في لحظات الاختبارات الوطنية الكبرى، تصبح الأسئلة الأخلاقية أكثر حدة من البيانات السياسية. وفي السودان اليوم، وسط دخان الحرب الكثيف، يطلّ السؤال الأكثر جوهرية في كل نزاع مسلح ليصبح جوهر البحث عن مداخل لحلول الأزمة: سؤال حماية المدنيين من غوائل الحرب.
هذا السؤال، البسيط في ظاهره، هو في الحقيقة مفتاح الحل لكل ما يحدث. إذ إن الدافع الأساسي للمطالبة بإيقاف الحرب هي عواقبها الكارثية على السودانيين والتي حولت السودان إلى أكبر كارثة إنسانية في وقتنا المعاصر. حوالي 14 مليونا تشردوا من ديارهم داخل وخارج السودان، مئات الآلاف من القتلى الذين فقدوا حياتهم، وأرقام كارثية لضحايا العنف الجنسي والاغتصاب والتعذيب والاختفاء القسري بالإضافة إلى دمار غير مسبوق في البنية التحتية والمنشآت المدنية.
ولكن لا يمكن الحديث بشكل جاد وحقيقي عن حماية المدنيين ما لم نحدد الجهة التي تهددهم فعلياً وتحديد ممن ومن ماذا يجب حمايتهم، وما لم نعترف بأن بعض الأطراف التي ترفع شعار الحماية هي ذاتها مصدر الخطر. وبالرغم من أن البوصلة البسيطة لحركة المواطنين فراراً من مناطق سيطرة ميليشيا "الدعم السريع" إلى مناطق سيطرة الجيش الحكومي توفر إجابة مباشرة على هذا السوال، فإن خطاب الوسطاء في الأزمة السودانية لا يزال ملتبسا حول هذه القضية.


