هل يُدخل "حزب الله" لبنان في حرب مدمرة جديدة؟

قرار الحرب والسلم في لبنان لا يزال رهينة طهران

أ ف ب
أ ف ب
لافتة رُفعت مؤخرا تصور العلم اللبناني، مكان لافتة سابقة لـ"حزب الله" على طريق مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت في 10 ابريل

هل يُدخل "حزب الله" لبنان في حرب مدمرة جديدة؟

دخلت الحرب بين إيران وإسرائيل أسبوعها الثاني، فيما يخيم في لبنان سؤال واحد بإلحاح: هل يُقدم "حزب الله" على فتح جبهة الجنوب دعما لطهران، كما فعل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حين قرر، بشكل أحادي، زج لبنان في أتون حرب مدمرة، تحت شعار "إسناد غزة"، و"وحدة الساحات"؟

فمنذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل، سارع كل من رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، على تأكيد حياد لبنان، والتحذير من زجه في حرب جديدة، سيكون ثمنها ثقيلا على لبنان واللبنانيين، ولكن بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن على الإيرانيين "الاستسلام بشكل غير مشروط"، وأنه يدرس مشاركة بلاده في هذه الحرب، خرجت مصادر من "الحرس الثوري" الإيراني، وأخرى من "حزب الله" عبر وسائل إعلامية، لتعلن أن دخول "الحزب" في المعركة، أمر غير مستبعد، وأن دخول الأميركيين الحرب يعني تدخل الحزب "بأسلحته الثقيلة"، هذه الأسلحة التي لم يستخدمها الحزب طيلة الحرب على لبنان، رغم الهزيمة المدوية التي تلقاها.

الحديث عن إمكانية تدخل "حزب الله" في الحرب، أثار موجة استياء في الأوساط السياسية والشعبية في لبنان، خصوصا أن العهد الجديد كان قد تعهد أمام اللبنانيين بحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة، لا أن يبقى مصير السلم بيد "حزب" يجاهر بتبعيته لدولة خارجية، وهذا ما أكد عليه بيان "حزب الله" ردا على التهديدات بقتل المرشد الإيراني علي خامنئي، إذ اعتبر البيان أن هذا التهديد "حماقة وتهور، له عواقب وخيمة، وعلى الرغم من سخافته وانحطاط مستوى مَن يُهدد، فإن مجرد ‏النطق به فيه إساءة إلى مئات الملايين من المؤمنين والمحبين والمرتبطين بالإسلام، وخط الأصالة والمقاومة والعزة، ‏وهو مستنكرٌ ومُدان بأبلغ عبارات الإدانة".

وتابع: "إننا اليوم أكثر إصرارا وتمسكا بنهج الولي القائد العظيم، الإمام خامنئي (دام ظله)، وأكثر التفافا حول مواقفه العظيمة، ‏وتصديه مع الشعب الإيراني البطل والعزيز، في مواجهة العدوان الإسرائيلي-الأميركي على الجمهورية الإسلامية ‏الإيرانية".

وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري خرج بتصريح لوسائل إعلامية يوم الخميس، رد فيه على إمكانية فتح جبهة الجنوب بالقول "لبنان لن يدخل في حرب جديدة 200 في المئة

وفي هذا السياق تواصلت "المجلة" مع مصدر في رئاسة الجمهورية ومصدر آخر في رئاسة الحكومة للتعليق على التسريبات، إلا أنهما رفضا التعليق، واكتفى مصدر مقرب من رئيس الحكومة بالقول، إنه منذ اليوم الأول للحرب، حذر الجيش اللبناني "الحزب" من أي محاولة للعب باستقرار الجنوب وأمنه"، مؤكدا: "بالطبع قرار الحرب والسلم بيد الدولة، والدولة أكدت هذا الأمر لـ"الحزب"، وإن لم يلتزم نترك الأمور لوقتها". وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري خرج بتصريح لوسائل إعلامية يوم الخميس، رد فيه على إمكانية فتح جبهة الجنوب بالقول "لبنان لن يدخل في حرب جديدة 200 في المئة".

