أحمد الشرع والطريق من إدلب إلى دمشق... ونيويورك  

الرئيس السوري يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 الشهر الجاري

المجلة
المجلة

أحمد الشرع والطريق من إدلب إلى دمشق... ونيويورك  

الرئيس السوري أحمد الشرع سيزور نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويلقي كلمة سوريا يوم 24 من الشهر الجاري. إلى الآن، الزيارة محسومة بعدما اتُخذت الإجراءات اللازمة في واشنطن ومجلس الأمن الدولي. ما لم يحصل طارئ، ستكون أول مشاركة رئاسية سورية منذ إلقاء الرئيس نور الدين الأتاسي كلمة بلاده في يونيو/حزيران 1967.

طريق الشرع من إدلب إلى دمشق ثم نيويورك، لم يكن سهلا. الجانب السوري اتخذ القرار السياسي بالمشاركة لأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بالإطلالة من الأروقة الأممية، لكن على اعتبار أن الشرع مصنف من قبل مجلس الأمن "إرهابيا"، كان لا بد من اتخاذ إجراءات ضرورية لحل هذه العقدة.

واضح أن المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة حدث كبير في دمشق. وعندما سألت "المجلة" الشرع خلال لقائه وفدا إعلاميا عربيا قبل أسبوعين، عن زيارته المقبلة إلى نيويورك، أجاب أن سوريا كانت في "عزلة ضمن عزلة" بسبب ممارسات النظام السابق وموقف الدول منه و"مشاركتي هي أحد العناوين الكبرى التي تدل على تصحيح المواقف من سوريا سواء بسبب سياسات سوريا أو بسبب سياسات بعض الدول نحو سوريا". وأضاف: "لا شك أن الزيارة هي من عناوين التحول البارزة في سوريا"، لافتا إلى أنه "كانت هناك عقوبات أميركية منذ 1979. أما الآن فهناك علاقات جيدة مع أميركا والسعودية وتركيا والإمارات وقطر والأردن والدول الأوروبية".

يوم أمس، أكدت "وكالة الأنباء السورية الرسمية" (سانا) الأمر، بعدما توفرت أسباب الحسم. وقالت إن الشرع، سيشارك في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة و"الأسبوع رفيع المستوى" بين 22 و30 الجاري. وزادت أن مشاركة سوريا على المستوى الرئاسي هي الأولى منذ عام 1967.

تعتبر المنظمة الأممية "هيئة تحرير الشام" امتدادا لـ"جبهة النصرة" بقيادة "أبو محمد الجولاني"، التي صُنّفت منظمة إرهابية عام 2012 بسبب ارتباطها بتنظيم "القاعدة في العراق"

إذن حسمت مشاركته في نيويورك خلال سبتمبر/أيلول بالتزامن مع توفير الأرضية لمشاركته بالقمة العربية-الروسية في موسكو  منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

عقد في الطريق إلى نيويورك

لشرح العقد في المشاركة، لا بد من الإشارة إلى أن "هيئة تحرير الشام" مصنفة في القوائم السوداء في أميركا ومجلس الأمن. وعلى المستوى الدولي، يستند التصنيف إلى قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل القرار 1373 لعام 2001 الذي يلزم الدول باتخاذ إجراءات لمكافحة تمويل الإرهاب ومعاقبة المنظمات الإرهابية، والقرار 2253 لعام 2015 الذي وسع نطاق العقوبات ضد تنظيم "القاعدة" ومن يرتبط به. 

واس
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع خلال لقائهما في الرياض في 14 مايو 2025

وتعتبر المنظمة الأممية "هيئة تحرير الشام" امتدادا لـ"جبهة النصرة" بقيادة "أبو محمد الجولاني"، التي صُنّفت منظمة إرهابية عام 2012 بسبب ارتباطها بتنظيم "القاعدة في العراق". و"الهيئة" أدرجت على قائمة "المنظمات الإرهابية" في مايو/أيار 2014، وجرى التأكيد على ذلك بقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2025.  

