هل يعود "الإخوان المسلمون" للعمل السري بعد اجراءات فرنسا والأردن؟

أ.ف.ب
أ.ف.ب
وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيللو يلتقي بضباط شرطة البلدية في مبنى بلدية نيم، جنوب شرق فرنسا، 16 مايو

هل يعود "الإخوان المسلمون" للعمل السري بعد اجراءات فرنسا والأردن؟

عندما يدور الحديث حول الإسلام الحركي المعاصر، فإن التركيز يتمحور غالبا حول جماعة "الإخوان المسلمين" التي شكّلت نقطة التحول في تحويل الدين إلى حركة أيديولوجية شملت التحول من التعايش السلمي إلى المواجهة، خصوصا في المرحلة التي عُرِفَتْ بـ"الصحوة" بداية ثمانينات القرن الميلادي العشرين والتي نادت بـ"إسلامية الحكم".

ينبغي التوضيح هنا أن المشكلة لا تكمن في صراع بين العلمانية والإسلاميين كمبدأ. فالنهج العلماني في إدارة الدولة، وإتاحة هامش للتعددية الحزبية، وتداول السلطة التنفيذية عبر التنافس الانتخابي بين الكتل والأحزاب والجماعات السياسية المرخصة كان قد بدأ في مصر منذ العهد الملكي، تحديدا منذ عام 1922، العام الذي شهد الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. واستمر العمل بهذا الدستور حتى ألغاه الملك فؤاد عام 1930 واستبدل به دستور 1930 الذي عملت به مصر مدة خمسة أعوام، لكن الضغوطات الشعبية المتزايدة أجبرت الملك فؤاد على وقف العمل بدستور 1930، وإعادة اعتماد دستور 1923 الذي استمر العمل به حتى عام 1953. ولكن الوضع قد تبدّل مع مجيء الجمهوريات ذات الطابع العسكري الثوري من جهة، وتبني جماعة "الإخوان المسلمين" لمبدأ الحاكمية نهجا لإدارة الدولة من جهة أخرى، ممّا أزّم العلاقة بين الدولة والجماعة.

نقف في السطور التالية على الجذور التاريخية لهذه العلاقة، خصوصا التحولات السياسية في ظل الأنظمة الجمهورية العربية العلمانية التي تعتبر مبدأ "الحاكمية"، مبدأ رجعيا يتناقض مع جوهر الفكر التقدمي الذي ادعت تلك الأنظمة تبنيه. وعليه فقد حاربت تلك الأنظمة الجمهورية العربية العلمانية منظمات وشبكات وتيارات وأحزاب الإسلام الحركي، وعملت على تحجيم دور الدين في الحياة العامة، وحصره في المساجد، واتخاذ الدين الإسلامي مصدرا لسنِّ واشتراع قوانين الأحوال الشخصية وليس لرسم سياسات الدولة.

حتى بعد تجريد الخليفة العثماني من صلاحيات الحكم عام 1922، ظل المنصب الروحي لـ"الخليفة" محافظا على الحد الأدنى من اسم "الخلافة" على أمل استعادة عافيته من جديد

السياق التاريخي

منذ عام 632م (11 للهجرة)، شكلت "الخلافة" المدماك الرئيس لهيكل الحكم في الدولة الإسلامية. ومنذ قيام الدولة الأموية عام 662م حتى الإعلان الرسمي لنهاية الدولة العثمانية عام 1924، نشأت في العالم الإسلامي خمسة أنظمة حكم على رأس هرمها "خليفة"، وقد حافظ الخلفاء المسلمون على الجانب الشكلي للحكم الإسلامي بضرورة وجود إمام يجتمع حوله المسلمون بغض النظر عن مستوى تدينه الشخصي أو تطبيقه للشريعة الإسلامية. وحتى بعد تجريد الخليفة العثماني من صلاحيات الحكم عام 1922، ظل المنصب الروحي لـ"الخليفة" محافظا على الحد الأدنى من اسم "الخلافة" على أمل استعادة عافيته من جديد، متذكرين أيام ضعف "الخلافة العباسية". لكن حتى هذا الشكل المفرغ من محتواه لم يصمد أكثر من 16 شهرا عندما طالبت بريطانيا في مؤتمر لوزان بإلغاء "الخلافة" كشرط للاعتراف بتركيا كدولة قومية.