ولكن لم تمض إلا ساعات قليلة على تصريح بري، ليخرج أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم ويعلن في بيان أن "حزب الله" ليس على الحياد: "لسنا على الحياد في "حزب الله" والمقاومة الإسلامية بين حقوق إيران المشروعة واستقلالها، وبين باطل ‏أميركا وعدوانها، ومعها الغُدة السرطانية إسرائيل والمستكبرين. نحن إلى جانب إيران في مواجهة هذا ‏الظلم العالمي، لأننا مع استقلالنا، وتحرير أرضنا وحرية قرارنا وخياراتنا. لسنا على الحياد، ولذا نُعبر ‏عن موقفنا إلى جانب إيران وقيادتها وشعبها، ونتصرفُ بما نراه مناسبا في مواجهة هذا العدوان ‏الإسرائيلي الأميركي الغاشم".

وتعليقا على بيان قاسم يقول الكاتب السياسي علي الأمين إن "في قول نعيم قاسم أن لا حياد في هذه المعركة هو رد على الداخل اللبناني أيضا، وليس توجيه رسالة لإسرائيل فقط، هو لا يقول إنني سأدخل المعركة، ولكن يقول نحن لسنا محايدين، فرغم الحرب التي تتعرض لها طهران، الملاحظ أننا لم نشهد أي تجمع على مستوى العالم، ليعلن تضامنه مع إيران ، وهذا يحرج الإيرانيين، وعلينا أن نعلم جيدا أن "حزب الله" لا يستطيع أن يقول لا أريد أن أضرب إسرائيل ، أو أساند إيران أو أن لا علاقة لي في هذه المعركة، هذا الكلام معنويا وعقائديا لا يناسبه. ليس من السهل عليه أن يقول إنني على الحياد، ولكن هذا لا يعني دخوله في هذه الحرب، لأنه يعلم أن أي تدخل يعني انتحارا ليس له فقط، إنما لكل لبنان، وسيكون الخاسر الوحيد في هذه المعركة".

أ.ف.ب
متظاهرون يرفعون العلم الإيران وعلم حزب الله خلال تجمع نظمه حزب الله لإغلاق الطريق إلى مطار بيروت الدولي بسبب قرار منع رحلتين إيرانيتين من الهبوط في مطار بيروت، لبنان في 15 فبراير

وتابع الأمين "في أحد أوجه رد نعيم قاسم يقول: "إن كلام نبيه بري لا يمثلهم، بل هم يتمايزون عنه في هذه النقطة، ولكن هذا يبقى تمايزا معنويا أكثر من ما هو جدي".

جبهة الجنوب... قرار إيراني

إذن رغم التأكيدات الرسمية بأن "لا مصلحة للبنان في هذه الحرب، وأن لا أحد قادر على دفع ثمن تكلفة أي حرب"، فإن احتمال دخول "حزب الله" الحرب يبقى موجودا بقرار إيراني، فبحسب الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية نبيل خوري في حديث مع "المجلة" رأى أن "مجرد عدم تدخل "حزب الله" منذ اليوم الأول للحرب بين إيران وإسرائيل ، يعني نوعا من إقرار أو اعتراف ضمني أنه لم يعد قادرا على المساهمة، فيما يسمى سياسة الردع الاستراتيجي لحماية إيران ، بعد التجربة التي مر بها في الحرب السابقة، وأصيب بنكسات وهزيمة كبيرة، وبحكم الواقع أصيب "حزب الله" بضعف لا أحد يمكن نكرانه، بعدما كان يتغنى بقوته وقدراته البنيوية والعسكرية، لذلك عدم مشاركته اليوم، تأكيد أنه لم يعد يشكل قوة ردع، قامت إيران ببنائها، لمواجهة إسرائيل في حال تعرضت إيران لأي ضربة من قبل إسرائيل ، وهذا هو جوهر وجود "حزب الله" منذ ما بعد تحرير لبنان، فـ "حزب الله" الذي وجد في الأساس كمقاومة لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي حتى العام 2000، أصبح بعدها قوة عسكرية عابرة للحدود، ولعب دورا إقليميا مهمته الأساسية الردع، في حال تعرضت مصالح إيران لأي تهديد، ولكن هذا الأمر تغير نسبيا بعدما تعرض الحزب لنكسات في حرب الإسناد".

