عاد النقاش أخيرا حول العلاقة بين أفريقيا والدول التي تقاسمت استعمار دولها. ففي الملتقى السنوي للحوكمة الذي انعقد في مراكش، المغرب، مطلع يونيو/حزيران المنصرم، وهو تجمع غير رسمي لشخصيات أفريقية بارزة، أشعل الملياردير السوداني البريطاني مو إبراهيم جدلا واسعا، عندما انتقد في حواره مع الرئيس السابق لمفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، اعتماد الاتحاد الأفريقي بنسبة 70 في المئة من موازنته على مساهمات خارجية. وقال: "تسمونهم بالمستعمرين، لكن عندما يمنحوننا المال، يصبحون شركاء... هذه مهزلة؛ إما أن تكونوا جادين، أو تنسوا الأمر".
وعلى الرغم من أن هذه التصريحات تبدو بشكل ظاهري أنها تهدف للدفاع عن السيادة الأفريقية، فإنها تخفي في طياتها مغالطة أساسية في مفهوم تقييم هذه المساعدات المالية. إذ ليست هذه المساهمات، التي يتم تأطيرها كشراكات تنموية، تبرعات خيرية من الغرب، بل هي، في جوهرها، حقوق تعويضات مستحقة عن قرون من الاستغلال الاستعماري الممنهج.
تاريخ من الاستغلال يصعب محوه
فقد امتد تاريخ إخضاع أفريقيا واستعمارها منذ عام 1415، مع احتلال البرتغال لمدينة سبتة المغربية، إيذانا ببدء توسع استعماري مفترس بلغ ذروته في حملة "التدافع على أفريقيا" المشينة خلال القرن التاسع عشر.
بعدها، أضفى مؤتمر برلين (1884-1885) الطابع الرسمي على تقسيم القارة بين القوى الأوروبية، دون أي اعتبار لشعوب أفريقيا أو للنظم الثقافية أو العرقية أو الاجتماعية القائمة. بل إن التوسع الاستعماري الأوروبي في أفريقيا لم يتم تقديمه باعتباره مشروعا سياسيا واقتصاديا، بل تم تأطيره داخل الخطاب الغربي بمصطلح "اكتشاف أفريقيا"، في تجاهل فجّ لواقع أن القارة كانت مأهولة منذ آلاف السنين بشعوبها الأصلية، بثقافاتهم، ونظمهم الاجتماعية والسياسية، وتاريخهم العميق وتفاعلاتهم المختلفة مع حضارات العالم القديم المجاورة.