لقاء ترمب - نتنياهو... أين يقف الرئيس الأميركي من حلفائه؟

بقاء الوضع الراهن في المنطقة على حاله من دون تغييرات كبيرة

رويترز
رويترز
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع في نادي مارالاغو التابع لترمب في بالم بيتش، فلوريدا، الولايات المتحدة، في 29 ديسمبر 2025

لقاء ترمب - نتنياهو... أين يقف الرئيس الأميركي من حلفائه؟

بالمقارنة مع لقاء دونالد ترمب-بنيامين نتنياهو أواخر سبتمبر/أيلول الماضي الذي كان مفصليا بين مرحلتين، لجهة انتهائه إلى موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي على خطة العشرين بندا الأميركية بشأن غزة، فإن لقاءهما أمس الاثنين في فلوريدا لم يكن على النحو ذاته، أي إنه لم يفصل بين مرحلتين مختلفتين تماما أو لم يضع أسسا مبدئية وعملية لمرحلة جديدة في المنطقة، بمقدار ما كان اللقاء، بحسب ما صدر خلاله من تصريحات، تحديدا من جانب الرئيس الأميركي، مناسبة لتجديد مواقف معلنة، خصوصا في ما يتعلق بسوريا وتركيا، وإلى حد أقل بغزة، وتحديثا لمواقف أخرى، ولاسيما في ما يتعلق بالملف النووي والصاروخي الإيراني.

على هذ النحو فإن اللقاء لم يخرج عن تقاليد اللقاءات بين حليفين تاريخيين لا يبدو أن تحالفهما سيتأثر جديا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية ولاسيما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وامتداداتها الإقليمية خلال السنتين الماضيتين. وهذا أمر لم يكن مطروحا أو متوقعا قبل اللقاء ولا بعده، ولكن السؤال عن مستقبل العلاقة بين ترمب ونتنياهو بعد وقف إطلاق النار في غزة وما بدا أنه تباين في قراءة كل منهما للتطورات في المنطقة ولمصالحهما فيها، جعل الانتباه مركزا بعض الشيء خلال اللقاء على التقاط أي إشارات لتباين حقيقي بين الرجلين وبين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، تباين من النوع الذي قد يؤسس لنمط جديد في العلاقة بين البلدين. وهو أمر أخذ مساحة من النقاش داخل إسرائيل بعد وقف إطلاق النار إلى حد استخدام بعض الأوساط تعبير "الوصاية الأميركية" على إسرائيل، كما خرجت مواقف عديدة من قبل شخصيات مؤثرة في دائرة ترمب وداخل حركة "ماغا" تسائل الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل، بما في ذلك جر إسرائيل لأميركا لحرب ضد إيران.

إذا كان من فارق أساسي بين لقاءي سبتمبر وديسمبر بين ترمب ونتنياهو فهو عند هذه النقطة تحديدا، أي حول سؤال أين يقف ترمب من حلفائه في المنطقة