في الفترة الممتدة بين منتصف خمسينات القرن العشرين إلى نهاية السبعينات، قامت مجموعات من عناصر "الإخوان" بالهجرة إلى دول الخليج العربي هربا من بطش الأنظمة

شكّلت تنحية عبد المجيد الثاني في مارس/آذار 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك فراغا لدى أقطاب الإسلام الحركي مما دفعهم للتفكير في حال الأمة المتزامن مع شدة الاستعمار الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وانشغلت الأوساط العلمية الإسلامية، على اتساع مساحة العالم الإسلامي الممتدة من شبه القارة الهندية حتى سواحل الأطلسي، بنقاش حول أهمية إبقاء "الخلافة" كرمز جامع للمسلمين يتكفل بتوحيد سعيهم لنيل الاستقلال والحصول على أسباب النهوض والتقدم. وقد بلغ هذا النقاش ذروة زخمه خلال الفترة بين عامي 1922 و1924، وبعد أربعة أعوام من انحسار زخم النقاش العلمي حول "الخلافة"، أسس حسن البنا جماعة "الإخوان المسلمين" التي تدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر عام 1928.

انتقل فكر "الإخوان المسلمين" لعدة بلدان عربية وإسلامية، حيث تأسست فروع للجماعة في جيبوتي والسودان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق وغيرها. وباعتبار الجماعة تنظيما هرميا، فقد كان في كل فرع "مشرف عام" على الجماعة لا تتعدى سلطته حدوده الجغرافية ويدين بالبيعة لـ "المرشد العام" للجماعة في مصر. أي إن الهوية القومية المصرية هي الطاغية على رأس الهرم.

منذ تأسيس جماعة "الإخوان المسلمين"، تماشت الجماعة مع نظام الملكية الدستورية الذي يضمن التعددية السياسية تحت مظلة الملك، وأنشأت مقرات لها في دول أخرى يديرها أبناء تلك الدول. ورغم كثرة التجاذبات السياسية، فإن الجماعة ظلت حتى بعد اغتيال مؤسسها عام 1949 وانتخاب حسن الهضيبي خلفا له. وحتى بعد ثورة يوليو/تموز 1952، تم استثناء جماعة "الإخوان" من قرار حل الأحزاب السياسية، إذ كان بين الضباط الأحرار من خلفيته "إخوانية" مثل حسين الشافعي. ولكن لاحقا تطورت العلاقة بين نظام الرئيس جمال عبد الناصر وجماعة "الإخوان" لتصبح صراعا على السلطة، رأت فيه جماعة "الإخوان" أنها الشريك الأقوى، والأحسن تنظيما، والأرسخ جذورا في البيئة المصرية، وفي هذا ما يؤهلهم للعمل على الصعود لأعلى هرم السلطة، أي تبديل نظام الحكم. وكانت قاصمة الظهر في علاقة الجماعة بالرئيس جمال عبد الناصر، القضية التي أتهم فيها الجماعة بمحاولة اغتيال عبد الناصر فيما صار يعرف بـ"حادثة المنشية". وعليه، فقد تغيرت الظروف باتخاذ الضباط الأحرار نهجا علمانيا مناوئا لأشكال أسلمة السياسة مما تسبب في هجرة كثير من رموز "الإخوان" خارج مصر. الأمر نفسه حصل لـ"الإخوان" في باقي الدول العربية التي أصبحت تحكمها أنظمة جمهورية علمانية مثل سوريا والعراق، فكانت هذه هي بدايات تدفق كوادر جماعة "الإخوان" إلى دول الخليج العربية.

الهجرة والملاذ والتمكين الثقافي

في الفترة الممتدة بين منتصف خمسينات القرن العشرين إلى نهاية السبعينات، قامت مجموعات من عناصر "الإخوان" بالهجرة إلى دول الخليج العربي هربا من بطش الأنظمة العسكرية في الدول الجمهورية- وعلى رأسها مصر وسوريا- واستثمارا للعلاقة المتوترة بين دول الخليج وتلك الأنظمة الثورية التي كانت تتبنى خطابا عدائيا للأنظمة الملكية وتصفها بـ"الرجعية والتعاون مع الإمبريالية". وباعتبار أن دول الخليج كانت تشهد تطويرا في البنى التحتية وتحتاج كوادر غير متوفرة بين مواطنيها، فقد كانت فرصة لعناصر "الإخوان" المهاجرين ليعملوا في القطاع العام، وتحديدا التعليم. هنا سنحت الفرصة لـ"الإخوان المسلمين" لنشر فكرهم الحركي ليس عن طريق ممارسة التدريس فحسب، بل بإشرافهم على وضع المناهج التعليمية وفق النظام الحديث كونهم قادمين من خلفية أكاديمية في بلدانهم مقابل التعليم الديني التقليدي في الخليج الذين تركوا لهم ذلك باستثناء مناهج العقيدة التي ظلت حصنا منيعا تحت رعاية المشايخ المحليين. وكان من أبرز الأسماء "الإخوانية" التي عملت في التعليم -على سبيل المثال- من مصر: محمد قطب شقيق سيد قطب، لاشين أبو شنب، محمد الراوي، ومناع قطان. ومن سوريا: عبد الفتاح أبو غدة، محمد أبو الفتح البيانوني، ومحمد سرور زين العابدين. والقائمة تطول بالأسماء "الإخوانية" البارزة التي عملت في قطاع التعليم، منهم من لبث لفترة قصيرة ثم غادر كمحمد سرور الذي غادر للكويت قبل أن يستقر في لندن ليعود بعدها لقطر ويتوفى ويدفن فيها 2016.

