يمكن قارئ نوفيلا "غابة" للبناني سمير يوسف أن يكتشف خلاصتها ما أن يقرأ عتباتها الأولى، التمهيد وكلمة الغلاف، إلا أن هناك ما سيشدّه لمتابعة قراءة الرواية الصادرة أخيرا عن "نوفل، هاشيت أنطوان" في بيروت، لعل أهمه تلك الأفكار الجريئة التي تناقشها الرواية عن مستقبل البيئة والحياة في ظل اكتساح عالم التسليع والتكنولوجيا.
موضوع مثل هذا، لا يزال غير مطروح بوضوح في المجتمعات العربية، كما هو في المجتمع الفرنسي، الذي ينقلنا الكاتب إلى قرية فيه تواجه مشروعا يريد أن يحولها إلى بلدة تكنولوجية شبيهة بـ"وادي السيليكون". لكن هذه الإشكالية التي تواجهها هذه القرية الأوروبية تبدو إشكالية إنسانية، تعني كل المجتمعات والأفراد.
اختفاء السحر
يخبرنا الراوي منذ البداية، وهو صحافي في مؤسسة صحافية فرنسية، أنه سافر إلى قرية اسمها ميتسا لإنجاز تقرير عن حريق طال مشروعا ضخما، ولأن التقرير لم ينشر، يقرر الصحافي تطويره إلى عمل روائي، يدون فيه شهادات المعنيين بهذا الحريق الذي نعرف منذ البداية أن من قام به هو توماس، رئيس البلدية، المعارض لإنشاء هذا المشروع الذي يراه ضد البيئة.
لا يقدّم الكاتب هذه الشهادات بأسلوب توثيقي أو تقريري، وإن كانت لغة الصحافة ليست بعيدة عن السرد، وإنما يمضي معها في قصص تتداخل فيها علاقات الحب مع السجالات الفكرية عن مستقبل البشرية والعنف والطبيعة وتدمير البيئة. مما يجنب القارئ بعض الملل الذي قد يصيبه وهو يقرأ هذه النقاشات.
فتوماس الأربعيني، يعيش علاقة حب مع إيلينا، لكنه لا يحد من إعجابه وتقربه من آري التي بدورها تحاول أن تتخلص من صديقها فيكتور، بسبب مناصرته لأصحاب المشاريع المالية، فتتقرب إلى ماكس، ثم تجمع هذا الأخير بتوماس في مشهد حب هو وليد التحرر الذي يعيشونه وينادون به.
تلحّ مسألة العنف لدى توماس بعد أن عجز عن مواجهة المشروع المدمر للبيئة بشتى السبل، بما في ذلك الحملات الإعلامية بالوسائط الحديثة التي تقوم بها آري. لذا نجده يحاول أن يقنع مناصريه بما يراه، وأولهم إيلينا "هل من المعقول يا إيلينا أن أمر على هذا الكوكب شاهدا على اختفاء كل ما أحبّه؟ أليس من الجنون أن تقطع إيكيا شجرة كل دقيقة وأن نشتري منها؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل أثاث بشع؟ من أجل ثراء سافل لا أحد يعرف شكل وجهه؟ أم من أجل تسلية الناس بالبراغي والتركيب؟ تقولين إن العنف ليس الحل، وأنا أوافقك نظريا، فأنا أيضا لا أريد العودة إلى حياة الأدغال حيث القوي يفرض كلمته على الضعيف، ولكن بالله عليك قولي لي ما العمل؟ كيف ننجو؟ ألم نجرب كل شيء؟ ألم نتظاهر؟ ألم ننشر التقارير العلمية؟ ألم نعطش؟ ألم نتسمم؟ ألا نرى تقلبات الطقس والكوارث الطبيعية؟".