اتفاق الصيد البحري... ورقة الرباط أمام أوروبا

هي المرة الأولى التي يكون فيها المغرب والصيد البحري جزءا من الانتخابات الإسبانية

Shutterstock_Al Majalla
Shutterstock_Al Majalla

اتفاق الصيد البحري... ورقة الرباط أمام أوروبا

عادت عشرات بواخر الصيد الأوروبية إلى موانئها الأصلية ليلة 18 يوليو/تموز، عقب انتهاء العمل وفق بروتوكول الصيد مع المغرب، الممتد منذ عام 2019، وكان يسمح بموجبه لـ 128 سفينة تنتمي إلى 11 دولة أوروبية بممارسة أنشطة صيد وتصدير منتجات البحر داخل المحيط الأطلسي بطول 3000 كيلومتر.

اعتُبر هذا التوقيت غير مناسب لإسبانيا التي تملك نحو 70 في المئة من الأسطول الأوروبي، حيث أصبح في حالة بطالة مفتوحة في انتظار تجديد الاتفاق مع الرباط. وتسابق مدريد- التي ترأس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية السنة الجارية- الزمن، لتقريب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، بغية التوصل إلى صيغة ترضي الطرفين، وتُعجل بعودة سفنها إلى المياه المغربية حتى لا تطول فترة الانتظار، وترتفع كلفة تعويض الصيادين وعائلاتهم، خصوصا في إقليم الأندلس الذي كان يملك نحو 93 باخرة تحقق عائدات مهمة من نشاطها البحري في المغرب.

وغدت هذه البواخر في وضع اجتماعي يقلق الحكومة الاشتراكية، في وقت تعيش فيه البلاد فترة انتخابات برلمانية قد تغير تشكيلة الحكومة الحالية التي تحظى بدعم سياسي من الرباط وتتفهم مطالبها.

وضع المغرب شروطا جديدة اعتبرتها أطراف أوروبية، غير معنية مباشرة بتجديد الاتفاق، منها تشديد المراقبة بالأقمار الصناعية على نشاط السفن لحماية الأحياء المائية البحرية من الاستنزاف وتحسين ظروف البحارة المغاربة العاملين على متن البواخر الأوروبية، وتحقيق فائض قيمة أكبر للاقتصاد الأزرق في مناطق التفريغ، وإعادة النظر في قيمة التعويضات التي بلغت 208 ملايين يورو في الاتفاق السابق. هذا بالإضافة إلى الاعتراف الرسمي بسيادة المملكة على المنطقة الاقتصادية الخالصة جنوبي البلاد التي تمتد بعرض 250 ميلا بحريا، طبقا للقانون الدولي للبحار عام 1982.

تسابق مدريد الزمن، لتقريب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، بغية التوصل إلى صيغة ترضي الطرفين، وتُعجل بعودة سفنها إلى المياه المغربية

ولا يبدو المغرب متعجلا توقيع بروتوكول جديد للصيد البحري لأسباب مختلفة، منها انتظار ما ستعلنه الحكومة المقبلة في مدريد من نيات للتعاون مع الرباط في القضايا الاستراتجية الموقعة مع حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية، مستندا على عدم رضا المواطنين على  شروط الاتفاق السابق الذي اعتبر مُجحفا، وأضر بمصايد كانت غنية بالأسماك. 

لا بديل عن اتفاق جديد

بحسب وزير الزراعة والصيد البحري الإسباني، لويس بلاناس، فإن "تجديد اتفاق الصيد البحري حيوي للاقتصاد الإسباني. إنها مسألة تهم إسبانيا بدرجة عالية، وهي أقرب بلد أوروبي إلى أفريقيا، والأقدم في مجال الصيد البحري في المنطقة، وأي إخفاق في المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، ستكون له عواقب اقتصادية وخيمة على إسبانيا". 