شهد "الربيع العربي" انتكاسة لجماعة "الإخوان"، حيث دخلوا بقوة على الخط في مناطق النزاع، كما سببوا إزعاجا لعدة دول مستقرة مما أدى إلى إدراجهم على رأس أولويات مكافحة التطرف

إن انتقال شخص مثل محمد سرور إلى لندن يأتي ضمن سياق موجة هجرة عناصر الجماعة الفاعلين إلى الغرب من أجل استغلال مناخ الحريات الذي تكفله القوانين القائمة على الديمقراطية والتي تم تشريعها لتتناسب مع العقد الاجتماعي لدول أوروبا الغربية التي كانت تواجه العدو الأخطر لها خلال فترة الحرب الباردة وهو الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفياتي.

بدأت هجرة "الإخوان" إلى أوروبا بعد "حادثة المنشية" عام 1954 عندما اتهم جمال عبد الناصر جماعة "الإخوان" بمحاولة اغتياله. وقتها لجأ مجموعة من أعضاء الجماعة إلى دول مثل بريطانيا وألمانيا وسويسرا. غالب أولئك المهاجرين كانوا من الممارسين للتجارة أو أصحاب التأهيل في مهن كالهندسة، أما بالنسبة للدعاة فقد ركّزوا على دول الخليج. وباعتبار المهاجرين لأوروبا لا يحملون صفة "رجال دين"، فقد تحركوا بشكل هادئ لتنظيم أمورهم وفق القوانين المتاحة هناك. وكان من أبرز تلك الخطوات تأسيس منظمات مثل "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا" (FIOE) في بروكسل عام 1989، والذي أصبح الجناح الأوروبي الرئيس للجماعة. وركزت تلك المنظمات على إنشاء مساجد، وجمعيات خيرية، ومراكز ثقافية لتعزيز وجودهم بين الجاليات المسلمة، حيث أصبحوا هم القادة الاجتماعيين لتلك الجاليات.

وبعد أحداث "الربيع العربي" التي تلتها الإطاحة بحكومة "الإخوان" في مصر إضافة للأحداث في سوريا وليبيا، شهدت أوروبا موجة جديدة من هجرة عناصر "الإخوان". وقد ركّزت الموجة الجديدة على ثلاث دول: بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ويأتي هذا التركيز بسبب مناخ الحريات الكبير الذي تسمح به القوانين البريطانية، حيث يقوم "الإخوان" بإدارة جمعيات إغاثة.

أما بالنسبة لفرنسا، فهي الدولة التي تحتوي على أكبر جالية مسلمة في أوروبا والتي تقدّر بـ6 ملايين. أما ألمانيا، فهي دولة قد رفعت نسبة استقبال اللاجئين في فترة ما بعد "الربيع العربي" ومنحتهم الكثير من الفرص، فكانت وجهة جيدة لمن أراد الاستقرار السريع في أوروبا.

في الفترة الأخيرة، نحت عدة دول باتجاه مكافحة التطرف، وكانت أنشطة جماعة "الإخوان المسلمين" على رأس الأنشطة التي تمت مراقبتها وتقنينها. ثمة عدة دول أوروبية تتهم العناصر والمؤسسات "الإخوانية" بأنها تسعى لإنشاء مجتمعات موازية بدلا من الاندماج في المجتمعات الأوروبية مما يشكّل تهديدا للهوية الأوروبية البيضاء التي تواجه تحديا مزدوجا يتمثل في تدفق اللاجئين وإحجام الأوروبيين البيض عن الإنجاب. في المقابل، فإن المؤسسات الإسلامية في أوروبا تتهم الجهات الحكومية التي تضيق عليها بأنها تنطلق من نهج معادٍ للمهاجرين وتتبنى الإسلاموفوبيا ضد مواطنين يريدون أن يعيشوا وفق دينهم بما لا يتعارض مع القوانين المحلية.

لقد شهدت فترة "الربيع العربي" انتكاسة لجماعة "الإخوان" في الدول العربية، حيث دخلوا بقوة على الخط في مناطق النزاع، كما سببوا إزعاجا لعدة دول مستقرة مما أدى إلى إدراجهم على رأس أولويات مكافحة التطرف.

أما بالنسبة لأوروبا، فإن الحكومات تتهم الجمعيات الإسلامية التي تدار غالبيتها من عناصر "إخوانية" أو متأثرة بـ"الإخوان" بأنها تشجع التطرف وتساهم في سفر مواطنيها إلى مناطق النزاع للانضمام للتنظيمات المتطرفة وعلى رأسها "داعش" وفروعها. لذلك شهدت الجماعة تحديات كثيرة، نتناول هنا مثالين هما الأردن وفرنسا.

