لقاء ترمب-الشرع... حضور وزير خارجية تركيا ومستقبل "قسد"

الرئيس السوري رجل برغماتي، وقد أدرك أهمية العلاقات العامة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، واشنطن في 10 نوفمبر 2025

لقاء ترمب-الشرع... حضور وزير خارجية تركيا ومستقبل "قسد"

شكّلت استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لأحمد الشرع، رئيس سوريا، في البيت الأبيض في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، حدثا مفصليا هو الأول من نوعه على الإطلاق.

وقد أبدى ترمب حفاوة لافتة تجاه الشرع في مكتبه، تخللتها لحظات طريفة من تبادل الهدايا، وزيّن اللقاء بعبارة "رجل قوي في جوار صعب"، وهي عبارة اعتاد أن يخص بها زعماء أجانب يكنّ لهم إعجابا، وإن لم يكن بالضرورة محبة، من بينهم شي جينبينغ، بوتين، أردوغان، وأوربان.

الشرع، الذي كان حتى وقت قريب مدرجا على قائمة أخطر المطلوبين للولايات المتحدة، مع مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، بات اليوم وجها جديدا.

ومع أن بعض المخاوف، ولا سيما ما يتعلق بمعاملة الأقليات في سوريا، مثل الأكراد والعلويين والدروز لا تزال قائمة، فإن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وضعا جانبا ماضيه الجهادي، ومنحاه رصيدا سياسيا للمضي قدما في بناء نظام جديد لسوريا جديدة.

الشرع رجل برغماتي، وقد أدرك أهمية العلاقات العامة كما يتضح من الحملات الأخيرة ضد خلايا "داعش" في أنحاء البلاد ومن مظاهر التعايش والتسامح تجاه المسيحيين السوريين، ومن لقاءاته مع يهود سوريا.

أما النتيجة الأبرز للقاء ترمب والشرع، فكانت إعلان سوريا انضمامها إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". وكان إدماج الأكراد السوريين في النظام الجديد من أبرز القضايا المطروحة، ومن المتوقع أن تستأنف دمشق وقوات سوريا الديمقراطية محادثاتهما الأسبوع المقبل.

وفي ملف العقوبات، تحقق بعض التقدم، لكن "قانون قيصر" لا بد من إلغائه بالكامل، وهي عملية ينبغي أن تمر عبر الكونغرس.

كما ناقش الزعيمان إمكانية توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل. وقد جدد الشرع تأكيد رغبة سوريا في إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل، وكشف علنا عن محادثات جارية معها، لكنه أشار إلى أن توقيع اتفاق غير ممكن في ظل توسع الاحتلال الإسرائيلي ليشمل كامل الجولان، بل وتوغله في أراض سورية إضافية. وقد وعدت الولايات المتحدة، كما يقال، بإيجاد مخرج لهذه المعضلة.

ومن بين المواضيع الأخرى التي نوقشت، مستقبل النظام الإداري في سوريا وقضية استخدام وتوزيع الموارد النفطية

ومن بين المواضيع الأخرى التي نوقشت، مستقبل النظام الإداري في سوريا وقضية استخدام وتوزيع الموارد النفطية. فقد باتت "قوات سوريا الديمقراطية"/"وحدات حماية الشعب" تسيطر على معظم حقول النفط في البلاد، فيما تحرم دمشق من مصدر دخل بالغ الأهمية لإعادة الإعمار، يقدر بنحو 216 مليار دولار وفق أكثر التقديرات تحفظا، بحسب أحدث تقارير البنك الدولي.

المفاجأة الكبرى في زيارة واشنطن كانت حضور هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي. فتركيا تعد من أبرز اللاعبين في الأزمة السورية منذ بدايتها، ولها كلمة مؤثرة في مستقبل هذا البلد. ولم يكن وجود فيدان في واشنطن مصادفة، بل جاء بدعوة من الولايات المتحدة. وقد شارك فيدان في جزء من اللقاء بين ترمب والشرع.

أ.ف.ب
ترمب خلال استقباله الشرع ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بحضور نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك، في البيت الأبيض، 10 نوفمبر 2025

ثم اجتمع لاحقا مع وزير الخارجية الأميركي روبيو، ووزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني، إلى جانب المبعوثين الخاصين ستيف ويتكوف وتوم باراك. كما انضم نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس إلى الاجتماع في مرحلة ما.

