ثمة كتاب يدخلون تاريخ الأدب بكتاب واحد يخلد أسماءهم. وثمة كتاب يحققون الإنجاز نفسه، لكنهم يبقون طويلا في دائرة الظل لأسباب لا تتعلق بقيمة كتابهم الأكيدة، بل بشكله ومضمونه الراديكاليين.
من هؤلاء الكاتبة الإيطالية باولا ماسينو (1908 – 1989) التي تركت خلفها أعمالا قليلة: قصائد، قصص قصيرة، نص مسرحي مشترك مع رفيق دربها ماسيمو مونتيمبيلي، وروايتان: "ضواحي" (1933) التي كتبتها بأسلوب واقعي سحري، وأثارت حفيظة الرقباء الفاشيين في وطنها لانتقادها نظامهم، و"ولادة وموت ربة المنزل" (1945) التي صاغتها بلغة شعرية طلائعية، لكن شكلها ومضمونها الثوريين اللذين أدخلا ماسينو تاريخ الأدب، هما نفسهما اللذان أغلقا أبواب الشهرة أمامها، فوجب انتظار عام 2009 كي تنقل هذه الرواية إلى الإنكليزية، وعام 2018 كي تترجم إلى الفرنسية.
عن "موت وولادة ربة المنزل"، لن نجد على الإنترنت ولو سطرا واحدا باللغة العربية. لذلك، نغتنم مناسبة مرور ثمانين عاما على صدورها، للتوقف عند هذه الرائعة الأدبية التي ينطبق عليها قول كافكا التالي: "على الكتاب أن يكون فأسا تكسر البحر المتجمد داخلنا".
رواية متفجرة
في مقدمته لترجمتها الفرنسية، يذهب الشاعر والروائي الفرنسي كريستوف كلارو إلى أبعد من قول صاحب "التحول"، لوصفها، فيكتب: "بعض الكتب تتقاسم مع النيتروغليسرين عددا من الفضائل: غير مستقرة وخطرة، لا تتردد في إدماج عناصر تبدو متحجرة في ظاهرها، وفي استعارة شكل مألوف لتوقظ فينا، من حيث لا ندري، غريزة الصاعق. وحين توضع بين أيدينا، تغتنم الاهتزازات الحتمية الملازمة للقراءة كي تمارس أبسط حقوقها: الانفجار في وجوهنا".
سواء أكانت فأسا حادة أم إصبع ديناميت، فإن هذه الرواية تصدع من دون شك سبات قارئها، لكن بتقدمها غالبا متنكرة. لماذا؟ لأن ماسينو كتبتها في نهاية الثلاثينات، في إيطاليا الفاشية، حين الرقابة كانت "أشد نفاذا من النقد الأدبي". لكن على الرغم من مظهرها الخادع الذي يوحي بحكاية خرافية، ومن صدورها أولا على شكل حلقات في مجلة "تيمبو"، لم تفلت من عين الرقابة المتحفزة، التي أجبرت صاحبتها على تنقيحها ومحو كل أثر إيطالي فيها، قبل أن تحسم أمرها بتفجير المطبعة التي كانت مكلفة طبعها في كتاب عام 1941.