كون الجماعة التي تواجه إسرائيل في غزة (حماس) ذات خلفية "إخوانية"، وأن دعمها يأتي من إيران وأذرعها الشيعية، مسألة تشكّل إحراجا لـ"الإخوان" بشكل مزدوج

حظر أنشطة "الإخوان" في الأردن

في 23 أبريل/نيسان 2025 أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية حظر جميع أنشطة جماعة "الإخوان" باعتبارها جماعة "غير مشروعة". وقد صرّح الفراية بـ"اعتبار الانتساب لجماعة (الإخوان المسلمين) أمرا محظورا، وحظر الترويج لأفكارها، وتحت طائلة المساءلة القانونية... إنه في الوقت الذي أتاحت فيه الدولة الأردنية لكافة مواطنيها حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والتعبير عن الرأي وممارسة النشاطات السياسية وفقا للقانون، فقد ثبت قيام عناصر ما يسمى بجماعة (الإخوان المسلمين) بالعمل في الظلام، والقيام بنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار، والعبث بالأمن والوحدة الوطنية، والإخلال بمنظومة الأمن".

وقد جاء ذلك الموقف بعد إعلان المخابرات الأردنية في 15 أبريل 2025 عن إلقاء القبض على 16 شخصا متهمين بتصنيع صواريخ وطائرات مسيرة وحيازة متفجرات بهدف "إثارة الفوضى والتخريب". كما ورد في الإعلان أن هؤلاء الأشخاص لهم صلات بـ"الإخوان المسلمين". في المقابل، نفت الجماعة أي علاقة لها بهذه الأنشطة، مؤكدة أنها أعمال فردية تهدف إلى دعم "المقاومة الفلسطينية"، وأن الجماعة ملتزمة بالنهج السلمي والخط الوطني، وأكدت أن تاريخها منحاز على الدوام لأمن الأردن واستقراره، وأنها متمسكة بموقفها بـ"رفض أي استهداف للأردن وأن حمل السلاح هو حق حصري بيد الدولة".

وفي هذا الصدد قامت السلطات الأردنية باعتقال قيادات "إخوانية" بارزة مثل مصطفى صقر مبارك، وأحمد الزرقان، وحسيب الرجال. هذه الخطوات التصعيدية من قبل حكومة عمّان تهدف إلى تقويض قوة جماعة "الإخوان المسلمين" التي تتبنى نهجا يخالف نهج الدولة الأردنية التي تحصر السلاح في يد الدولة دون أي استثناءات.

عندما نقرأ بيان "الإخوان" نجد فيه نقطتين مهمتين؛ الأولى تنفي عن نفسها تهمة التوجه المنهجي للعمل المسلح، والأخرى تقديم تبرير دعم المقاومة الفلسطينية من قِبل "أفراد" من الجماعة. هذه الاستراتيجية السائلة من أعمدة المنهج "الإخواني" الذي يعلن الالتزام بالأنظمة والقوانين الرسمية من أجل المحافظة على العلاقة الإيجابية مع الدولة، لكنه لا يريد التخلي عن جماهيريته التي تتم تعبئتها عن طريق لغة المزايدة على الآخرين، خاصة الحكومات.

بترا
وزير الداخلية الأردني مازن الفراية يعلن حظر نشاطات "جماعة الإخوان المسلمين" واعتبارها جمعية غير مشروعة، عمان، 23 أبريل 2025

تعتبر "المقاومة" و"تحرير فلسطين" من أبرز الثيمات التعبوية في خطاب جماعة "الإخوان المسلمين" بشكل عام. وبالنسبة للأردن، فإن جزءا كبيرا من الشعب ينحدرون من عائلات فلسطينية، فلا مفرّ من القضية الفلسطينية في أي خطاب تعبوي. وعلى الطرف المقابل، تقيم الحكومة الهاشمية علاقات مع تل أبيب منذ عام 1994، وهي ملتزمة بعدم السماح باستخدام أراضيها لأي عمل مسلح ضد إسرائيل.

وعندما نتأمل الجو العام لـ"إخوان" الأردن، فإنهم يتبنون كذلك خطابا ضد الشيعة تحديدا في فترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 واندلاع الثورة السورية في 2011 وما صاحبها من أحداث عنف أدت إلى انخراط أعداد من الأردنيين في القتال في البلدين المجاورين. ويكفي اسم أبو مصعب الزرقاوي كمثال لأردني يتبنى خطابا طائفيا ذهب ليقاتل في العراق، وعندما قُتل أقامت له أسرته عزاء عبّر حجم الحضور فيه عن رضا شريحة من الشعب عما قام به.

