لقد وضع البابا ليو الرابع عشر في ختام زيارته إلى لبنان الإصبع على الجرح عندما قال إن الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة، وهو ما يحفز فعلا على السؤال عما إذا كانت المقاربات الجديدة ممكنة أيضا في لبنان الذي زاره البابا لثلاثة أيام، أم إن البلد سيبقى أسير المراوحة والانقسامات التقليدية وضعف المخيلة السياسية في لحظة حرجة جدا وغير مسبوقة منذ تأسيس الكيان اللبناني، فحتى خلال الحرب الأهلية لم يكن السؤال عن مستقبل لبنان مطروحا كما هو اليوم، فخلال الحرب كان لبنان استثناء في المنطقة من حيث عدم استقرار أوضاعه وانفلات العنف الأهلي والتدخلات والاحتلالات أما اليوم فالمنطقة بأسرها في مرحلة انتقالية تشهد التصفيات النهائية على مراكز النفوذ الإقليمية الجديدة، في ظل استنفار إسرائيلي على تغيير الوقائع لا السياسية وحسب بل الجغرافية أيضا، وليس في فلسطين وحسب بل في سوريا ولبنان أيضا، وهذا جديد من حيث انضمام سوريا إلى جغرافيا العبث الإسرائيلي. وبالتالي فإن لبنان البلد الأكثر هشاشة من حيث الانقسامات الداخلية والاهتمام الدولي به، يعوم في بحر هائج، من دون مظلة إقليمية فعلية ومن دون رادع لإسرائيل التي لم تعد تعترف بحدود "سايكس-بيكو" كما قال المبعوث الأميركي توم باراك، وهذا أمر سيكون لبنان أكثر المعنيين به من حيث سير أزمتيه الخارجية والداخلية معا.
صحيح أن زيارة البابا ولّدت انطباعا عموميا بأن لبنان ليس متروكا لمصيره وأن ثمة في العالم من يكترث له، ولو كان الفاتيكان لا يملك دبابات (!) ولكنه يبقى قوة ضغط دولية تستطيع أن تضع ملفا يهمها على طاولة الدول الكبرى وبالأخص الغربية. لكن الصحيح أيضا أن الزيارة كشفت عن عمق الأزمة في لبنان خصوصا إذا ما استحضرت زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1997، فمنذ ذلك التاريخ تقريبا أو بعده بسنوات قليلة، غرق لبنان في أزمة سياسية عميقة ودموية غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان، وحتى اللحظة لم يخرج منها.