لقاء فلوريدا لم يقدم أي إشارة أو جواب عن هذا السؤال، وهو أيضا أمر متوقع، ولكن ذلك لا يعني أن هذا السؤال أصبح وراءنا وأن العلاقة بين البلدين لن تكون في المرحلة المقبلة عنوانا لتساؤلات كثيرة وربما لمتغيرات "موضعية" معينة، وإن كان اللقاء قد حسم إلى حد بعيد السؤال عن طبيعة العلاقة بين ترمب ونتنياهو التي يبدو أنها لم تتأثر سلبا بتطورات الأشهر الثلاثة الماضية منذ آخر لقاء بينهما في سبتمبر الماضي. لكن في المقابل فإن المستوى الشخصي في العلاقة والذي قد يأخذ معنى مضاعفا بالنسبة لرئيس مثل ترمب، لا يلغي أن ثمة تباينات في مقاربة الرجلين للملفات المطروحة بدءا من غزة ووصولا إلى سوريا وتركيا، وربما لبنان، وبدرجة أقل إيران. وإن كانت مسألة "استبدال" نتنياهو التي طرحت حولها علامات استفهام غداة إعلان وقف إطلاق النار في غزة قد بدت مؤجلة أو مستبعدة، ولاسيما أن الإدارة الأميركية لا تجد بديلا جاهزا عنه الآن، كما أن الحساسية الإقليمية من "بيبي" والتي عبر عنها بصورة واضحة ملك الأردن عبدالله الثاني لا يبدو أنها وصلت إلى مرحلة قد تدفع ترمب لإعادة النظر بتأييده له، أقله في المرحلة الحالية، وما دام وجوده لا يؤثر على الاستراتيجية الإقليمية لواشنطن، أو أن المرحلة النهائية لرسم خرائط النفوذ والمصالح في المنطقة لم تحن بعد. وبالتالي فإن مطلب إزاحة نتنياهو من المشهد لم يصبح مطلبا ملحا أو ضروريا للانتقال إلى مرحلة جديدة. وهو أمر يتوقف أيضا على قدرة الأطراف الإقليمية على المناورة والضغط على واشنطن، كما يتوقف أيضا على قدرة واشنطن على الموازنة بين مطالب حلفائها الإقليميين وترتيب أولوياتهم وفق مصالحها.

بمفردات أخرى، فإن اللقاء لم ينف التسريبات السابقة عليه عن اختلاف في الأولويات الإسرائيلية والأميركية في غزة وعلى مستوى المنطقة ككل، وإن كان ترمب قد أشاد بنتنياهو وقال إن إسرائيل متلزمة مئة في المئة باتفاق وقف إطلاق النار، بينما شكك في التزام الأطراف الأخرى، لكنه في الوقت نفسه أشاد بدور تركيا وبالرئيس رجب طيب أردوغان خصوصا في الإطاحة بنظام بشار الأسد، وبدا أنه لا يزال يؤيد دوراً تركياً في غزة في وقت أن إسرائيل تقود مواجهة استراتيجية مع تركيا بدءا من سوريا مرورا بشرق البحر الأبيض المتوسط وصولا إلى القرن الأفريقي. وهذا ليس تفصيلا عابرا في لقاء الرجلين ولا في السياسات والأولويات الأميركية والإسرائيلية إزاء ملفات المنطقة. وإذا كان من فارق أساسي بين لقاءي سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول بين ترمب ونتنياهو فهو عند هذه النقطة تحديدا، أي حول سؤال أين يقف ترمب من حلفائه في المنطقة، في ظل التنافس الجيوسياسي غير المسبوق بين الدول الإقليمية من سوريا إلى اليمن إلى البحر الأبيض المتوسط إلى سواحل البحر الأحمر؟

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلتقيان في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، 25 سبتمبر 2025.

وإذا كان لقاء فلوريدا هو بمثابة تقييم أميركي وإسرائيلي للمرحلة الماضية بعد نحو ثلاثة أشهر على وقف إطلاق النار في غزة، فإنه يمكن القول إن الملف الذي يشهد أقل مساحة تباين بين أميركا وإسرائيل الآن هو الملف الإيراني، خصوصا بعد تهديد ترمب لإيران بتوجيه ضربات جديدة لها في حال "أُثبت" أنها في صدد إعادة بناء قدراتها النووية، أما بشأن برنامجها الصاروخي فبدا ترمب أقل حماسة من نتنياهو لجعله أولوية تعادل أولوية محاصرة البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ في الاعتبار أن كل تصريحات ترمب بشأن إيران، بين التهديد والسعي إلى صفقة، تؤكد الغموض الذي يكتنف التعامل الأميركي مع الملف الإيراني حاليا. وإذا كان ترمب قد بدا فخورا مرة جديدة بـ"إنجازاته" في إيران، فإن الأهم أنه ربط بين الضربات الأميركية ضدها وبين "السلام" في الشرق الأوسط، وهذه صيغة من صيغ ترمب للتأكيد على أهمية "السلام" في المنطقة بالنسبة إليه بوصفه أولوية له ولإدارته والأهم بوصفه إنجازا شخصيا على طريق "نوبل للسلام".

