تحيل سيرة الروائي السوري نبيل سليمان "أوشام"(دار الحوار) إلى شخصيات سبق أن وردت بأسماء أخرى في رواياته، ليس كصورة طبق الأصل، إنما كأجزاء مستلة من الصورة الأصلية بتدبير من مخيلة روائية تتنزه على هواها في فضاءات العيش.
وها هو بعد نحو 20 رواية، يدلق ماء القربة على الملأ كوقائع حياتية خبرها عن كثب. ذلك أن الروائي الذي احتفل بثمانينه هذا العام (1945)، سئم جماليات المراوغة البلاغية، مستنجدا هذه المرة بقيد النفوس وحده كدمغة أصلية تنطوي على مفارقات عاشها ابن الدركي شمال البلاد وجنوبها، فما أن يستقر الاب في مكان طارئ حتى تأتيه مأمورية بالانتقال إلى مكان آخر، مما أتاح للصبي أن يختبر أعراف وطقوس ولهجات الموزاييك السوري بمختلف جمالياته وبؤسه.
طبقات الذاكرة الأولى
يفتتح صاحب "مدارات الشرق" سيرته بنظرة نحو نافذة ابنة الجيران كأول اختبار لعمل الغريزة، متجاهلا طفولته المبكرة التي لا تحضر في متن السيرة. كأن هذه النظرة هي عتبة ما ترسخ في طبقات الذاكرة الأولى التي سيقوم بتقشيرها على دفعات تبعا للوقائع المؤثرة التي صنعت تحولاته، مفتتحا إياها بأوشام النساء. وستقيم ابنة الجيران سعاد في روحه كأول اضطراب عاطفي لفتى الثالثة عشرة، قبل أن تكتشف أمها هذه العلاقة وتغلق درفة أباجور النافذة إلى الأبد. لكن روائينا سيستعيد سيرة معشوقته في رواية "هزائم مبكرة" تعويضا عن الفقدان الحقيقي، وستعوضه رواية "أين عمري" لإحسان عبد القدوس التي استعارها من المكتبة الشعبية في مدينة طرطوس، عما ينقصه من أحلام وشهوات، كما ستعزز أفلام الستينات المصرية زمن الوحدة بين سوريا ومصر تعلقه بنجمات ذلك الزمن السعيد، قبل أن تطيح رسالة حملها البريد لحبيبته شفيقة خضر قصة حب عاصفة بعد افتضاح أمرهما، وستحتل زلفى مساحة غرائبية، في رسم سيرتها، إذ ستتقمص باسم غنوة في جيل لاحق، وهو ما سيستثمره الروائي في روايته الأولى "ينداح الطوفان"، ثم في "تحولات الحمار الذهبي" بتخييل آخر، وبمغامرة حقيقية يستعيد بها صورتها الراهنة بعد أربعين سنة على فراقهما.