إن أي حرب مقبلة لإسرائيل مع "الحزب" ستؤدي حتما إلى تحولات دراماتيكية وديموغرافية في الجنوب

ولفت خوري "من الممكن أن تكون إيران قد فضلت تحييد (حزب الله) في الوقت الحالي، باعتبار أن تدخله سيعقد الأمر أكثر، وهم يراهنون على إنهاء التصعيد دبلوماسيا. ولكن احتمال تدخل (حزب الله) وارد، وهو عند اقتراب الحسم العسكري لصالح إسرائيل وأميركا، فعندما تشعر إيران بأنها ذاهبة إلى هزيمة كبيرة ونهاية مروعة، خصوصا إن دخلت الولايات المتحدة على خط الحرب، ستطلب من (حزب الله) المساندة، ولكن هل (حزب الله) سيفعلها، وهل إيران ستدفعه لمساندتها خصوصا أن أي حرب مقبلة لإسرائيل مع (الحزب) ستؤدي حتما إلى تحولات دراماتيكية وديموغرافية في الجنوب، من تهجير أهله وتدمير كبير؟"، وختم خوري "اعتقد أن دخول (حزب الله) الحرب مرتبط بتحول الأحداث في إيران".

من جهته قال الأمين لـ"المجلة": "يدرك "حزب الله" في العمق أن الرد على إسرائيل هو لحظة انتحارية، وأيضا "حزب الله" بحسب معرفتنا به، باعتباره حزبا يلتزم بقرار ولي الفقيه، والتزامه الأساسي هو التزام بمرجعية خامنئي، وهي ليست مجرد مرجعية دينية، بل هي مرجعية سياسية وعقائدية، فبالتالي قراره الأساسي ليس لدى قيادته، أي إن قرار دخول (حزب الله) الحرب هو قرار إيراني، ولا يمكن أن يكون قرارا ذاتيا. ولكن (حزب الله) لن يتخذ هذا القرار إن لم تطلب منه إيران ذلك، لأنه يعلم تماما أن إمكانياته العسكرية خاصة بعد الحرب الأخيرة التي خاضها، تجعله عاجزا في أن يقوم بأي مواجهة مع إسرائيل، لأنه يعلم جيدا أن أي حرب جديدة مع إسرائيل ستؤدي إلى كارثة، لا تقتصر عليه وعلى بيئته وجمهوره، وإنما تمتد إلى كل لبنان، لذلك إذا كان القرار له ولقيادته، فهو لن يخطو هذه الخطوة".

إذا كان هناك قرار إيراني بدفع "حزب الله" على الانخراط في الحرب، ستكون طهران في لحظة حرجة جدا، أي عندما تكون الحرب على وشك الحسم من قبل إسرائيل

ولكن لماذا يمكن أن تدفع إيران "حزب الله" للانتحار؟ يقول الأمين: "إذا كان هناك قرار إيراني بدفع "حزب الله" إلى الانخراط في الحرب، ستكون طهران في لحظة حرجة جدا، أي عندما تكون الحرب على وشك الحسم لصالح إسرائيل، حينها لن يكون القرار مبنيا على ما تقتضيه مصلحة لبنان أو مصلحة "حزب الله" وحساباته الداخلية، ففي هذه اللحظة من الممكن أن تقدم إيران على أمر "حزب الله" بتوجيه ضربات على إسرائيل، ولكن الجميع يعلم أن قدرات "حزب الله" باتت محدودة جدا، وقدرة إسرائيل على لجم ضربات "حزب الله" كبيرة، وهذا ما شاهدناه في الحرب الأخيرة، وربما إسرائيل تنتظر مثل هذه الفرصة لتأخذ الحجة وتستكمل ما بدأته في السابق من تدمير لقدرات (حزب الله) العسكرية".

بدوره يقول الكاتب السياسي أسعد بشارة في حديث لـ"المجلة": "إن (حزب الله) بدأ يلمح بأنه إلى جانب إيران في هذه الحرب، وهذا ينذر بخطر شديد، وعلى الرغم من الضربات التي تلقاها (حزب الله) بعد الحرب، لا أستبعد أن يلبي (الحزب) الطلب الإيراني، بفتح جبهة الجنوب، وإذا حصل هذا الأمر، فهذا يعني أن لبنان سيواجه ضربة قاسية، وسيضرب بعرض الحائط كل ما حاولت الدولة التأكيد عليه بحصرية السلاح بيد الدولة، والتفاوض لإنهاء هذا الملف، وبرأيي هذا الأمر لم يعد مستبعدا على الإطلاق".