ثمة تباين بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية كما سرب سابقا، ولاسيما بعد كلام ترمب عن أن إعادة الإعمار "التي ستبدأ قريبا" غير مشروطة بالنزع الكامل لأسلحة "حماس"

بمفردات أخرى، فإن الرئيس الأميركي لا يزال يتمسك بإنجاز وقف الحرب في غزة، ولا يبدي أي حماسة أو رغبة في استئنافها أو "السماح" لإسرائيل بتصعيد متراكم، ولكنه من جانب آخر لا يمانع وتيرة القصف والقضم الإسرائيلية "المسقوفة" حاليا شريطة أن لا تؤدي إلى انهيار الاتفاق، لكن ماذا عن الانتقال إلى المرحلة الثانية منه؟ هنا أيضا يبدو أن ثمة تباين بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية كما سرب سابقا، ولاسيما بعد كلام ترمب عن أن إعادة الإعمار "التي ستبدأ قريبا" غير مشروطة بالنزع الكامل لأسلحة "حماس"، وهذه نقطة حساسة جدا لنتنياهو الذي يتعرض لضغوط ضمن معسكره اليميني تمنعه من تقديم أي تنازلات أمام الإدارة الأميركية، وهو ما جُرّب خلال اليومين الماضيين في ما يخص إعادة فتح معبر رفح كأحد عنواني المرحلة الثانية من الاتفاق، فبعدما ألمح نتنياهو إلى إمكان فتحه عاد وتراجع أمام ضغوط سموتريتش وبن غفير، علما أن ذلك كله قد يكون من ضمن مناورة عشية لقاء فلوريدا، خصوصا أن تعليمات كانت صدرت للجيش الإسرائيلي بالتهدئة في غزة عشية اللقاء أيضا. لكن ترمب وإن كان قد بدا "إيجابيا" بعض الشيء مع "حماس" التي تداري الموقف الأميركي جيدا حاليا، فهو "أمهلها لنزع سلاحها، وإن لم يحدد جدولا زمنيا واضحا وترك الأمر مفتوحا على التأويل، وهذا قد يرضي نتنياهو ومعسكره إلى حد ما.

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، واشنطن في 10 نوفمبر 2025

وبالعودة إلى نقطة التنافس الإقليمي الشرس الجاري حاليا، ولو أن محاور هذا التنافس لم تكتمل بعد ولاسيما لجهة التحالفات المحتملة والممكنة إزاء الحديث المتزايد عن التقاطعات الإسرائيلية–الإماراتية في ظل "اتفاقات إبراهام" والتحالف بين اليونان وقبرص وإسرائيل، وهو ما يطرح سؤالا عما إذا كانت الدول المتضررة من هذه التقاطعات والتحالفات قد تبادر إلى بناء تقاطعات وتحالفات مضادة، وهذا يشمل السعودية وتركيا ومصر، في وقت أن موقف باكستان يبدو محرجا في ظل مصالحها المشتركة مع أكثر من طرف، لكن على أي حال فإن التطورات في اليمن وفي القرن الأفريقي أصبحت جزءا رئيسا من المشهد الإقليمي الأوسع ومن خريطة التنافس الإقليمي ولم يعد ممكنا فصلها عما يحصل في الشرق الأوسط وبصورة أكثر تحديدا في المشرق العربي، ولاسيما في سوريا حيث التنافس التركي-الإسرائيلي على أشده، وهو ملف ملتهب بين يدي الإدارة الأميركية وترمب شخصيا الذي يفاخر بصداقته مع كل من نتنياهو وأردوغان العدوين اللدودين حاليا. فهل يكفي تأكيد ترمب مرة تلو المرة أن الأمور بين تركيا وإسرائيل ستسير على ما يرام في سوريا ليحصل ذلك حقا؟ وما الموقف الأميركي من توسع الصراع بين الدولتين إلى الصومال وأرض الصومال والقرن الأفريقي عموما، علما أن المندوبة الأميركية في مجلس الأمن كانت قد أيدت، الاثنين، اعتراف إسرائيل بـ"أرض الصومال"، وهو ما يجعل الموقف الأميركي منحازا حكما لإسرائيل في القرن الأفريقي، وربما في اليمن أيضا!

