المرحلة الثانية من وقف النار... عقبات وتحديات طاردة للفلسطينيين

تحل لجنة التكنوقراط محل الحكومة التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بعدما رفضت إسرائيل عودة السلطة

أ.ب
أ.ب
قوات من الجيش الاسرائيلي تمر بسياراتها أمام أنقاض المباني التي دمرتها خلال العمليات البرية والجوية في حي الشجاعية بمدينة غزة في 5 نوفمبر 2025

المرحلة الثانية من وقف النار... عقبات وتحديات طاردة للفلسطينيين

مع بداية العام الجديد، من المتوقع أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، البدء في تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، الموقّع بين حركة "حماس" وإسرائيل في شرم الشيخ بمصر قبل أكثر من شهرين. ومن المفترض أن تركز تلك المرحلة على انسحاب إسرائيلي من أجزاء إضافية من أراضي القطاع، حيث لا يزال الجيش يسيطر على أكثر من نصف مساحته، كما يفترض إرسال قوات دولية لتتمركز في منطقة فاصلة بين مناطق وجود الفلسطينيين غربا، ومناطق تمركز الجيش الإسرائيلي شرقا بهدف منع العمل العسكري وتثبيت دائم لوقف إطلاق النار.

بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن يعلن ترمب عن مجلس السلام المكون من قادة دوليين ورؤساء دول- برئاسة ترمب نفسه- مهمته الإشراف على المرحلة الانتقالية ما بعد الحرب والإبادة، كذلك الإعلان عن لجنة تكنوقراط فلسطينية ترتكز مهمتها على إدارة الأمور الخدماتية للفلسطينيين، وكذلك نزع سلاح "حماس"، وإعادة عمل معبر رفح البري مع مصر والسماح للفلسطينيين بالسفر أو العودة تحت إشراف البعثة الدولية للاتحاد الأوروبي، والسماح لتدفق المزيد من شاحنات المساعدات من خلال منافذ القطاع، والتحضير لإعادة إعمار غزة.

خلال الأسابيع الماضية، ومنذ الإعلان عن بدء تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق الذي لا يخضع إلى جدول زمني واضح، تبادلت "حماس" وإسرائيل المحتجزين والأسرى الأحياء والجثامين، حيث أطلقت "حماس" سراح 20 محتجزا على قيد الحياة في مقابل إطلاق الثانية سراح قرابة ألفين من الأسرى الفلسطينيين، تبعها تسليم الحركة جثامين 27 محتجزا، وفي مقابل كل جثمان سلمت إسرائيل 15 جثمانا لفلسطينيين قتلوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث لا يزال جثمان محتجز إسرائيلي واحد تجري عمليات البحث عنه شرق غزة من قبل عناصر "حماس" بإشراف وتنسيق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ينتظر المرحلة الثانية الكثير من التحديات والعقبات التي ستقف عائقا أمام تطبيقها، أبرزها نزع سلاح حركة "حماس"، وهو البند المذكور في ورقة ترمب التي وافقت عليها الحركة أكتوبر الماضي

كما شهدت المرحلة الأولى عشرات الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، حيث استمرت عمليات النسف والتفجيرات في المناطق التي لا زالت تخضع للسيطرة الإسرائيلية خلف الخط الأصفر، وهو الخط الفاصل بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي. لكن الأخطر من ذلك، أن الجيش الإسرائيلي شن عددا من الهجمات الجوية الحربية واستهدف منازل وخيام النازحين والسيارات، ما أدى إلى مقتل قرابة 400 ضحية وإصابة العشرات خلال المرحلة الأولى بذريعة تعرض قواته لهجمات من قبل عناصر فلسطينية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش جنوب القطاع. إلى جانب اغتياله لعدد من قادة وعناصر "حماس" والتي كان أبرزها اغتيال الرجل الثاني في "كتائب القسام" الجناح العسكري لـ"حماس" رائد سعد، في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في قصف إسرائيلي استهدف مركبته غرب مدينة غزة.

رويترز
مسلحون فلسطينيون أثناء تسليم الرهائن المحتجزين في غزة كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن بين "حماس" وإسرائيل، في خان يونس، جنوب قطاع غزة، 13 أكتوبر2025.

