ما العمل مع لبنان؟https://www.majalla.com/node/328357/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%85%D8%B9-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D8%9F
تبدّل المشهد اللبناني بشكل ملحوظ منذ اتفاق وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024. وعلى الرغم من استمرار الهجمات الإسرائيلية، فإن الوضع منذ ذلك الحين يعكس ضعفا كبيرا ودراماتيكيا في "حزب الله". إذ تولى رئيس وحكومة جديدان زمام الأمور، وقررا نزع سلاح "الحزب"، وشرعا بالفعل في ذلك داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ويعملان الآن بمزيد من الحزم، لاسيما جنوب نهر الليطاني. كما يشهد الخطاب العام نقاشًا حول مواضيع لم يكن التطرق إليها مألوفًا في السابق، سواء ما يتعلق بـ"حزب الله" أو المفاوضات مع إسرائيل، بل وحتى إمكانية إحلال السلام معها. ولا يعني هذا أن هذه النغمات باتت شائعة، لكنها تُسمع بما يكفي لتلفت الانتباه.
"حزب الله" وإيران في أضعف حالاتهما منذ سنوات، وقد تُعد زيادة الضغط ضرورة لدفع الحكومة اللبنانية و"الحزب" نحو التحرك
ومع ذلك، فإن عملية نزع سلاح "حزب الله" لم تدخل بعد مرحلة التسريع، ما يثير استياء إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج المعنية. وتجد إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، نفسها الآن أمام مفترق طرق حاسم: هل تواصل الضغط الدبلوماسي والعسكري على الحكومة اللبنانية، وربما تعزّزه، لدفعها إلى اتخاذ خطوات أكثر حسمًا لنزع سلاح "الحزب"؟ وهناك أسئلة تفرض نفسها: هل يُحتمل حدوث تصعيد أوسع؟ وما تأثير ذلك على لبنان والمنطقة عمومًا؟
في الوقت الراهن، يبدو أن تل أبيب وواشنطن قررتا زيادة الضغط العسكري على بيروت بشكل ملحوظ. إذ تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في أنحاء البلاد، بل وتكثّفها في بعض الأحيان. وهي غير مستعدة للنظر في خطوات قد تساعد الحكومة اللبنانية على التقدّم، مثل الانسحاب الجزئي أو الكامل من المواقع الخمسة في جنوب لبنان، أو السماح ببدء عملية إعادة الإعمار هناك، إذ ترى أن الضغط وحده، في ظل الظروف الراهنة، قد يثمر نتائج.
تمنح الولايات المتحدة دعمًا كاملاً لإسرائيل. فقد صرّح المبعوث الأميركي، توم باراك، بوضوح: "ثمن الجمود الآن يفوق ثمن التحرك، أي نزع سلاح (حزب الله). الشركاء الإقليميون مستعدون لمساعدة لبنان، لكن بشرط أن تستعيد القوات الشرعية السيطرة على أدوات القوة. وإذا واصلت بيروت هذا النهج، فإن إسرائيل ستتصرف من جانب واحد، وسيكون لذلك عواقب وخيمة". ومن المتوقع أن يصل باراك إلى بيروت في الأيام المقبلة، وربما يسلّم المهمة للسفير الأميركي الجديد ميشال عيسى الذي وصل إلى البلاد الأسبوع الماضي.
الرئيس اللبناني جوزيف عون والسفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توم باراك في القصر الرئاسي في بعبدا، لبنان، في 21 يوليو
والآن تجد إسرائيل نفسها، من الناحية الظاهرية، أمام ثلاثة خيارات:
1- الاستمرار في الوضع القائم، أي مواصلة الضغط العسكري دون الانزلاق نحو هجمات أوسع على لبنان، على أمل أن تؤدي هذه السياسة إلى تحقيق الأهداف المرجوة دون التسبب في تصعيد مفرط. ثمة منطق في هذا الخيار، غير أن الساعة السياسية تدق، سواء في بيروت، حيث من المتوقع إجراء الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار المقبل، أو في القدس، على ما يبدو.
