السويداء... ملاحظات على أحداث دامية 

المطلوب صمت البنادق ووقف التدخلات وسحب الرهانات والخرائط ومناطق النفوذ

السويداء... ملاحظات على أحداث دامية 

استمع إلى المقال دقيقة

لا خلاف أن أحداث السويداء هي أهم اختبار لسوريا والحكم الجديد منذ سقوط نظام الأسدين نهاية العام الماضي، وقد جاءت بعد أحداث الساحل والعلويين غرب البلاد، والدروز في جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق، وتفجير الكنيسة في العاصمة السورية. 

سوريا ما بعد أحداث السويداء لن تكون كما قبلها. وبعد مرور أسبوع على الاشتباكات في المدينة ذات الغالبية الدرزية، هذه ملاحظات على أحداث دامية:

1- رغبة عربية وإقليمية باستقرار سوريا وعدم انجرارها إلى التشظي وشلالات الدم، بسبب القلق من أن الفوضى تعيد إيران وتنعش "داعش". اتصالات ومبادرات عربية وإقليمية وتصريحات وزير خارجية أميركا ماركو روبيو، استهدفت إيصال هذه الرسالة. 

2- إسرائيل أعلنت مرارا أن لديها خطين أحمرين: حماية الدروز وإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا تشمل منع انتشار أسلحة ثقيلة وطائرات. وقال أكثر من مسؤول غربي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فاتح الرئيس دونالد ترمب بخطته لتقسيم سوريا ورغبته في دعم إقليم في جنوبها. ومعلوم أن تل أبيب دعمت قوى درزية دينية وعسكرية. 

3- دمشق اعتقدت أنه بإمكانها إرسال قوات للسيطرة على السويداء. قيل إن هناك سوء فهم حصل بعد لقاءات سورية-إسرائيلية في أذربيجان. لكن أغلب الظن أن ما حصل هو عدم قراءة دقيقة للموقفين الأميركي والإسرائيلي ومدى "تمرد" نتنياهو على مسارات واشنطن.

4- إسرائيل تحولت في أحداث السويداء من "حرب الظل" إلى لاعب علني. سبق وقصفت مرات كثيرة النظام السابق وميليشيات إيران و"حزب الله" في السنوات الماضية. كما شنت 700 غارة غداة سقوط النظام لتدمير أصول سوريا الاستراتيجية. وخلال اشتباكات أشرفية صحنايا شنت غارة غامضة.

وفي مواجهات السويداء، نقلت إسرائيل تدخلها إلى مستوى آخر. قصفت مبنى وزارة الدفاع خمس مرات واستهدفت القصر الرئاسي السوري وهددت الشرع.

5- الأخطر والأهم، أنه لأول مرة تدخل إسرائيل كطرف مباشر في شأن سوري داخلي، إذ أعلن المبعوث الأميركي توم باراك التوصل لاتفاق وقف النار في السويداء بين سوريا وإسرائيل. كما تأكد توغل قوات إسرائيلية نحو دمشق جنوب سوريا، بعدما قضمت المنطقة العازلة في الجولان وتلال وجبال استراتيجية، وأن إسرائيل كانت طرفا في التفاوض مع أميركا حول وقف النار في السويداء، ونوعية الأسلحة الثقيلة وإحداثيات الانتشار وغيرها.

6- بعد غارات وتهديدات إسرائيل، سحبت دمشق قواتها من السويداء. فتحولت المواجهة من قتال بين قوات درزية وقوات الحكومة إلى مواجهة درزية–عشائرية. وتحول الصراع إلى بعد إضافي له امتدادات عابرة للحدود إلى إسرائيل والأردن ولبنان، بسبب الروابط الدرزية والعشائرية في هذه الدول. وهو امتداد يهدد استقرار المكونات. وهذا الخطر دفع أطرافا عدة إلى وقفة جديدة ومراجعة دقيقة للصراع وتحذيرات من دخول "داعش" وجهاديين على الخط.

استدعت أحداث السويداء إعطاء أولوية لتشكيل الجيش وتنظيمه في وحدات منضبطة وإبعاد المقاتلين الأجانب بعد طرح أسئلة عن مدى الالتزام بالهيكلية والأوامر في التركيبة العسكرية

7- ارتكبت انتهاكات كبيرة  في السويداء وريفها وزاد وزنها كونها تقع بين مكونين هما الأكثر حساسية للإهانات والقتل والتنكيل، وهما المكون الدرزي والعشائري، إضافة إلى كونها تحصل بعد أحداث الساحل وجرمانا وأشرفية صحنايا وتفجير الكنيسة (المسؤولية عنها لأطراف مختلفة). أهين رجال كبار وشيوخ ونساء وأطفال وعلقت جثامين على السيارات وسحلت جثث بالشوارع. بالتالي، كان متوقعا أن تتصاعد دعوات الالتزام بوقف النار، فالجروح عميقة والثأر متسلسل بين "الجيران الأعداء"، الدروز والبدو.  

8- استحضرت الأحداث الدامية أهمية المحاسبة والمساءلة واتخاذ إجراءات لوقف الانتهاكات وعدم تكرارها، إضافة إلى ضرورة إعلان نتائج التحقيق بانتهاكات الساحل في مارس/آذار الماضي، وكان هذا واضحا من اللغة الجديدة التي استخدمها وزير خارجية أميركا. 

9- استدعت أحداث السويداء رغبة لدى حلفاء دمشق بإعطاء أولوية لتشكيل الجيش وتنظيمه في وحدات منضبطة وإبعاد المقاتلين الأجانب بعد طرح أسئلة عن مدى الالتزام بالهيكلية والأوامر في التركيبة العسكرية الحالية. هنا أبلغت أميركا "قوات سوريا الديمقراطية" رسالة بضرورة عدم استغلال الأحداث لتغيير الميزان العسكري، بل طالبتها بلعب دور إنساني وإيجابي في السويداء، وضرورة الحوار مع دمشق لاتخاذ "خطوات محددة للاندماج في سوريا الموحدة".  

مطلوب في السويداء: صمت البنادق ووقف التدخلات وسحب الرهانات والخرائط ومناطق النفوذ… وأن لا تترك سوريا منسية مثل ليبيا والسودان وغيرهما 

10- الشأن الداخلي السوري كان متروكا للسوريين، وكانت أولويات الدول هي الحسابات الجيوساسية (إخراج إيران و"حزب الله" وتفكيك شبكات الكبتاغون وإمكانات السلام مع إسرائيل) لكن بعد أحداث السويداء، اتخذ الشأن الداخلي أهمية إضافية في الحوارات بين مسؤولين سوريين وشركائهم العرب والتصريحات العلنية. ودعم تأسيس مسار جامع يربط البلاد ويمد الجسور تحت مظلة الدولة، ويوفر بيئة لتحقيق استقرار لتوفير ظروف الاستثمار والإفادة العملية من رفع العقوبات. 

الأحداث الدموية في السويداء، على الآلام فيها ومنها، قد توفر فرصة لتصحيح المسار. والبناء على ما تحقق ومعالجة الأخطار. نقطة البداية هي صمود وقف النار ووقف شلال الدم والثارات في الجنوب السوري. وقد رعت أميركا محاولات واتفاقات لوقف النار في غزة ولبنان وإيران، عسى أن يكون مصير اتفاق السويداء مختلفا. المطلوب في السويداء: صمت البنادق ووقف التدخلات وسحب الرهانات والخرائط ومناطق النفوذ… وأن لا تترك سوريا منسية مثل ليبيا والسودان وغيرهما.

font change