منذ ثلاثة أسابيع مضت، ينشغل الرأي العام في اليمن والمنطقة وحول العالم تقريبا باحتمال انفصال جنوب اليمن عن شماله بعد التحرك العسكري الأحادي الجانب، الذي قام به المجلس الانتقالي الجنوبي نحو محافظتي حضرموت والمهرة شرقي البلاد. وانهمك كثير من المحللين في وسائل الإعلام العربية والدولية في جدل واسع، وذلك لعرض تصوراتهم لمستقبل هذا البلد. واعتقد البعض عودة جنوبه إلى دولته السابقة وتغيرا جيوسياسيا كبيرا أصبحا قاب قوسين أو أدنى دون اعتبار للصعوبات الجمَّة التي تقف أمام حدوث أمر كهذا.
ثلاثة عقود ونيّف من عمر الوحدة لا تبدو مريحة ولا مُرضية لكثير من أبناء جنوب البلاد رغم ما تحقق لمناطقهم خلالها من مكاسب تنموية. هي ليست كذلك بالنسبة لكثيرين في الشمال يشكون فيها من التركيز على إعادة تأهيل الجنوب بعد الحقبتين الاستعمارية والاشتراكية، ومن إهمال مناطقهم وابتزاز إخوتهم الجنوبيين لهم تحت اسم ما أطلق عليه "القضية الجنوبية" حتى بعد أن أصبح معظم زمام أمور الحكومة الشرعية بأيدهم.
لا جدال اليوم في أن تحديات ضخمة تواجهها وحدة اليمن بفعل عوامل داخلية وخارجية متشابكة ومتداخلة تجعل من هذا المشهد فسيفساء هائلة من مشكلات سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها يصعب حلها أو تفكيكها دون توقف حالة اللا حرب واللا سلم التي يعيشها اليمن واستعادة دولته، وذلك قبل التفكير في مستقبله أو مصير هذا الجزء منه أو ذاك.
ودون شك فإن الصيغة القائمة للوحدة اليمنية تواجهها تحديات لتكون الحياة، أو أرضية لا يزال من الممكن البناء عليها لضمان استمرارها وديمومتها. فما هو حاصلٌ الآن من فوضى عسكرية وسياسية ومعاناة معيشية طاحنة يعد أسوأ من الانفصال الذي يعد من الناحية النظرية شبه قائم، لكنه من الناحية الواقعية يبدو غير ممكن بمجرد الإعلان عن البيان رقم 1 أو العشرين، ولا يشكل البديل الأمثل ولا الحل الوحيد لمعضلات اليمن المعقدة والمزمنة.
صورة بانورامية
عند النظر ولو بلمحة سريعة إلى التكوين الجغرافي والديموغرافي لليمن نجد أن الوحدة جرت بين شمال أقل مساحة من جنوبه لكن سكانه يمثلون كتلة بشرية يزيد قوامها على 30 مليون نسمة مقابل 5 ملايين نسمة لجنوبه، معظمها، في الشمال، قبَليٌ فقير ومسلح (60 مليون قطعة سلاح أي بمعدل قطعتين لكل فرد، وفق تقديرات في ثمانينات القرن الماضي)، وبمساحة زراعية أقل وموارد طبيعية متواضعة ويواجه احتياجات متزايدة لمجتمعه الأعلى خصوبة في عدد المواليد، وهذا فيما نجد الجنوب أوسع مساحة وأكثر موارد طبيعية لكنه أقل سكانا، خصوصا في المناطق الشرقية والوسطى منه.
غير أن المشكلة لم تكن في هذا التباين وانعدام التوازن بين الشمال والجنوب، قدر ما كانت في عدم القدرة على تحقيق التكامل بينهما جراء الحروب ودورات العنف والأزمات السياسية والاضطرابات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد خلال سنوات الوحدة الخمس والثلاثين، التي كان منجزها الوحيد هو استقرار نظام الحكم السياسي برغم كل ما رافقه من متاعب وإحباطات بدا أن الوحدة معها لم تكن بمستوى تطلعات اليمنيين وآمالهم فيها.
بسبب كل ذلك برزت مظلوميات و"حركات مطلبية" في شمال وجنوب البلاد وشرقها وغربها كانت بمثابة الدافع وراء اندلاع احتجاجات شعبية غاضبة خلال عام 2011 انتهت بانهيار النظام وتنحي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عن منصبه، ثم بسقوط الدولة على أيدي جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، واحتمال تفكك وحدة اليمن على يد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم أيضا من خارج البلاد.


