شكلت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن محطة مفصلية في مسار العلاقة الممتدة منذ ثمانين عامًا بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقد ينظر المؤرخون إلى هذه اللحظة باعتبارها نقطة تحول كبرى لكلا البلدين، بحسب ما ستسفر عنه الأشهر المقبلة من تطورات في القضايا الاستراتيجية الجوهرية.
أبرز ما ميز هذه الزيارة كان استمرار الجهود لتوسيع أسس الشراكة الثنائية بما يتجاوز مجالي الطاقة والأمن، لتشمل ميادين جديدة من التعاون في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والمعادن الاستراتيجية، إلى جانب مجالات الاستثمار الاقتصادي المستحدثة، وفي مقدمتها التزام معلن من المملكة بضخ ما يقارب تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي. كما عكست الزيارة مؤشرات واعدة على تعميق التعاون الدفاعي والأمني، وفتح آفاق جديدة للتنسيق في ملفات مثل الطاقة النووية.
غير أن الأجواء الإيجابية، وصفقات القطاع الخاص، وفرص التصوير الإعلامي التي أحاطت بالزيارة، لا تكفي وحدها لدفع العلاقات إلى الأمام. فالتقدم المستدام يتطلب دبلوماسية مثابرة ومتأنية، تعمل على توضيح النقاط العالقة التي ما زالت من دون حسم، والتي ستشكل الإطار العام لهذه الشراكة لعقود مقبلة.
كتسلّق جبل شاهق: مسار العلاقات الأميركية – السعودية على مدى ثمانين عاما
من جانب آخر، يشبه التقدّم في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، خلال العقود الثمانية الماضية، تسلّق جبل شاهق. فمنذ تأسيس هذه الروابط بلقاء الرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت والملك عبد العزيز على متن البارجة الأميركية "كوينسي" في قناة السويس عام 1945، سعى البلدان في معظم الأحيان إلى بلوغ قمم أعلى في بناء علاقة أكثر عمقا ومتانة، رغم ما اعترض الطريق من عثرات وانتكاسات بارزة.
ثلاث محطات صعبة شكّلت مفاصل رئيسة في هذه المسيرة:
الأولى عام 1973، حين فرضت منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، بقيادة السعودية، حظرا نفطيا ردا على قرار واشنطن تزويد الجيش الإسرائيلي بالسلاح خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول. وقد تسبّب ذلك في أزمة طاقة خانقة داخل الولايات المتحدة، وفتح فجوة في الثقة بين الجانبين. إلا أن البلدين سرعان ما استعادا الزخم في علاقتهما عبر تعزيز التعاون بعد "الثورة الإيرانية" عام 1979، ثم خلال حرب الخليج عام 1991 عقب غزو العراق للكويت وتهديده للسعودية.
الانتكاسة الثانية وقعت مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 وما تبعها من توتر، لا سيما في أعقاب غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003. ومع ذلك، شهدت العلاقة تقاربا تدريجيا من خلال شراكة أوثق في مكافحة الإرهاب، سواء ضد تنظيم "القاعدة" أو تنظيم "داعش" في العقد الثاني من الألفية.