إن لتركيا مصالح وهواجس عديدة في سوريا، تتصدرها المسألة الكردية. فهي تسعى إلى القضاء على إرهاب "حزب العمال الكردستاني" داخل حدودها، وفي الوقت نفسه تعمل على قيام نظام في سوريا يحد من التهديدات التي تمثلها "وحدات حماية الشعب"، الفرع السوري للحزب. وقد شهدت العلاقات التركية-الأميركية خلافات حادة حول هذه المسألة، لا سيما خلال إدارة بايدن، إذ كانت واشنطن تصر على أن "وحدات حماية الشعب" ليست امتدادا لـ"حزب العمال الكردستاني"، وتعاملت مع المخاوف التركية بقدر من الفتور.

أما الرئيس الأميركي الحالي، فله علاقة طيبة مع أردوغان، ويريد لتركيا أن تضطلع بدور محوري في سوريا، شرط أن يتماشى ذلك مع المصالح الأميركية. وقد عدل ترامب سياسة بلاده تجاه "قوات سوريا الديمقراطية"/"وحدات حماية الشعب"، لكن من الصعب القول إن هناك تحولا جذريا. ما يبدو أنه يسعى إليه هو إضفاء الشرعية على هذه القوات من خلال دمجها في الجيش السوري.

لتركيا مصالح وهواجس عديدة في سوريا، تتصدرها المسألة الكردية

ويرى كثيرون أن حضور هاكان فيدان إلى واشنطن يعكس قيام طاولة ثلاثية تجمع تركيا والولايات المتحدة وسوريا لإيجاد حلول. ومن خلال مناصب المسؤولين المشاركين، وبالمنطق البسيط، يتضح أن هذه الطاولة تضم أيضا "وحدات حماية الشعب" وإسرائيل، وإن لم تكن حاضرة علنا، لأسباب مفهومة.

وقد أكد هذا الطرح المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، السفير توم باراك، الذي صرح عبر حسابه على منصة "إكس" قائلا: "في الجلسة الثلاثية المحورية التي جمعت وزير الخارجية روبيو، والوزير هاكان فيدان، والوزير أسعد الشيباني، رسمنا ملامح المرحلة المقبلة من الإطار الأميركي-التركي-السوري: دمج "قوات سوريا الديمقراطية" في البنية الاقتصادية والدفاعية والمدنية الجديدة لسوريا، وإعادة تعريف العلاقات التركية-السورية-الإسرائيلية، وتعزيز التفاهم الذي يشكل أساس وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس".

ويرى بعض المراقبين في دعوة فيدان مؤشرا على رغبة واشنطن في ضمان عدم عرقلة تركيا للمسار، بل انخراطها فيه.

أما الأكراد في سوريا، الذين كانوا يُعتبرون لعقود تهديدا أمنيا، فقد تعرضوا للقمع في عهد الأسد، ولم يمنح كثير منهم بطاقات هوية، وحرم عدد كبير منهم من الجنسية. وقد شكلت الأزمة السورية التي اندلعت عام 2011 فرصة لهم، فتنظموا سياسيا وعسكريا، ومنذ عام 2014 دخلت الولايات المتحدة على الخط، فدربت وجهزت ووسعت "قوات سوريا الديمقراطية"/"وحدات حماية الشعب".

ومنذ بداية الأزمة وسقوط نظام الأسد، أعلنت هذه القوات أنها لن تتخلى عن مكاسبها، وأن لا عودة إلى ما قبل 2011. وربما بدافع من الواقعية السياسية أكثر منه موقفا مبدئيا، يؤكد الأكراد أنهم لا يسعون إلى تفكيك سوريا، بل إلى تحقيق مطالبهم ضمن إطار وحدة الأراضي السورية، وفق مفهوم يسمونه "الوحدة الديمقراطية".

سانا/ أ ف ب
الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي بعد توقيع اتفاق دمج مؤسسات الادارة الذاتية بالدولة السورية في دمشق في 10 مارس

ويصر الأكراد على إقامة نظام إداري لا مركزي، وعلى الاحتفاظ بقواتهم المسلحة، فضلا عن مطالبتهم بحصة عادلة من عائدات النفط. وعقب لقاء ترمب والشرع في واشنطن، نشر القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي رسالة عبر حسابه على وسائل التواصل، شكر فيها الرئيس ترمب، وأشار إلى مكالمة هاتفية ممتازة أجراها مع توم باراك حول نتائج الاجتماع في البيت الأبيض. وأكد عبدي التزام قواته بتسريع عملية الاندماج في الدولة السورية.

المباحاثات بين دمشق وأكراد سوريا

أفادت مصادر متعددة، من بينها الإدارة الأميركية ودمشق و"قوات سوريا الديمقراطية"/"وحدات حماية الشعب"، أن الطرفين سيعقدان اجتماعا في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، تحت إشراف ورعاية أميركية.