لا يمكن بسهولة توقع أن تحصل مقايضات بين واشنطن وإسرائيل في ما يخص ملفات المنطقة، أي أن تقايض واشنطن إسرائيل بين التهدئة في سوريا والتصعيد في لبنان

وما قاله ترمب عن تركيا وإسرائيل قاله أيضا عن سوريا وإسرائيل على أساس أن العلاقات بين البلدين ستسير كما هو مخطط لها أميركياً، في وقت بدا جليا من تصريحات نتنياهو في فلوريدا أن التعامل الإسرائيلي مع الملف السوري واللبناني هو تعامل أمني بحت، إذ أعاد التأكيد على أمن الحدود وحماية الأقليات، تحديدا الدروز والمسيحيين، في وقت أن الإدارة الأميركية تقارب الملفين مقاربة سياسية في الغالب الأعم. ففي سوريا تواصل واشنطن دعم حكم الرئيس أحمد الشرع، وهو ما عبر عنه ترمب، الاثنين، من خلال الإشادة به، آخذا في الاعتبار طبعا أنه عنوان رئيس لتقاطع عربي-تركي حوله لا يمكن للرئيس الأميركي تجاهله من ضمن الحسابات الأميركية للمنطقة. وفي لبنان فإن واشنطن تدعم أكثر فأكثر لجنة "الميكانيزم" التي تراقب وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، ولاسيما بعد تطعيمها بمفاوضين سياسيين من جانب كل من إسرائيل ولبنان، لكن لبنان يبقى "خاصرة رخوة"، بمعنى أنه الأقل تمتعا بمظلة حماية إقليمية ودولية مقارنة بسوريا وحتى بغزة، ولكن هذا لا يعني أن الرغبة الإسرائيلية بالتصعيد ضد "حزب الله" في حال وجدت ستلقى آذانا مصغية أميركية، لأن الحسابات الأميركية في لبنان تقتضي دعم رئيسي الجمهورية والحكومة الحاليين اللذين انتخبا بدعم من واشنطن، ولا يبدو حتى الآن أنه طرأ ما يبدد هذا الدعم خصوصا أن واشنطن بدت متفهمة، وهو ما كرره ترمب، لحدود قدرة الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني المدعوم من قبلها على "معالجة" مسألة سلاح "حزب الله"، مع أن كلام ترمب عن أن "حزب الله" يتصرف بشكل سيئ يبقي الضوء الأخضر الأميركي لتصعيد إسرائيلي ضده على الطاولة.

ما يجدر التوقف عنده هنا أنه لا يمكن بسهولة توقع أن تحصل مقايضات بين واشنطن وإسرائيل في ما يخص ملفات المنطقة، أي أن تقايض واشنطن إسرائيل بين التهدئة في سوريا والتصعيد في لبنان، فهذه فكرة رائجة ولكنها غير دقيقة تماما بالشكل الذي تقدم فيه، بالنظر إلى خصوصية كل ملف ومصالح أميركا فيه من ضمن ترابط مصالحها الإقليمية والتي لا يمكن تفكيكها عن بعضها البعض، وإن كان لا يمكن التقليل من هامش المناورة الإسرائيلية وقدرة تل أبيب على فرض بعض الأمر الواقع في ساحات هشة لا تمتلك الإدارة الأميركية سياسة حازمة إزاءها، ولكن في المجمل فإن لقاء فلوريدا الذي لا يمكن وصفه بالمفصلي ولا بالتاريخي طبعا، هو إعلان ببقاء الوضع الراهن في المنطقة على حاله من دون تغييرات كبيرة، وهذا ربما يرضي نتنياهو الذي يواصل شراء الوقت مع الإدارة الأميركية، ويرضي أيضا ترمب الذي لا يستطيع لوحده أن ينفذ كل ما وعد به في غزة والمنطقة، وبالتالي فإن حالة اللاحرب واللاسلم الراهنة تريحه نوعا ما وتحرره أيضا من التزاماته المفرطة!

font change