إن حقيقة كون الجماعة التي تواجه إسرائيل في غزة (حماس) ذات خلفية "إخوانية"، وأن دعمها يأتي من إيران وأذرعها الشيعية، مسألة تشكّل إحراجا لـ"الإخوان" بشكل مزدوج. فمن جهة، يتبنون خطابا يقوم على "المقاومة وتحرير فلسطين"، ومن جهة أخرى يصطدمون بالشارع السنّي الذي يشكل الأغلبية في الوطن العربي والذي يرى في خطابهم نفاقا لا يتسق وأفعالهم على الأرض. فهم لا يشاركون في دعم الفلسطينيين، وإن شاركوا فهم يتلقون الدعم من إيران والشيعة بحسب ما يرون.

على الرغم من كون جماعة "الإخوان المسلمين" غير مرخّصة رسميا في الأردن، فإنها تعتبر المرجعية الفكرية والتربوية لحزب "جبهة العمل الإسلامي"

هذا الموقف يرجع لخروج "الإخوان" عن نسق المنهج السني المعمول به تاريخيا في التزام الجماعة و"طاعة ولي الأمر" الذي استتبت له البيعة. فالدول تتعامل وفق القوانين وتتحرك ضمن المصلحة العليا، فيما تتعامل الجماعات وفق المصالح الحزبية التي تحرّكها المتغيرات الآنية. ولذلك يجد "الإخوان" أنفسهم محشورين في زوايا التعبئة للعمل المسلح العابر للحدود والطائفية مع مكونات خارج أوطانهم.

إن احتكار "الخطاب المقاوم" من قبل إيران أمر يؤرق "الإخوان". فالجماعة التي شكّلت الرافد الثقافي الأساسي للإسلام الحركي الشيعي في إيران لم تتمكن من أن تخرج من نطاق الجماعة المعارضة إلى النخبة الحاكمة، بينما نجح الإيرانيون في تطويع منهج فقهي شيعي ليتوافق مع حكم دولة تتخطى عقلية الجماعة المعارضة. وحتى عندما أتيحت فرصة للجماعة في مصر لتشكيل حكومة في عام 2012، وقعت في حيرة بين إرث الدولة التي تقيم علاقات مع تل أبيب، وبين خطابها الذي يحتوي على شعارات من قبيل "ع القدس رايحين، شهداء بالملايين" لينتهي بهم الأمر إلى خطاب مزدوج يقول في العلن "صديقي بيريز" وفي الخفاء يقيم علاقات وثيقة مع "حماس".

ربما جاءت خطوة الأردن متأخرة بعض الشيء، ولكن ليس لدى عمّان رفاهية الانتظار، فالحكومة اختارت العلاقة مع إسرائيل ومحاولة الحل الدبلوماسي لمساعدة الفلسطينيين ضمن المتاح لها، ولا تتحمل وجود خيار آخر على أراضيها. وبعيدا عن الشعارات المثالية، فإن بنية الدولة الأردنية لا تتحمل إعادة سيناريو "أيلول الأسود" (1970) وما سبقه حين تحول الأردن لساحة صراع بين الفدائيين الفلسطينيين وردّات الفعل الانتقامية الإسرائيلية. لقد أدى تطور أعمال الفدائيين بقيادة عرفات وقتها إلى تحول "منظمة التحرير" إلى دولة داخل الدولة الأردنية حتى وصل الأمر إلى المطالبة بالإطاحة بالملكية الهاشمية، مما أدى إلى أحداث "أيلول الأسود". ولسنا هنا بصدد إعادة سرد قصة هجرة "منظمة التحرير" من الأردن بعد مواجهة الجيش الأردني في سبتمبر 1970 إلى لبنان وضلوعها في الحرب الأهلية اللبنانية خلال فترة السبعينات.

أ.ف.ب
طلاب إحدى المدارس الخاصة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الحلمية محاطين بالشرطة العسكرية، في إحدى ضواحي القاهرة، مصر في 15 يناير 1954

خشية الأردن من تحوّل "دعم المقاومة" في غزة إلى بناء قدرات مسلحة تهدد أمن الدولة الأردنية مبني على وقائع تاريخية لا يمكن إغفالها، يضاف إلى ذلك وعي الحكومة الأردنية بقدراتها مقابل إسرائيل التي لا تمانع من القيام بأعمال وحشية استباقية بعيدا عن القوانين الدولية، وهي التي سبق لها قصف العراق وسوريا وإيران بشكل استباقي.

إن مسألة عدم الاكتفاء بدعم المقاومة الفلسطينية والتخطيط لاستهداف نظام الحكم تهمة تلاحق "الإخوان" في كل البلاد التي ينشطون فيها. وقد صرّح الوزير الفراية إلى أنه قد تم "ضبط عملية تصنيع للمتفجرات من قبل نجل أحد قيادات الجماعة وآخرين، كانوا يريدون استهداف مواقع حساسة في المملكة".