أ.ف.ب
إيراني يحمل صورة المرشد الأعلى علي خامنئي، وزعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي قتل في غارة جوية إسرائيلية في 27 سبتمبر 2024. وقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، الذي قُتل على يد الولايات المتحدة في يناير 2020

 وتابع بشارة: "إذا كانت الحرب ستؤدي إلى سقوط النظام الإيراني، فسيكون هذا الأمر بمثابة رصاصة الرحمة على كل حلفاء إيران، وبالتالي لن يكون أمامهم سوى الدخول في هذه الحرب، بغض النظر إن كان انخراطهم فيها سيغير في المعادلة أم لا. لذلك ننتظر من الدولة اللبنانية، أن تقوم بما عليها بشكل صارم لعدم جر البلاد إلى حرب مدمرة، والرسائل التي وصلت إلى (حزب الله) من رئاسة الجمهورية والحكومة بالمباشر لا تكفي، لأنه لا توجد ثقة بأن (حزب الله) سيلتزم بما تقتضيه مصلحة لبنان، بسبب ارتباطه بشكل وثيق وقاطع بإيران، وبالتالي إذا كان هناك طلب إيراني سيلبى بالطبع، بغض النظر عن النتائج".

حسم ملف السلاح ينتظر نتائج الحرب

قبل بدء حرب إيران وإسرائيل كان قد بدأ لبنان مسار حصر السلاح غير الشرعي بيد الدولة اللبنانية، عبر الحوار مع "حزب الله" كما أعلن رئيس الجمهورية جوزيف عون، وفي ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات كما تقرر في الزيارة الأخيرة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ولكن مع بدء هذه الحرب التي تنذر بمخاطر صراع إقليمي، يمكن أن يكون طويلا، هل يرتبط ملف حصر السلاح غير الشرعي في لبنان بنتائج هذه الحرب؟

يقول بشارة: "إن زيارة الموفد الأميركي حملت المزيد من التشديد على بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، والتأكيد على أنه لن تكون هناك أي مساعدة، ولا أي تطبيع للوضع مع لبنان، إلا عندما تنفذ الدولة ما يفترض أن تنفذه من جهة سلطة الدولة، وهو أمر عالق لا يتم التقدم به مترا واحدا إلى الأمام، خصوصا أن "حزب الله" لا يتجاوب في موضوع تسليم السلاح، رغم أنه يحاول إظهار مرونة في الكلام، وبالتالي الدولة عالقة في منطقة مأزومة تدور مكانها".

أي تسوية ستؤثر كثيرا على موضوع السلاح، إذا انتصرت إيران، وإذا هزمت إيران بالطبع سيكون لهذه الهزيمة تأثير مباشر على لبنان، وأي تسوية حكما ستكون أذرع إيران وملف سلاح "حزب الله" من ضمنها

من جهته، يرى الأمين: "أن ملف حصرية السلاح لن يحسم قريبا، خصوصا أننا كنا ننتظر خطوة تنفيذية في 15 يونيو/حزيران، ولم تحصل، وهي تتعلق بالسلاح الفلسطيني داخل المخيمات، فحكم سلاح (حزب الله) وهو الأصعب، لن يتخذ أي قرار بشأنه قريبا، وأيضا لا يبدو أنه في ظل هذه الحرب، ستكون هناك خطوات رسمية لسحب سلاح (حزب الله) وإنهاء هذا الملف، بنهاية الأمر سيصبح السلاح مرهونا بنتائج هذه الحرب، إلى حين انتصار أحد الأطراف، أو إلى حين التوصل إلى تسوية، وأي تسوية ستؤثر كثيرا على موضوع السلاح، إذا انتصرت إيران، وهذا أمر صعب، فهذا ستكون له تداعياته، وإذا هزمت إيران بالطبع ستكون لهذه الهزيمة تأثير مباشر على لبنان، وأي تسوية حكما ستكون أذرع إيران وملف سلاح (حزب الله) من ضمنها. لن نشهد نصف حل في المرحلة المقبلة، إما تسوية واضحة وتحسم كل النقاط الخلافية فيها، وإما انتصار لأحد الطرفين، وبالتأكيد سيفرض المنتصر شروطه على الآخر، إذن هذا الملف سيرتبط قطعا بمصير الحرب، خصوصا أن رئاسة الجمهورية والحكومة لم يكونا شديدي الحسم خلال الفترة الماضية في هذا الملف".

font change

مقالات ذات صلة