من حيث التغير المستمر الذي يحدث فيها، إلا شرق أوروبا. لم يكف الشرق الأوسط عن التغير طول أكثر من قرن، وربما أكثر. فقد عُرف مصطلح الشرق الأوسط واستُخدم للمرة الأولى في مطلع القرن العشرين، وصار متداولا في الخطابات السياسية والإعلامية والأعمال البحثية والأكاديمية، بدلا من مصطلح الشرق الأدنى الذي كان قد ظهر منذ القرن الخامس عشر خلال فترة الكشوف الجغرافية، في الوقت الذي أُطلق مصطلح الشرق الأقصى على الصين واليابان وغيرهما من بلدان شرق آسيا ووسطها.
وقد سُك مصطلح الشرق الأوسط في إطار تفاعلات سياسية كانت جديدة بُعيد الحرب العالمية الأولى. وعُرف أول استخدام سياسي له عندما أُنشئت إدارة الشرق الأوسط في وزارة المستعمرات البريطانية عام 1921 حين كان ونستون تشرشل وزيرا لها. والملاحظ أن مجال عملها اقتصر في البداية على فلسطين وشرق الأردن والعراق، قبل أن يتوسع نطاقه بعد سنوات. فمن أهم سمات هذا المصطلح أنه يفتقر إلى التحديد الدقيق لمجاله الجغرافي. فقد ضُيق أحيانا، ووُسع في أحيان أخرى، حسب مقتضيات التطورات السياسية والعسكرية، أو وفقا لخلفية من يستخدمه وأهدافه. فهو يمتد من مصر غربا إلى وسط آسيا شرقا في أوسع تحديد لمجاله الجغرافي، فيما يقتصر على مصر والمشرق والخليج العربيين في أضيق تعريف لهذا المجال.
ورغم افتقار مصطلح الشرق الأوسط إلى التحديد الدقيق، فقد ظلت المنطقة المقصودة في تعريفاته المختلفة من أكثر مناطق العالم إثارة للاهتمام السياسي والشغف العلمي، ربما لأنها مسرح لصراعات وحروب مستمرة. وهي أيضا أكثر المناطق التي يشمل الاهتمام بها محاولات لتغييرها، بعد منطقة شرق أوروبا التي استهدفتها الدول الغربية في مرحلة الحرب الباردة الدولية التي انتهت بتغييرها جذريا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وهي الآن موضع صراع حاد ينطوي على محاولة جديدة لتغييرها، ولكن من جانب روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي. في الوقت الذي تسعى فيه حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل إلى تغيير الشرق الأوسط أيضا. فقد تحدث نتنياهو، وكرر، على مدى أكثر من عام أن حرب حكومته على قطاع غزة تُغيّر الشرق الأوسط. وكان آخر حديث له في هذا الموضوع حتى الآن يوم 28 أبريل/نيسان الماضي عندما قال أمام الكنيست: "سنُغير وجه الشرق الأوسط، وهذا ما ننفذه بالفعل الآن عبر كسر محور الشر في غزة ولبنان وسوريا ومواقع أخرى". وواضح في حديثه المتكرر أنه يقصد ليس فقط تغيير أنماط التفاعلات الإقليمية بعد كسر ما يُطَلق عليه المحور الإيراني، ولكن أيضا وضع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط لتكون هي مركزه الرئيس.