وعلى الرغم من كون جماعة "الإخوان المسلمين" غير مرخّصة رسميا في الأردن، فإنها تعتبر المرجعية الفكرية والتربوية لحزب "جبهة العمل الإسلامي" ولها تاريخ طويل من العمل الاجتماعي والدعوي في الأردن منذ تأسيسها عام 1945. وقد قامت الجماعة بتأسيس الكثير من المؤسسات الخيرية والتعليمية، مثل "جمعية المركز الإسلامي الخيرية" و"المستشفى الإسلامي" و"الكلية العلمية الإسلامية". وعلى مدى التاريخ القريب لعبت الجماعة ممثلة في "حزب جبهة العمل الإسلامي" والجمعيات الخيرية رافدا ثقافيا للشباب المتدينين في الأردن.

إن الإجراءات التي قامت بها الحكومة الأردنية تبنئ عن توجه واضح لمنع "الإخوان المسلمين" من الأنشطة التي تخرج عن إطار سيادة الدولة. ففي شهر يوليو/تموز ٢٠٢٥، قامت الحكومة الأردنية بإجراءات حازمة ضد المؤسسات التي تعمل كواجهة مالية لجماعة "الإخوان" في البلاد. تلك المؤسسات المرخصة كشركات وجمعيات خيرية تواجه تهما بعدم تقديم بيناتها المالية للعام الماضي، إضافة لعدم إفصاحها عن مستفيديها الحقيقيين، إضافة لجمع التبرعات بشكل غير رسمي. وعليه، فقد تم إحالة مؤسسات مثل "منتدى تدريب وتمكين المرأة والطفل"، و "الهلال الأخضر" و"العروة الوثقى" و"مبادرة سواعد العطاء" للنائب العام للتحقيق في أنشطتها غير الواضحة. هذه الإجراءات من شأنها أن تشل الذراع المالي للجماعة التي تعتمد على التعبئة الاجتماعية عن طريق حل المشاكل التي يواجهها أفراد المجتمع والتي يكون المال عنصرًا أساسيًا في حلها. حل مشاكل مثل العلاج والتعليم والزواج يبني ولاءً تلقائيًا بين المستفيد والمُعطي، وهذا ما تعيه الحكومة الأردنية التي لا تريد تضييع الوقت في انتظار تلك النتائج.

ما يحدث في فرنسا يتعدى موضوع تقويض السلطة الاجتماعية لجماعة دينية ذات عمق اجتماعي في محيطها

الإخوان" والتقرير الأمني السري في فرنسا

في 21 مايو/أيار 2025 ناقش مجلس الدفاع والأمن الوطني الفرنسي بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون وعدد من الوزراء تقريرا حكوميا مفاده أن جماعة "الإخوان المسلمين" تشكل تهديدا للوحدة الوطنية وإن لم تلجأ للعنف. وأوصى التقرير بضرورة اتخاذ إجراءات تحد من انتشار الإسلام السياسي وتأثيره على المجتمع الفرنسي.

التقرير الذي قدّمه وزير العدل جيرالد دارمانان يستند إلى معلومات جمعتها أجهزة الاستخبارات على مدى سنوات. ويشتمل التقرير على معطيات حول طرق دخول عناصر الجماعة إلى البلاد وتطور وجودها ككيان في الفضاءين الاجتماعي والسياسي داخل الجمهورية الفرنسية. وقد ركز التقرير على هيكلية الجماعة التنظيمية السرية في أوروبا، مشيرا إلى استخدامها "السرية والازدواجية في الخطاب" للتغلغل في المؤسسات والمجتمع. كما سلّط الضوء على شبكات تمويل معقدة وأذرع شبابية وتربوية تابعة لتنظيم "الإخوان".

وبحسب الأرقام الواردة في التقرير، فإن 139 مسجدا يرتبط بـ"الإخوان"، فيما تم تصنيف 86 مسجدا آخر على أنهم قريبون من الجماعة، إضافة إلى 280 جمعية مرتبطة بالجماعة، هذه الجمعيات مرتبطة بالحياة اليومية للمسلمين في البلاد على مختلف المستويات الدينية والتربوية والشبابية والمالية. في المقابل، فإن "اتحاد المنظمات الإسلامية" في فرنسا- المتهم بكونه الجناح الإخواني في فرنسا- يصرح بأنه مرتبط بـ53 جمعية فقط.

أ.ف.ب
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

بالرغم من كون أوروبا مسرحا تاريخيا للنشاط السياسي المعارض لعناصر "الإخوان" المهاجرة، فإن الجدل حولها بدأ يزداد بعد المرحلة التي عرفت بـ"الربيع العربي". والسبب أن عددا من النشطاء رجعوا لبلدانهم وانخرطوا في العملية السياسية، تحديدا مصر وتونس. وهذا ما فتح باب التساؤل حول دور البيئة الأوروبية في تخفيف التشدد العقدي لدى المهاجرين، والذي زاد من حدته كون كثير من العناصر التي انخرطت في القتال في مناطق النزاع هم في الأصل من أوروبا، بل إن بعضهم حديث العهد بالإسلام. يضاف لذلك العدد الكبير من التونسيين والمصريين الذين ذهبوا لمناطق النزاع بمباركة شخصيات أصولية في بلادهم.