في مارس/آذار  2015، سيطر "جيش الفتح" الذي كانت "النصرة" (الهيئة أو فتح الشام) عماده على إدلب في شمال غربي سوريا. وفي منتصف 2016، أعلن "أبو محمد الجولاني" (أحمد الشرع) تغيير اسم التنظيم من "جبهة النصرة" إلى "فتح الشام" وفك ارتباطه بـ"القاعدة". وفي بداية 2017، أصبح اسمها "هيئة تحرير الشام". ويعود إدراج الشرع إلى 24 يوليو/تموز  2013. 

لست امتدادا للأحزاب الإسلامية سواء التنظيمات الجهادية أو الإخوان المسلمين، ولست مؤيدا لـ"الربيع العربي"

الرئيس أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد إعلامي عربي في دمشق

ومنذ وصول "هيئة تحرير الشام" إلى دمشق بعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، قوبل التغيير بترحيب سوري وعربي وإقليمي وأوروبي وأميركي، لأسباب جيوسياسية: إخراج إيران و"حزب الله" من سوريا، تفكيك شبكات المخدرات، الاستعداد لعلاقات حيادية أو إيجابية مع دول الجوار، إضافة إلى الاستعداد لمحاربة تنظيم "داعش"، الذي يعتبر الشرع "العدو رقم واحد له"، بحسب الشرع الذي أشار إلى مقتل ألفي شخص من "الهيئة" في الحرب ضد "داعش". وقال: "لست امتدادا للأحزاب الإسلامية سواء التنظيمات الجهادية أو الإخوان المسلمين، ولست مؤيدا لـ(الربيع العربي)".

الترحيب بالتحول الكبير في سوريا، توج بلقاء الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض في 14 مايو/أيار الماضي، وبقرار سياسي برفع العقوبات عن سوريا ("قانون قيصر" لم يدرج مشروع قانون إلغائه في موازنة الدفاع في الكونغرس، لذلك فإن المطروح حاليا هو تجميد لستة أشهر، مع إعفاءات واستثناءات).

ورغم الترحيب السياسي، وبسبب التصنيف في القوائم السوداء في مجلس الأمن، فإن كل زيارة رسمية خارج البلاد للشرع، تتطلب موافقة من لجنة خاصة بالعقوبات في مجلس الأمن. وهذا الإجراء الروتيني–السياسي، حصل بالفعل في جميع الزيارات الخارجية للشرع سواء كانت إلى الأردن المجاورة أو أذربيجان البعيدة. 

لكن المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، طرحت أسئلة كبرى، لأنها تخص مسؤولا مصنفا "إرهابيا" في قوائم المجلس وقادما للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، وليس فقط في القوائم الأميركية كما حصل مع مسؤولين كثيرين في العقود السابقة. ما الخيارات لحل العقد؟

خيارات أمام الطريق لنيويورك 

بعد اتخاذ الشرع قراره بدعم أميركي وعربي وتركي بالذهاب إلى نيويورك، بحثت واشنطن في الخيارات المتاحة:

الخيار الأول، كان العمل في مجلس الأمن على رفع تصنيف "هيئة تحرير الشام" والشرع من قائمة العقوبات الأممية، خصوصا أن الشرع قرر حل "الهيئة" وجميع الفصائل في "خطاب النصر" في 29 يناير/كانون الثاني 2025. لكن هذا الخيار قوبل برفض صيني لأسباب عدة بينها وجود "الجيش التركستاني الإسلامي" الأويغوري ضمن تحالفات "الهيئة" في سوريا.  

طرحت فكرة عقد لقاء أميركي-سوري وتوقيع اتفاق أمني سوري–إسرائيلي يتعلق بترتيبات السويداء والجنوب السوري. لكن واشنطن نصحت دمشق بأن تكون زيارة قصيرة

الخيار الثاني، قدمت مسودة قرار تضمن عناصر سياسية، يقترح إلغاء تصنيف الشرع من قائمة العقوبات الدولية، فقوبل أيضا بعدم حماسة صينية رغم اتصالات كثيرة بين بكين ودمشق، وهذه الاتصالات لا تزال مستمرة لحل هذه العقدة. 

الخيار الثالث، الحصول على استثناء من لجنة العقوبات بسفر الرئيس الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة. وقال مسؤول غربي: "كان هذا أسرع الطرق، وحصل بالفعل قرار الاستثناء". بالفعل، صدر القرار كما حصل في زيارات سابقة، وفتح هذا الباب أمام إعلان "سانا" قرار المشاركة في الاجتماعات الأممية.

