وسط النزوح والتشرد... إسرائيل تقرر فرض سيطرتها على غزة

من المرجح أن يبدأ اجتياح المدينة بعد 7 أكتوبر القادم

لينا جرادات
لينا جرادات

وسط النزوح والتشرد... إسرائيل تقرر فرض سيطرتها على غزة

انتشرت خلال الأسبوع الأول من أغسطس/آب، عدد من التصريحات الإسرائيلية حول نية الحكومة احتلال كامل قطاع غزة، وفرض السيطرة الأمنية والعسكرية عليه، كما صدرت بعض المناكفات بين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش إيال زامير، وهو ما انعكس بالسلب على حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، بعد أسابيع من المفاوضات غير المباشرة بين وفدي حركة "حماس" وإسرائيل، انتهت بالفشل وعدم التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت وعملية تبادل أسرى.

يقول ممدوح حسب الله (47 عاما) من غزة، إنه عاش وعائلته فترة من الأمل بالوصول إلى وقف إطلاق نار، وأخذ استراحة ولو مؤقتة من القصف والقتل المستمر منذ قرابة عامين، مضيفا لـ"المجلة": "تعبنا من القصف والقتل والنزوح والدمار، وفوق منهم التجويع، كان عندي أمل نرتاح من الخوف والقلق، ولو لفترة محدودة، يمكن إذا استمرت عملية المفاوضات يوصلوا لإعلان نهاية الحرب ونقدر نرجع على مناطقنا المدمرة".

يعيش الرجل مع زوجته وأبنائه السبعة في واحدة من مئات خيام النازحين المنتشرة على طول الشريط الساحلي غرب مدينة غزة، بعدما اضطروا للنزوح خلال الأشهر الماضية من منزلهم في شرق المدينة، حيث أجبرهم الجيش الإسرائيلي على النزوح خلال توسعة رقعة العمليات العسكرية البرية، وتقدم الجيش مع قصف المنازل ونسف مربعات واسعة من الأحياء السكنية بحجة ملاحقة عناصر الفصائل الفلسطينية والبحث عن أنفاق تحت أرضية ومخازن الأسلحة.

مساء الخميس 7 أغسطس/آب، تابع حسب الله الأخبار باهتمام، حيث عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية/الكابنيت، اجتماعا لاتخاذه قرارا حول الخطوات العسكرية القادمة، وطالت مدّة الاجتماع حتى ساعات فجر اليوم التالي، لتتخذ الحكومة قرارا بالسيطرة العسكرية على مدينة غزة شمال القطاع، بالتوازي مع السماح بدخول شاحنات المساعدات الإنسانية للغزيين، وفق خطة طرحها نتنياهو بعد رفض خطة رئيس الأركان زامير.

تقوم خطة السيطرة الإسرائيلية على عدة مراحل، تبدأ بعملية نقل السكان الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه

وحسب ما أعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي، تقوم خطة نتنياهو على خمسة مبادئ أساسية، وهي: نزع سلاح حركة "حماس"، واستعادة الأسرى الإسرائيليين "أحياء أو جثامين"، وفرض سيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع، وإقامة إدارة مدنية بديلة لا تضم "حماس" ولا السلطة الفلسطينية، مع ضمان استمرار الأمن عبر وجود عسكري إسرائيلي دائم. وتقوم خطة السيطرة الإسرائيلية على عدة مراحل، تبدأ بعملية نقل السكان الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه، ما أعاد للسكان مأساة النزوح ومنعهم العودة إلى مناطق سكنهم منذ بداية الحرب وحتى فبراير/شباط الماضي، خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت بين الطرفين.

وبعد متابعة حسب الله، الأخبار الواردة والقرار الإسرائيلي لساعات طويلة، عادت لأذهانه فترة نزوحه وتنقله من مدينة لأخرى وسط وجنوب قطاع غزة منذ بداية الحرب، مع عمليات القصف الإسرائيلي المستمر لخيام النازحين ومناطق تمركزهم، قائلا: "الواحد بدل ما كان بستنى تخلص الحرب، صار بده يستنى وقتيش النزوح القادم وكيف بده يكون شكله وبأي ظروف، ويا عالِم ايش بده يصير فينا كمان".

