رام الله -بينما يمر الفلسطينيون بفترة من أعقد المراحل وأكثرها اضطرابا في تاريخ نضالهم الحديث. يطفو على السطح مشهد غير مسبوق من التآكل التنظيمي والفراغ السياسي. فالتنظيمات والفصائل الفلسطينية الثلاثة عشر التي لطالما مثّلت الركيزة الأساسية للنضال الوطني، باتت تعاني من حالة ضعف بنيوي وترهل ملموس في قدراتها، انعكس في تراجع حضورها الشعبي وفقدانها القدرة على التأثير في الشارع الفلسطيني، أو التصدي للأخطار الجمة المحدقة بالفلسطينيين وأرضهم وقضيتهم؛ حيث برز جليا هذا الانحسار مع حرب غزة الأخيرة والمستمرة منذ اثنين وعشرين شهرا، وما نتج عنها من استنزاف بشري ومؤسساتي، عمق حالة الفراغ السياسي والأمني سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وفي ظل هذا الفراغ المتنامي، برزت ظواهر جديدة على الساحة الفلسطينية تمثلت في صعود مجموعات مسلحة محلية مثل "مجموعة ياسر أبو شباب" في رفح جنوب قطاع غزة، إلى جانب تنامي نفوذ عائلات كبرى في غزة، وظهور مبادرات فردية مثيرة للجدل كمبادرة وديع الجعبري لإنشاء "إمارة الخليل" التي تدعو للانفصال عن السلطة الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، الأمر الذي أثار قلق السلطة الفلسطينية وزاد المشهد تعقيدا وفرض تساؤلات جوهرية حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، ومخاطر التحولات الاجتماعية والأمنية العميقة التي قد تهدد تماسك المجتمع الفلسطيني وتعيد رسم ملامح القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة.
فقد نشطت في رفح جنوب قطاع غزة خلال الأشهر القليلة الماضية ميليشيا مسلّحة قوامها حوالي ثلاثمائة عنصر مسلحين ببنادق آلية خفيفة عرفت نفسها باسم "القوات الشعبية" أو "خدمة مكافحة الإرهاب" يقودها ياسر أبو شباب أحد أفراد قبيلة الترابين البدوية الممتدة في شبه جزيرة سيناء. وفيما اتهمت المجموعة بسرقة قوافل المساعدات الإنسانية القادمة عبر المعابر مع إسرائيل للمواطنين الغزيين، فقد اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل قامت بتسليح هذه الميليشيا كجزء من استراتيجية إسرائيلية لإضعاف "حماس"، بينما تردّدت مزاعم عن دعم لوجستي وسياسي تلقته الميليشيا لتوفير بديل محلي للتحكّم الأمني في مدينة رفح. وفيما اتهمت "حماس"-التي لا تزال تسيطر على أجزاء من قطاع غزة- مجموعة أبو شباب بالخيانة وتوعدتها بمصير مؤلم فقد أكدت السلطة الفلسطينية أنها لا تدعم تلك المجموعة، التي اعترف قائدها قبل حوالي أسبوع خلال مقابلة صحافية مع محطة "مكان" الإسرائيلية بتلقيه الدعم من إسرائيل.