وفي تصريح لصحيفة كردية، أشار صالح مسلم، القيادي البارز في "حزب الاتحاد الديمقراطي"، إلى أن مشاركة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في اجتماعات واشنطن يمكن تفسيرها على أنها قبول تركي باتفاق العاشر من مارس/آذار والمسار الذي تلاه.

ورغم أن التطورات تبدو وكأنها تؤكد تفسير صالح مسلم، فإنها لا تتماشى مع الموقف التركي المعلن حتى الآن، والذي يتمثل في ضرورة تفكيك "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب"، وطي صفحتيهما نهائيا.

ولم يصدر بعد قرار نهائي أو بيان رسمي، لكن المباحثات بين دمشق والأكراد تتجه نحو صيغة تتضمن ما يلي:

- انضمام "وحدات قوات سوريا الديمقراطية"/"وحدات حماية الشعب" إلى الجيش السوري، على شكل فرقة أو فرقتين، ولواءين.

- نشر هذه الوحدات في المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرق وشرق سوريا.

- تخصيص وحدة واحدة على الأقل لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء البلاد عند الحاجة.

- إدراج عدد من القيادات العليا في "قوات سوريا الديمقراطية"/"وحدات حماية الشعب" ضمن الصفوف القيادية العليا في وزارة الدفاع السورية.

وتتعارض هذه الصيغة، التي تتيح لتلك القوات الاحتفاظ بتشكيلاتها المسلحة وقياداتها وسلاحها، مع الموقف التركي ومطالبه، إذ إنها لا تعني تفكيك القوات، بل منحها وضعا قانونيا داخل الدولة السورية ومؤسساتها الدفاعية، وبالتالي إضفاء الشرعية عليها.

رغم أن التطورات تبدو وكأنها تؤكد تفسير صالح مسلم، فإنها لا تتماشى مع الموقف التركي المعلن حتى الآن

وفوق ذلك، تبرز قضية عناصر "حزب العمال الكردستاني" في تركيا وشمال العراق. فبحسب تقرير لوكالة "رويترز" الأسبوع الماضي، تعمل تركيا على إبرام اتفاق يسمح بعودة نحو ثمانية آلاف عنصر من الحزب من مخابئهم في شمال العراق، وهو ما يرتبط ارتباطا وثيقا بسوريا، إذ من المتوقع أن يفضل بعضهم الانتقال إليها، ما قد يعزز صفوف "وحدات حماية الشعب".

وقد أثبتت الأزمة السورية منذ عام 2011 أن ما يحدث في سوريا لا يبقى فيها. وهذه نقطة بالغة الأهمية بالنسبة لتركيا، التي تخوض مسارا معقدا للغاية في ما يسمى "عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني"، الذي يطلق عليه أيضا اسم "مشروع الوحدة الوطنية والأخوة"، تجنبا لإثارة قلق وغضب الأتراك الذين يشعرون أصلا بالانزعاج والقلق.

وربما لهذا السبب، رغم ابتساماته في واشنطن، وجه فيدان تحذيرا خلال لقائه مع الصحافة، عندما صرح بأن عدم إدارة المشكلات في شمال وشمال شرق وجنوب سوريا بشكل سليم، قد يهدد وحدة الأراضي السورية ويؤدي إلى مزيد من التفكك.

ولكن سوريا لم تكن الملف الوحيد الذي ناقشه فيدان مع نظيره الأميركي، إذ أشار إلى أنهم أجروا محادثات معمقة حول قضايا أخرى، من بينها الملف الفلسطيني، لا سيما وقف إطلاق النار في غزة، وملف الحرب الروسية–الأوكرانية، والعقوبات على النفط الروسي، وقضايا إيران.

ويكتسب وقف إطلاق النار في غزة أهمية خاصة، إذ إنه يرتبط أيضا بسوريا وبالعلاقات التركية–الإسرائيلية. ومنذ اندلاع الحرب في غزة، وقفت تركيا بقوة إلى جانب الفلسطينيين، ما أدى إلى تدهور غير مسبوق في علاقاتها مع إسرائيل.

وقد أعلنت تركيا، بصفتها من أبرز داعمي خطة السلام التي طرحها الرئيس ترمب، استعدادها للعب دور في العملية، بما في ذلك إرسال قوات للمساهمة في قوة الاستقرار، لكن إسرائيل عبرت عن رفضها، ووجه وزير خارجيتها كاتس انتقادات للرئيس أردوغان، مستشهدا بعلاقاته مع حركة "حماس".

وبديهي أن احتمال وقوع مواجهة بين تركيا وإسرائيل في سوريا يثير قلقا لدى الولايات المتحدة، التي تسعى إلى منع الأمور من الانزلاق نحو الأسوأ.

font change