أ.ف.ب
أطفال على دراجتهم الهوائية فوق الأنقاض في ساحة مدرسة تابعة للأونروا، والتي تعرضت لقصف مباشر خلال غارات جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة في 19 مايو

وتشارك رباب ناصر (29 عاما)، في حيرتها ومخاوفها حسب الله، مضيفة: "وقت ما رجعنا على غزة ووصلنا بيتنا في حي الرمال، ما صدقنا نرجع ونخلص من حياة الخيمة والتشرد، صحيح الحرب رجعت والقصف استمر، وفي كتير أزمات بالمي والكهربا والأكل، لكن على الأقل قدرنا نرجع للبيت بعد ما فقدنا الأمل، واستصلحناه بعد تعرضه لدمار جزئي، اليوم أنا كيف بدي أترك البيت وأرجع لحياة الخيمة والتشرد؟".

وتوضح في حديثها لـ"المجلة"، أنها واجهت الكثير من المعاناة خلال أكثر من عام من النزوح والتنقل بين الخيام جنوب القطاع، مشيرة إلى فقدانها للخصوصية داخل الخيمة مع 9 من أفراد عائلتها واضطرارها النوم في ثوب الصلاة، وتشاركهم مع الجيران في حمام مصنوع من القطع الجلدية والأخشاب، وعدم توفر مطبخ وغيره الكثير من أساسيات الحياة بالنسبة لها.

من المفترض أن يبدأ الاجتياح الإسرائيلي للمدينة وتنفيذ الخطة الإسرائيلية، بعد 7 أكتوبر القادم، أي بعد قرابة شهرين

ووفق الخطة التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا، فإنها ستعمل على ضخ المزيد من شاحنات المساعدات الإنسانية خاصة في المناطق التي ستجبر فيها السكان على النزوح والتمركز، فيما ستعمل على دفع المواطنين للنزوح من المناطق الشمالية بهدف فرض سيطرة الجيش عسكريا على شمال القطاع، بذريعة الضغط على "حماس" وإنهاء وجود عناصرها في تلك المناطق. وسبق أن سيطر الجيش على شمال القطاع بعد إنشائه محور نتساريم جنوب مدينة غزة، والذي فصل شمال القطاع عن الوسط والجنوب منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وحتى فبراير/شباط 2025.

ومن المفترض أن يبدأ الاجتياح الإسرائيلي للمدينة وتنفيذ الخطة الإسرائيلية، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول القادم، أي بعد قرابة شهرين، وهي مدة كافية من وجهة النظر الإسرائيلية لإغراق المواطنين في غزة بالمساعدات الإنسانية، بعد حرمان استمر لأسابيع طويلة، وفرض سياسة التجويع التي راح ضحيتها 212 مواطنا، بينهم 98 طفلا، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة بغزة في 9 أغسطس/آب الحالي.

رويتر
فلسطينيون يتهافتون في تزاحم شديد على متن شاحنات تحمل مساعدات إنسانية دخلت أخيرا غزة، في بيت لاهيا شمال القطاع ، في 29 يوليو

لكن بالنسبة للغزيين فإن الأمر مختلف. يصف المواطن مرعي البرّاوي (39 عاما)، بأنهم "أحياء أموات" في غزة، طالما أنّ الحرب مستمرة على اختلاف مراحلها، موضحا: "مهما اختلفت المرحلة، أو التسميات، احنا هنا أموات لكن على قيد الحياة، يعني بأي لحظة احنا معرضين للقتل والموت، بالقصف أو الجوع أو بالقتل، الحياة صارت رخيصة وبلا قيمة".

ويفسر حديثه لـ"المجلة"، بأنّ القصف الإسرائيلي يشمل كافة المناطق والمدن منذ بداية الحرب، الجيش لا يفرق بين منطقة عسكرية أو منطقة مدنية آمنة، حيث استهدف خيام النزوح ومراكز الإيواء والمستشفيات والسيارات والطرقات والمنازل والشقق السكنية، ولم يستثن أي مكان، وفي أي وقت، في الليل خلال ساعات النوم، أو في النهار خلال القيام بالمهام اليومية من جلب الطعام أو الشراب أو أي احتياج.

