شاعت في لبنان منتصف تسعينات القرن الماضي، أغنية فيديو كليب لغسان الرحباني، تسخر سخرية سوداء من حالة مطار بيروت البائسة والمزرية التي انحدر إليها، مع الطريق المؤدية إليه، مرورا بضاحية بيروت الجنوبية. آنذاك لم يكن رفيق الحريري- رئيس حكومات "إعادة بناء وإعمار" ما بعد حروب لبنان (1975- 1990)- قد شرع بعدُ في تنفيذ مشروعه، الذي صدّره بإعمار وسط بيروت، وتوسيع مطارها وتحسين خدماته، حيث كان البؤس والخراب شاملين، بعد 15 سنة من الحروب الأهلية الإقليمية، والإهمال والنكوص والتخلف عما يحدث ويستجد في العالم.
حروب "الثنائي الشيعي" وعاصمة "حزب الله"
كان لبنان ما بعد "اتفاق الطائف" سنة 1989، قد خرج لتوّه آنذاك من "عشريته السوداء" التي شملت حروبها في الثمانينات المناطق والطوائف، وميليشياتها المسلحة كافة. وكان وصول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت صيف 1982، الحدث الأهم في بدايات تلك السنوات العشر، التي خُتمت بطرد جيش نظام الأسد السوري العماد ميشال عون من قصر بعبدا الجمهوري، وسيطرته على لبنان كله.
أما في جنوب لبنان، وفي ضاحية بيروت الجنوبية- حيث يقع في الأخيرة مطار بيروت، والطريق الوحيد المؤدي إليه آنذاك- فكان النظامان الأسدي في سوريا والخميني في إيران، قد اتفقا على تقاسمهما السيطرة على "الإخوة الأعداء: الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله"، بعد حروبهما المدمّرة للمجتمع والعمران الشيعيين، إضافة إلى حرب "أمل" منفردة على المخيمات الفلسطينية، طوال النصف الثاني من الثمانينات. وقد انتهت تلك الحروب في ديار الشيعة اللبنانيين بسيطرة "حزب الله" على ضاحية بيروت الجنوبية، وترك جيب صغير منها (الشياح) لـ"حركة أمل"، كترضية لها من "سوريا الأسد". هذا فيما تحوّلت منطقة حارة حريك، التي هُجِّر منها أهلها المسيحيون "مربعا أمنيا" وعاصمة لـ"حزب الله".