وبالتزامن مع الخروقات الإسرائيلية واكتفاء "حماس" بإدانتها ومطالبة الدول الوسيطة والضامنة لتنفيذ الاتفاق بإلزامها بتنفيذه، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المماطلة وتأخير البدء في دخول المرحلة الثانية حيز التنفيذ مشترطا إنهاء ملف تبادل الأسرى بالكامل، وربما تساهلت الولايات المتحدة الأميركية مع تلك المماطلات، إلا أنّ الأمر لا يبدو أنه سيستمر طويلا، حيث من المتوقع أن يمارس ترمب ضغطا مضاعفا على نتنياهو خلال اجتماعهما القادم نهاية العام الجاري 2025، والذي سيتبعه الإعلان عن المرحلة الثانية حتى لو استمرت عمليات البحث عن رفات الجثمان الإسرائيلي للعام القادم. لكن ذلك ليس العقبة أو التحدي الوحيد الذي يقف أمام التنفيذ الفعلي للمرحلة الثانية.

نزع سلاح "حماس"

ينتظر المرحلة الثانية الكثير من التحديات والعقبات التي ستقف عائقا أمام تطبيقها، أبرزها نزع سلاح حركة "حماس"، وهو البند المذكور في ورقة ترمب التي وافقت عليها الحركة أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واعتبرت الولايات المتحدة وإسرائيل تلك الموافقة، بمثابة موافقة نهائية على تنفيذ كافة البنود، فيما لا تزال الحركة وعلى لسان أحد قادتها الذي صرّح مؤخرا بموافقة "حماس" على تخزين أو تجميد للسلاح وليس نزعه أو تسليمه لأي جهة سوى الدولة الفلسطينية بعد إقامتها.

تحل لجنة التكنوقراط محل الحكومة التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك بعدما رفضت إسرائيل عودة السلطة وتسلمها الحكم في غزة بشكل واضح وصريح

ويمثل هذا البند تحديدا بالنسبة لإسرائيل، نقطة مفصلية خلافية، حيث ترى أنّ نزع السلاح، أولوية لضمان حماية وأمن الحدود والمستوطنات لتأمين نفسها من أي تهديد مستقبلي، في الوقت الذي لا تزال "حماس" والفصائل الفلسطينية ترى أنّ من حقها المقاومة طالما لا يزال الاحتلال قائما، حيث تبدي الأخيرة موافقتها على هدنة طويلة الأمد قد تمتد لخمس أو عشر سنوات، لكنها ترفض بشكل قطعي نزع السلاح أو تسليمه، الأمر الذي سيفرض على الولايات المتحدة الأميركية الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، ممارسة الضغط الذي قد يصل إلى حد التهديد للفصائل الفلسطينية المسلحة.

القوات الدولية

تخوفا من التهديدات أو السيطرة الأمنية، عبرّ عدد من قادة "حماس" في تصريحات أدلوا بها أخيرا، عن رفضهم لأي قوات دولية أجنبية قد تكون مهمتها العمل على نزع السلاح أو فرض الوصاية الغربية، مطالبين أن تكون مهمة عمل القوات التي سيتم إرسالها بعد الإعلان الأميركي، مُحددة بتثبيت وقف إطلاق النار والعمل على منع الاشتباك والهجوم العسكري، حيث لا يزال موضوع القوات الدولية محل نقاش في ظل عدم موافقة إسرائيل على مشاركة القوات التركية التي أبدت استعدادها للمشاركة، كما لا يزال من غير الواضح نقاط تمركز تلك القوات وحدود عملها على الأرض، وهي نقطة التحديات الثانية أمام تطبيق المرحلة الثانية.

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقف أمام لافتة في قمة قادة العالم لإنهاء حرب غزة، في شرم الشيخ، مصر، 13 أكتوبر 2025

ويتوقع الفلسطينيون في غزة، أن يتراجع الجيش الإسرائيلي وينسحب من الكثير من المناطق التي لا تزال تحت سيطرته، وذلك عقب الإعلان الأميركي المنتظر. ممدوح محيسن (61 عاما)، من سكان شرق مدينة غزة ونازح مع عائلته غرب المدينة، لا يزال منزله يقع ضمن السيطرة الإسرائيلية، ولديه أمل بالعودة قريبا، يقول لـ"المجلة": "مستني المرحلة الثانية، بيتي قريب من الخط الأصفر من الناحية الشرقية والمفروض الانسحاب القادم أقدر أرجع على بيتي المدمر من الحرب".

محيسن وعشرات المواطنين، النازحين قسرا، لم يذكرهم أحد في خطاباته وخططه، لم يأت أحد على ذكر السماح لهم بالعودة عقب الانسحاب، لكن تفكيرهم سمح لهم بهذا الاعتقاد دون الالتفات إلى نقاط ومنطقة تمركز القوات الدولية التي سيجري إرسالها وما إذا كانت من مهمتها السماح لهم بالعودة أم ستنتشر في مناطق الانسحاب واعتبار منازلهم وأحيائهم منطقة فاصلة عازلة بين الجيش الإسرائيلي والخط الأصفر الذي جرى تحديده بمكعبات إسرائيلية صفراء خلال الأسابيع الماضية.

