تدخل الحرب الإيرانية–الإسرائيلية أسبوعها الثاني وسط مؤشرات توحي بأنها سلكت مسار اللاعودة إلى نقطة "الحرب الباردة" التي كانت عليها قبل الثالث عشر من الشهر الحالي. فالحرب، التي كان الطرفان يتوقعانها أصلا، تختلف في عقيدتها العسكرية والقتالية عن سواها من الحروب المباشرة وغير المباشرة التي شهدتها المنطقة اعتبارا من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ إنها تنشب هذه المرة بين دولتين وليس بين فصائل مقاومة وإسرائيل.
ومن المعروف أن أي حرب بين دولتين تنتهي بانتصار إحداهما على الأخرى، إذا لم يتوافر وسيط يعمل على وقفها، أو مبادرة أممية تفرض على الدولتين "ستاتيكو" معينا كما حصل مؤخرا بين باكستان والهند ودخول الوسيط الأميركي على خط التسوية بينهما وسحب فتيل التوتر الذي كان يهدد الاستقرار العالمي برمته.
بالعودة إلى الظروف السياسية والدبلوماسية المحيطة بهذه الحرب نجد أنها بدأت في خضم المفاوضات الأميركية-الإيرانية حول الملف النووي الإيراني في كل من روما ومسقط، ولم تكن المؤشرات حينها توحي بأن هذه المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود، من دون أن يعني ذلك أنها كانت تسير بخطى متسارعة وتحقق إنجازات نوعية ولافتة. ورأى المحللون في هذه المفاوضات رغبة أميركية تنسجم مع السياسة التي يسلكها الرئيس ترمب منذ انتخابه وهي سحب فتيل التوتر في المنطقة، وعدم الشروع في تدخل عسكري مباشر أو غير مباشر، والتفرغ إلى جبهة أخرى وهي معالجة الخطر الاقتصادي المتمثل في الصين.
تم التمهيد للحرب بإعلان وكالة الطاقة الذرية قبل يوم على بدء الحرب أن إيران لا تمتثل لالتزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي، وصوَّت 19 عضوا لصالح هذا الإعلان وعارضته ثلاث دول وامتنعت 11 دولة عن التصويت. مما اعتبر تفويضا دوليا مسبقا لإسرائيل لضرب القدرة النووية الإيرانية، لأن الوقت الفاصل بين قرار الوكالة وبدء الهجوم الإسرائيلي ليس كافيا وفق المعادلات العسكرية للتحضير لهجوم من دولة على دولة أخرى.
لم تغب عبارة الخارطة الجديدة للشرق الأوسط عن الخطابين السياسي والعسكري الإسرائيلي منذ بدء التطورات العسكرية في المنطقة أواخر عام 2023، وأصبحت هذه العبارة ذات دلالات ميدانية بعد سقوط النظام السوري وتحييد سوريا نهائيا عن الساحة الإقليمية، وكذلك تحييد الجبهتين اللبنانية والعراقية. الأمر الذي وجد فيه نتنياهو فرصة للقضاء على رأس المحور الممانع مستفيدا من تعثر المفاوضات الأميركية–الإيرانية في الملف النووي، وموحيا للإدارة الأميركية بأنه إذا مارس ضغطا عسكريا على إيران فذلك من شأنه أن يدفع بها إلى تقديم تنازلات في هذا الملف، لكن الهدف الحقيقي هو الحد من قدرة إيران على البقاء مصدر تهديد لإسرائيل، وقد أكد نتنياهو نفسه هذا الأمر عندما قال إن هذه الحرب ستغير وجه العالم.