ما يحدث في فرنسا يتعدى موضوع تقويض السلطة الاجتماعية لجماعة دينية ذات عمق اجتماعي في محيطها. ففي فرنسا "العلمانية" هناك ضبط شديد لدور الدين في المجال العام وهو من ثوابت الجمهورية الفرنسية. يُضاف لذلك أن المجتمع والحكومة في فرنسا ينظران للإسلام بوصفه دينا للمهاجرين الأجانب، بغض النظر عن كون جزء كبير منهم يحمل الجنسية الفرنسية.

اليمين المتطرف يرى في جماعة "الإخوان" منافسا سياسيا مستقبليا له، وبالتالي يستهدف حاضنته الشعبية المتمثلة في عامة المسلمين الفرنسيين

إن ملف المهاجرين في الدول الأوروبية من الملفات شديدة السخونة حيث إن من نتائج الفترة الاستعمارية التي صاغت قوانين متعلقة بالمواطنة وحقوق الإنسان أن أصبحت الهجرة والتوطين مسائل قانونية إجرائية تتعدى مسائل القومية والعرق والدين. ولم تكن تلك مشكلة في بداية الأمر، غير أن موجات الهجرة الكبيرة التي تزامنت مع انخفاض معدل المواليد في أوروبا- وعلى رأسها فرنسا وألمانيا- ولّدت خشية حقيقية من تغير ديموغرافي من شأنه أن يؤثر على الهوية الوطنية.

وتحت عنوان حماية الهوية الوطنية من "المهاجرين الغرباء" نشطت الأحزاب اليمينية التي روّجت لخطاب الكراهية ضد المهاجرين، وعلى رأسهم المسلمين. وفي بيان أصدره "حزب التجمع الوطني" اليميني الفرنسي، دافع زعيم الحزب جوردان بارديلا عن موقف حزبه في مواجهة حكومة وصفها بالعاجزة والخاضعة لتناقضات الرئيس ماكرون.

بارديلا هو المرشح الأبرز عن الحزب للسباق الرئاسي المقبل في 2027، حيث إن زعيمة الحزب المتطرف مارين لوبان ممنوعة قضائيا من الترشح خمس سنوات للانتخابات الرئاسية الفرنسية. وتشير كثير من التقارير إلى أن الصعود السريع للسياسي الشاب (مواليد 1995) يرجع لإعجاب الزعيمة اليمينية المتطرفة به.

إن الإجراءات الأخيرة التي طالت المؤسسات التي يهيمن عليها "الإخوان المسلمون" تواجه تحديا حقيقيا بسبب امتزاجها بخطاب يميني متطرف يستهدف المسلمين بشكل عام. يضاف لذلك القوانين والإجراءات المتعسفة ضد المسلمين في فرنسا. فالقوانين التي تحاصر المظاهر الدينية- وعلى رأسها الحجاب- تثير حفيظة المسلمين بشكل عام، وليس جماعة "الإخوان" فحسب؛ وهذا هو التهديد الحقيقي.

يمكن القول إن جماعة "الإخوان المسلمين" تستفيد من الإجراءات المتعسفة التي تقوم بها الحكومة الفرنسية ضد المسلمين بشكل عام عن طريق غسيل سمعتها ونشاطها في سردية "اضطهاد المسلمين" في الغرب. وفي الوقت الذي لا يمكن نكران الصبغة التعسفية للقوانين الفرنسية ضد المسلمين، فإن للحكومة الفرنسية مخاوف مشروعة من الأنشطة الحركية التي يمارسها عناصر "الإخوان" والتي- بحسب التقرير الأخير- تشكل تهديدا طويل الأمد يتمثل في "التآكل التدريجي للقيم العلمانية" داخل المجتمع الفرنسي.

هذه الإشكالية في تجاذب خطاب الكراهية ضد المهاجرين من جهة، والنشاط الحركي لـ"الإخوان المسلمين" من جهة أخرى، من شأنه أن يعقّد المشهد لصالح المتطرفين من الجهتين، والضحية سيكون مسلمي فرنسا غير المسيسين والذين سيكونون بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان "الإخوان المسلمين". فاليمين المتطرف يرى في جماعة "الإخوان" منافسا سياسيا مستقبليا له، وبالتالي يستهدف حاضنته الشعبية المتمثلة في عامة المسلمين الفرنسيين. وبالمقابل، فإن جماعة "الإخوان" تريد المضي قدما في أجندتها الحركية وتتمترس خلف المجتمع المسلم داخل فرنسا.