2- التصعيد وتوسيع نطاق القتال، فـ"حزب الله" وإيران في أضعف حالاتهما منذ سنوات، وقد تُعد زيادة الضغط ضرورة لدفع الحكومة اللبنانية و"الحزب" نحو التحرك. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب سيؤيد هذا الخيار، خاصة بعد "تحقيق السلام" في قطاع غزة، وبالنظر إلى التداعيات الإقليمية الأوسع، فضلا عن الوضع الداخلي في إسرائيل. كما لا يُعرف ما إذا كان هذا التصعيد سيدفع الحكومة اللبنانية إلى التحرك، أم سيُفضي إلى إضعافها وربما انهيارها.
رغم أن الأوضاع في غزة لا تزال مضطربة، فإنها تُسهم في تعزيز احتمال بروز "مزاج سلمي" في المنطقة
3- المسار الدبلوماسي "البديل" عن عملية نزع سلاح "حزب الله" المتعثر، كما أُشير سابقا، فإن الخطاب العام في لبنان تجاه المفاوضات مع إسرائيل، بما في ذلك احتمال السلام، شهد تحولات إيجابية. لا يعني ذلك أن المسألة لم تعد موضع جدل، لكنها تُناقش الآن بصوت أعلى من أي وقت مضى. بناءً عليه، يمكن لإسرائيل أن تفكر في التقاط القفاز الذي ألقاه الرئيس جوزيف عون في الساحة، والمتمثل في استعداده لتجديد المفاوضات مع إسرائيل حول قضايا الحدود. من شأن هذا المسار أن يضع الفاعلين اللبنانيين أمام اختبار داخلي، ويُظهر استعداد إسرائيل للسير في طريق السلام، رغم ما فيه من تحديات. ويمكن لهذا الخيار، إلى جانب الاتفاق الأمني الجاري التفاوض عليه مع النظام الجديد في سوريا، والذي قد يُوقّع قريبًا (واكتسبت في هذا السياق زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع التاريخية إلى واشنطن أهمية بالغة)، أن يسهم في خلق مناخ سياسي جديد وإيجابي، يساعد هذا المثلث– إسرائيل ولبنان وسوريا– على التقدم ببطء، ولكن بثبات.
لتلخيص ما سبق، من المفيد التأكيد على ما يلي:
- لا يُستحسن تعزيز الربط بين الساحتين اللبنانية والسورية، غير أن إحراز تقدم في تسوية الحدود البرية بين البلدين يُعد أمرًا بالغ الأهمية، لما فيه مصلحة الطرفين، ولتأكيد واقع الدولتين كيانين مستقلين يتمتعان بالسيادة، فضلًا عن دوره في تسهيل تسوية الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. فعلى سبيل المثال، تحديد ما إذا كانت مزارع شبعا أرضا كانت خاضعة لسيطرة سوريا (لا لبنان)، ينبغي أن يُحل بين سوريا وإسرائيل، ما يوضح القضايا المطلوب تسويتها بين إسرائيل ولبنان.
صورة ملتقطة من إسرائيل تُظهر الجدار الحدودي الفاصل بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان، مع لافتة تشير إلى الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة، في 19 نوفمبر 2025.
- يوصى باتباع نهج تدريجي من شأنه أن يُساهم في خلق مناخ سلمي بين لبنان وإسرائيل، يشمل خطوات مثل تخفيف القيود المفروضة على التواصل بين الأفراد من الجانبين، في مجالات كالإعلام والأكاديميا، وتعزيز التعاون في قطاعات مثل الطاقة، حيث يمكن لإسرائيل أن تُقدم دعمًا عبر تزويد لبنان بالغاز الطبيعي، كما طُرح في وقت سابق.
- رغم أن الأوضاع في غزة لا تزال مضطربة، فإنها تُسهم في تعزيز احتمال بروز "مزاج سلمي" في المنطقة.
- تصعيد الضغط- خصوصًا العسكري- على لبنان منطقي، إلا أن الظروف الراهنة تتيح فرصا نادرة لدبلوماسية خلاقة واستباقية. ويُستحسن اغتنام هذه الفرص الإيجابية قبل اللجوء إلى خيارات أكثر فتكا.