إذا ما استمر الحال على ما هو عليه فلسطينيا، ومضت إسرائيل في تنفيذ عمليتها ومخططاتها العسكرية التوسعية، فلن يكون هناك أهمية لأي قرار فلسطيني مستقبلي حتى لو تمت المصالحة الفلسطينية وانتهى الانقسام

ويضيف: "خلال الحرب، الجيش جرب فينا كل اشي، بكل الطرق والوسائل ذلنا وقهرنا وقتلنا، حتى بالتجويع جوعنا، وولادنا وأقاربنا وأصحابنا قتلهم وحرمنا من نعمة الأمان والهدوء والسكينة، وطالما لسة في خطط واقتراحات وتهديدات يبقى احنا ما زلنا في عداد الأموات بنستنى دورنا"، ويشير إلى معاناته من الأرق والاكتئاب بسبب ما مرّ به من تجارب خلال الحرب، حتى وصل به الحال إلى الخروج لمناطق توزيع المساعدات والأطعمة لإطعام أطفاله.

ويقول البرّاوي: "بداية الحرب، كنا نحكي كيف بدنا نعيش بخيمة، وكيف بدنا نتحمل، وانجبرنا وعشنا بالصيف وبالشتا، بعدين قلنا كيف بدنا نطعمي لولاد وانجبرنا نحمل سكينة ونروح على المساعدات والشاحنات ونقاتل ونحمل روحنا على كفنا ونتعرض لإطلاق نار من الجيش والقصف، لحد ما وصلنا بطلنا نفكر بالكرامة، صرنا نفكر كيف بدنا نعيش ونحمي لولاد، طيب اليوم ما ضل اشي، لا ضل مكان ولا ضل عنا قدرة. والأهم، ما في عنا خيارات، دائما احنا مجبرين ناخد طريق واحد مليان موت وصاحب الحظ بنجو".

AFP
فلسطينيون، معظمهم أطفال، يتدافعون للحصول على وجبة ساخنة من مطبخ خيري في منطقة المواصي بخان يونس، جنوب قطاع غزة، 22 يوليو 2025

قد تكون إسرائيل وضعت خطة وأقرتها، وفق مبادئ أساسية كانت قد ذكرتها مع بداية العمليات العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلا أنها لا زالت غير قادرة على إنهاء الحرب واستعادة كافة المحتجزين الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث لا زال قرابة 50 منهم "أحياء وجثامين" موزعين على عدة أماكن مجهولة، وتحاول "حماس" فرض مطالبها على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية خلال عمليات التفاوض غير المباشرة، بينما يقع الشعب الفلسطيني في غزة ضحية الخلافات والحرب.

من جانبه، يقول الباحث الفلسطيني في الشأن السياسي عصمت منصور، إنّ القرار الإسرائيلي يعني استمرار إسرائيل في الحرب على الرغم من محاولات رئيس أركان الجيش زامير تجنب هذا الأمر، وقطع الطريق أمام الجهود الدبلوماسية التي تبذل في إطار التوصل إلى صفقة تبادل ووقف إطلاق نار حتى لو كان بشكل مؤقت، مؤكدا أن نتنياهو ماضٍ في استمرار وتوسيع العمليات العسكرية حتى الوصول لاحتلال كامل قطاع غزة وتدمير المزيد من المدن والمباني السكنية والبنية التحتية.

ويشير إلى أن الهدف الأساسي وطويل الأمد الذي تعمل عليه إسرائيل، يتمثل في دفع الفلسطينيين في غزة نحو التهجير إلى الخارج مع عودة الاستيطان الإسرائيلي وإقامة المستوطنات داخل غزة. وأضاف: "منذ ما قبل الحرب ونحن نقول، إنه لا بديل عن الوحدة الفلسطينية لمواجهة إسرائيل، وحتى بعد انطلاق شرارة الحرب وصولا إلى اللحظة الحالية، نؤكد أنه لا بديل عن إنهاء الانقسام الفلسطيني وعودة الوحدة الفلسطينية لمواجهة إسرائيل ووقف عملياتها وتوغلها".

قد يكون هناك بعض الوقت أمام الفصائل والحركات الفلسطينية المنقسمة لتغليب المصلحة الفلسطينية على المصالح الفردية، لكن إذا ما استمر الحال على ما هو عليه فلسطينيا، ومضت إسرائيل في تنفيذ عمليتها ومخططاتها العسكرية التوسعية، فلن يكون هناك أهمية لأي قرار فلسطيني مستقبلي حتى لو تمت المصالحة الفلسطينية وانتهى الانقسام.

font change