من الخطأ أن يُفترض، بعد الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة، أن الجهات المنخرطة مباشرة في الصراع وحدها ستُجري تحليلات لفعالية قراراتها، أو تقييما لنشاط العدو، أو مراجعة لقدراتها العسكرية، أو ضبطا لتوقعاتها، بشأن أي تصعيد محتمل، بالاستناد إلى ما توفره مصادرها الاستخباراتية.
تأخذ دول عديدة في الحسبان، التبعات السياسية والعسكرية المحتملة، إذا اندلعت حرب جديدة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يُمكن الجزم بما إذا كانت إسرائيل أو إيران أو الولايات المتحدة، ستُعدّل سياساتها أو خططها العسكرية عقب مراجعة ما جرى، إذ كثيرا ما تظل النقاشات المعمقة، حول الدروس المستفادة محصورة في نطاق التغطيات الإعلامية، بفعل عوامل متعددة، منها التحيز المسبق في تدقيق المعلومات، والتنافس بين الوكالات على النفوذ، وغياب الإرادة السياسية، فضلا عن الجمود البيروقراطي.
مع ذلك، يظل من الضروري إطلاق نقاشات عامة ومؤسساتية رزينة، بشأن هذه القضايا الساخنة، ولو على سبيل المساهمة في تفادي "فشل الخيال" عند تصور سيناريوهات غير مألوفة وخطيرة، وكسر الضجيج المعلوماتي، الذي يفضي إلى إنتاج روايات مشوهة في السياسة الدولية.
وغالبا ما يجد المسؤولون أنفسهم أسرى لتصريحاتهم وأنشطتهم الإعلامية المعلنة، التي تهدف إلى إظهار وجود تنسيق استراتيجي، فعلى سبيل المثال، انكبّ السياسيون الروس على الترويج لأهمية معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران، التي وقعها الطرفان في 17 يناير/كانون الثاني 2025، إلى حد خلق انطباع مضلل، بأنها تنطوي على التزامات ملزمة بين حليفين، بينما هي لا تشتمل في واقع الأمر على مثل هذه التعهدات.
غير أن المحللين الروس لا يشكّون في أن الكرملين، حتى لو توافرت لديه الموارد اللازمة، وحتى في حال لم يكن منشغلا بالحرب في أوكرانيا، لكان اقتصر على تقديم الدعم اللفظي لإيران في نزاعها مع إسرائيل والولايات المتحدة، مع "تربيتة على الكتف" لا أكثر، بالنظر إلى هشاشة الثقة بين الطرفين في هذا التحالف التكتيكي المؤقت، لكن رد موسكو الفعلي، ربما يُسهم في وضع حد للادعاءات المتداولة، سواء في الغرب أو داخل روسيا نفسها، بشأن ولادة "محور مقاومة" يضم روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية.
ماذا تعلمت موسكو من التجربة الإيرانية؟
استخلصت موسكو دروسا قاسية من أخطائها عقب غزو أوكرانيا، فقد كشفت هذه الحرب عن خلل في تقديراتها للأوضاع السياسية والعسكرية، على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وأظهرت أن النجاحات العسكرية الأوكرانية لم تكن مجرد دعاية، بل اعتمدت على بناء حقيقي وممنهج، وتسعى موسكو حاليا إلى تجاوز الجمود المزمن في نظامها السياسي العسكري البيروقراطي لتصحيح هذه الإخفاقات.
ومع ذلك، يبقى من غير الواضح إلى أي مدى ستأخذ القيادة الروسية بالتجربة الإيرانية الراهنة، في تعاملها مع الغارات الجوية الإسرائيلية والأميركية، فلم تُستخلص، حتى الآن، سوى استنتاجات سياسية معلنة، دون أن تُطرح خلاصات ذات طابع عسكري، وتشير هذه الاستنتاجات، في مجملها، إلى أن الأزمة النووية، سواء تعلقت بإيران أم بغيرها، لا بد أن تُعالج عبر مسار سياسي ودبلوماسي واحد.