ماذا بعد؟

ما حدث في الأردن وفرنسا مؤخرا يعطي مؤشرا للحال الذي وصلت له الجماعة في الشرق والغرب. فالمنهج الذي اعتمدت عليه الجماعة يقوم على سرية الدعوة وقت القمع والإفراط في الأنشطة وقت السعة، مما يعني غياب الشفافية عن طرح الجماعة القادرة على التلون والتكيف مع الظروف. ومما يزيد من مخاوف الأطراف القلقة من "الإخوان" أن الجماعة لا تمانع في تبني أكثر الخطابات تطرفا ضد المسلمين المختلفين معها ناهيك عن غير المسلمين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مؤتمر الأمة المصرية لنصرة الثورة السورية في الصالة المغطاة باستاد القاهرة في 15 يونيو 2013. يومها حشد المتطرفون من جماعات الإسلام الحركي- وعلى رأسهم تنظيم "الإخوان"- الآلاف ليلقوا عليهم خطبا تحريضية وطائفية تحث على القتال في مناطق النزاع، إضافة لخطاب الكراهية لبعض الطوائف الإسلامية.

الإجراءات الجديدة في الأردن وفرنسا تعبّر عن الضيق بنشاط "الإخوان" الذين لم يملوا من سعيهم للسيطرة الاجتماعية كوسيلة لتحقيق الطموح السياسي

إن تاريخ "الإخوان" يعتمد بشكل كبير على سردية المظلومية والاضطهاد التي تقوم على ترسيخ صورة التضحية من أجل الدين. نستذكر هنا بعض النصوص الشعرية والأناشيد الحزينة التي تعبر عن الشوق للأهل والسعادة بالسجن والتضحية في سبيل الحرية التي ينظرون لها بأنها أمر داخل النفس لا تقيدها السجون. ومن أبرز تلك النصوص قصيدة سيد قطب الشهيرة "أخي أنت حرٌ وراء السدود/ أخي أنت حرٌ بتلك القيود".

إن الانتقال من العمل السري وخطاب المظلومية إلى النشاط العلني والخطاب العنجهي يخضع للظروف التي تحيط بالجماعة، غير أن الثابت هو فشل الجماعة في العمل المعلن مقابل إتقانها للعمل السري. إن هذه الحقيقة تجعل المتابع يتوجس من الإجراءات الأخيرة في الأردن وفرنسا لأنها ستدفع بالجماعة لمزيد من الاحتياطات المشددة في العمل السري.

"الإخوان المسلمون" جزء من نسيج المجتمع الأردني ومن الصعب تصوّر اضمحلالهم بأمر حكومي أو قضائي، فخطابهم متجذر في التعليم والإعلام إضافة للمساجد، وعليه لا يمكن تصور نهايتهم بهذه السهولة. إن المرجّح أن يحاول قادة الجماعة تهدئة العمل الحركي المعلن والتركيز على بناء كوادر شابة تكون جاهزة للعمل بعد عقد من الزمن. هذه الاستراتيجية المتعارف عليها عند "الإخوان" والتي غالبا ما نجحت في الحفاظ على كيان الجماعة في معظم الدول التي نشطت فيها.

وبالنسبة لفرنسا، فإن لـ"الإخوان" تاريخا متجذرا في التكيف مع القرارات الحكومية الحاسمة والتعاطي مع القوانين بشكل احترافي. بالتالي، لا يُرجّح أن تكون هذه نهايتهم، ولكن الأمر الأخطر والذي تغفله السلطات الفرنسية لا ينحصر في نشاط الجماعة وتطلعاتها. إن الخطورة تكمن في استغلال الجماعة لقسوة القوانين التي تضيّق على المسلمين بشكل عام مما يدفعهم للالتفاف على المجموعات المنظمة التي تطالب بحقوقهم، والتي يسيطر "الإخوان" على غالبيتها. المعنى أن اليمين المتطرف يساعد في التعبئة الجماهيرية لـ"الإخوان" في الوقت الذي يدّعي أنه يحاربهم، وهنا تكمن المفارقة التي لا يبدو أن اليمين في فرنسا وبقية أنحاء أوروبا ملتفت لها.

خلاصة القول إن الإجراءات الجديدة في الأردن وفرنسا تعبّر عن الضيق بنشاط "الإخوان" الذين لم يملوا من سعيهم للسيطرة الاجتماعية كوسيلة لتحقيق الطموح السياسي. إن تحوّل "الإخوان" لتيار فكري يتعدّى الهيكل التنظيمي للجماعة يجعلهم قادرين على التحوّر بهدف التأقلم مع الأوضاع الصعبة إلى أن تأتي الفرصة المناسبة. ولا ننسى أن سردية المظلومية تعين الجماعة في العمل السري والمعارض، ولكنها ستبقى مجرد عامل قلق لسلطات الدول التي تنشط فيها ولن تتمكن من الوصول للحكم، وإن تمكنت-وهذا مستبعد جدا- فلن تتمكن من البقاء على رأس السلطة.

font change