لجنة التكنوقراط

تحل لجنة التكنوقراط محل الحكومة التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك بعدما رفضت إسرائيل عودة السلطة وتسلمها الحكم في غزة بشكل واضح وصريح، مع رفضها القاطع لاستمرار حكم "حماس" التي سيطرت على القطاع بقوة السلاح بعد اشتباكات مع الأجهزة الأمنية عام 2007 انتهى بسيطرتها على غزة. حيث من المفترض أن تتشكل اللجنة من فلسطينيين ستوكل إليهم مهمة إدارة القطاع الخدماتي، حيث جرى تداول بعض الأسماء لشخصيات فلسطينية قد ترأس اللجنة، أبرزها الناشط في المجال الحقوقي والإنساني والعمل المجتمعي ورئيس شبكة المنظمات الأهلية بقطاع غزة أمجد الشوا، إلا أنه قال لـ"المجلة": "لم تجر مناقشة الأمر معي وسمعت تداول اسمي عبرّ وسائل الإعلام فقط".

يرى الفلسطينيون أنّ المرحلة الأهم ضمن أولوياتهم، هي البدء في إعادة إعمار ما دمرته الحرب من منازل ومبان سكنية وقطاعات خدماتية

على ما يبدو، أنّ اللجنة التي من المفترض أن يُعلن عنها قريبا لتباشر مهامها الخدماتية، لم يتم تشكيلها بعد، فيما لا يزال الملف الأمني الفلسطيني الداخلي موضع خلاف، إذا ما كان سيتبع للجنة أم لأي جهة ثانية بسبب الرفض الإسرائيلي للأمر. لكن بعض التسريبات عبر وسائل الإعلام، تشير إلى أنّ دولا عربية وغربية، تعمل على تدريب قوات أمن فلسطينية ستكون مهمتها فرض الأمن داخل القطاع وبشكل تدريجي بمراقبة وإشراف أميركي-غربي-عربي، وبمتابعة من الحكومة الفلسطينية التي تأمل تمكينها من استعادة الحكم في قطاع غزة بشكل تدريجي إذا نفذت اشتراطات الدول المانحة التي طالبت بإصلاحات جوهرية في بُنية السلطة الفلسطينية.

إعادة الإعمار

تأتي خطوة البدء في إعادة الإعمار في آخر بنود الاتفاق وأقلها أهمية خلال المرحلة الحالية، حيث تنظر الدول المانحة والممولة إلى أنّ تكاليف إعادة الإعمار التي تحتاج مليارات الدولارات يجب أن يسبقها استقرار سياسي وأمني، ثم تتبعها إعادة تخطيط وتنظيف وفق ما تفرضه الرؤية الأمنية الإسرائيلية التي تهدف إلى تخفيض النمو الديموغرافي من خلال التهجير الطوعي للفلسطينيين من خلال إطالة أمد البيئة الطاردة للسكان لأطول فترة ممكنة. وتتحقق تلك الفكرة الإسرائيلية من خلال تحكمها في المعابر وما تسمح بدخوله من خيام لا تقي من حر الصيف ولا تصمد أمام العواصف والرياح الشديدة، مع منع دخول المعدات اللازمة لرفع الركام وفتح الشوارع ومنع دخول مواد البناء وغيرها من المستلزمات التي تُمكن الفلسطينيين في غزة من تهيئة مسكن مناسب.

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اجتماع متعدد الأطراف حول غزة، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك 23 سبتمبر 2025

ويرى الفلسطينيون أنّ المرحلة الأهم ضمن أولوياتهم، هي البدء في إعادة إعمار ما دمرته الحرب من منازل ومبان سكنية وقطاعات خدماتية مثل المستشفيات والمدارس والبنية التحتية بشبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي وشبكات الاتصالات. المواطن عيسى أبو لبن ( 44 عاما)، فقد منزله خلال الحرب، ويقيم نازحا في خيمة على شاطئ بحر مدينة غزة، يقول لـ"المجلة": "أنا ما بدي إشي غير بيتي يرجع ينبني بأسرع وقت، متنا من البرد والمرض".

لكن المواطن أبو علاء الدلو (64 عاما)، يقول: "أنا من عُشاق غزة وكنت ضد الهجرة والتهجير، ولكن اليوم بعد ما وصلنا إله من دمار أنا بطلب من ولادي يبحثوا عن فرصة إلهم ولعائلاتهم بالخارج، البلد رح تتعمّر لكن بدها سنين مش يوم ولا سنة ولا سنتين، لا، بدها سنين وهي بتاكل من أعمار ولادنا وأحفادنا بدون أي مقومات للحياة".

font change

مقالات ذات صلة