من دمشق إلى نيويورك 

قدمت أميركا تأشيرات الدخول للرئيس الشرع والوفد السوري، كما أنها رفعت حظرا كان موجودا منذ 2017 يحصر انتقال أعضاء البعثة الدبلوماسية السورية بدائرة قطرها 25 ميلاً.   

أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل وفدا روسيا رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في دمشق، 9 سبتمبر 2025

في البداية، كانت هناك رغبة سورية بأن تكون زيارة الشرع لحوالي أسبوع تتضمن زيارات لولايات أميركية وربما واشنطن وتوقيع عقود اقتصادية وتكنولوجية. كما طرحت فكرة عقد لقاء أميركي-سوري وتوقيع اتفاق أمني سوري–إسرائيلي يتعلق بترتيبات السويداء والجنوب السوري. لكن واشنطن نصحت دمشق بأن تكون زيارة قصيرة وترمي فقط إلى إلقاء كلمة في الأمم المتحدة وإجراء لقاءات ثنائية مع قادة عرب وأجانب وبعض النشاطات، بينها لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يتوقع أن يبلغه بقرار نقل مكتب المبعوث الخاص غير بيدرسون المكلف بتنفيذ القرار 2254 من جنيف إلى دمشق، حسب قول مسؤول غربي.

وعليه، ستكون الزيارة بين 21 و25 سبتمبر/أيلول. وتم تشكيل الوفد ليضم وزير الخارجية ومدراء إدارات الأميركتين قتيبة إدلبي، والمراسم قتيبة قاديش، والمنظمات سعد بارود، والدكتور نجيب الغضبان (سفير "الائتلاف" السابق في نيويورك)، إضافة إلى إبراهيم العلبي (32 سنة) الذي وصل قبل يومين إلى نيويورك لبدء مهماته مندوبا لسوريا في الأمم المتحدة. 

من المقرر أن تعقد اجتماعات إضافية بين وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في محاولة للوصول إلى اختراق في الأيام المقبلة

اتفاق أمني سوري-إسرائيلي؟

كانت "المجلة" قد سألت الشرع عن احتمال انضمام سوريا إلى "الاتفاقات الإبراهيمية" خصوصا بعد دعوة البيت الأبيض لدمشق، فتحدث عن الفرق بين سوريا والدول العربية الأخرى التي انضمت إلى هذه الاتفاقات. وقال: "الاتفاقات حصلت بين إسرائيل ودول ليست عندها خلافات وليست مجاورة. سوريا وضعها مختلف. لدينا الجولان أرض محتلة". واستبعد نسخ "الاتفاقات الإبراهيمية" في سوريا.  

وسئل عن اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، فأجاب: "النظام السابق كان مرتبطا باتفاق فك الاشتباك لعام 1974 وهناك قوات دولية لتطبيق اتفاق فك الاشتباك". وأوضح ردا على سؤال آخر: "الأولوية حاليا للعودة لاتفاق فك الاشتباك لعام 1974 أو شيء مشابه، أي ضبط الوضع الأمني في جنوب سوريا بإشراف دولي". وأشار إلى أن إنجاز الاتفاق الأمني يتوقف على مضمونه، و"عندما ننجز أي شيء لن نكون خجولين، سنعلن أي خطوة نقوم بها إذا كانت فيها مصلحة للبلد وتساهم في تحقيق الاستقرار". 

من المقرر أن تعقد اجتماعات إضافية بين وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في محاولة للوصول إلى اختراق في الأيام المقبلة، وسط تعقيدات إضافية سببتها الغارات الإسرائيلية على مواقع سيادية سورية (القصر، وزارة الدفاع) وأخرى كانت مقررة أن تكون قواعد عسكرية تركية في سوريا، والقصف الإسرائيلي على قطر، علما أن أنقرة والدوحة حليفتان لدمشق الجديدة.  يضاف إلى ذلك، أن تل أبيب تصر على إقامة منطقة آمنة واسعة بين دمشق وخط "فك الاشتباك" في الجولان وتقول إن "فك الاشتباك" الذي وقع قبل خمسين سنة، انتهت صلاحيته.

font change

مقالات ذات صلة