Shutterstock

وينتظر المتضررون من انتهاء الاتفاق السابق نشر أسمائهم في الجريدة الرسمية الإسبانية (Boletín Oficial del Estado – BOE)، للاستفادة من التعويضات. وتساهم موازنة الاتحاد بـ 50 في المئة عبر الصندوق البحري لمصايد الأسماك (European Maritime and Fisheries Fund – EMFF)، في حين لا يمكن توقع متى سيتم التوصل إلى توقيع اتفاق جديد وآجاله، مما سيزيد في معاناة صيادي الأندلس الأكثر حضورا في المصايد المغربية.

وتضغط جمعيات الصيادين على الحكومة الإسبانية لدفع الأوروبيين إلى تجديد الاتفاق مع الرباط، وينتظر أن تدخل النقابات العمالية على خط الأزمة في جنوب إسبانيا حيث تم إحصاء 5000 عائلة متضررة بشكل مباشر جنوبي البلاد، تعيش من الصيد المغربي.  

وقالت الفيدرالية الإسبانية للصيد (CEPESCA) إن "اتفاق صيد دائم بين المغرب والاتحاد الأوروبي يكتسي أهمية تاريخية لإسبانيا، لأنه يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، ومنذ انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 1986، أصبح البروتوكول يوقع باسم المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وأي توقف للأسطول الإسباني في المغرب ستكون له تداعيات سلبية للشركات والبحارة في أقاليم الأندلس وغاليسيا وجزر الكناري تقدر بنحو أربعة ملايين يورو شهريا".

تفاؤل أوروبي 

عبر الاتحاد الأوروبي عن رغبته في تجديد الاتفاق مع المغرب بعد اجتماع اللجنة المشتركة للصيد في بروكسل منتصف شهر يوليو/تموز الحالي، واصفا إياه بـ"الشراكة الشاملة متبادلة المنافع"، في إشارة إلى حرص الاتحاد على إقناع بعض الأعضاء المتحفظين في قبول شروط المغرب الجديدة لإبرام اتفاق جديد. 

يقدر حجم سوق الأسماك في الاتحاد الأوروبي بأكثر من 50 مليار دولار سنويا، وهو الأكبر في العالم، بفعل الاستهلاك الكبير لمنتجات البحر لدى المواطن الأوروبي، والذي يزيد على 4 كيلوغرامات للفرد سنويا عن المعدل العالمي المقدر بـ20 كيلوغراما

ويلاحظ أن هناك تباعدا في المصالح الأوروبية بين المتوسطيين والاسكندنافيين حول موضوع الصيد خارج مياه الاتحاد، حيث تؤيد 20 دولة تجديد الاتفاق من أصل 27. وتفضل دول الشمال، الأقل حضورا في المتوسط، انتظار قرار محكمة العدل الأوروبية حول مدى استفادة السكان الأصليين من عائدات الاتفاق، بعد استئناف المفوضية الأوروبية الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية في سبتمبر/أيلول 2021 بطلب من إسبانيا، والقاضي بإلغاء هذا الاتفاق بسبب النزاع حول الصحراء الغربية الغنية مياهها بالسمك.

ويخصص المغرب تعويضات الصيد لتطوير قرى الصيادين في الجنوب، وتحسين ظروف عملهم وتمويل شبكة التبريد للمحافظة على جودة الأسماك عبر برنامج "هاليوتس" الذي يهدف لتطوير قطاع الصيد البحري المغربي ودعم تنافسيته. 

وتعتبر الرباط  تعويضات الاتحاد الأوروبي زهيدة، لكنها تتغاضى عن قيمتها للإبقاء على شراكة في مجموع القطاع وتنمية البحث العلمي، علما أن جهات أوروبية تعادي المصالح المغربية وتفتعل قضايا هامشية لابتزاز الرباط وإخضاعها لشروطها. 

أ.ف.ب.
قارب صيد في ميناء مدينة العيون الرئيسية بالصحراء الغربية الخاضعة للسيطرة المغربية

ومن المستبعد صدور أي قرار من المحكمة الأوروبية  قبل عام 2024، ما يعني أن الأزمة ستطول عند البحارة الإسبان الذين يتهمون بروكسل بالبيروقراطية التي تتجاهل مصالح عمال البحر. وعلى الرغم من التراشق الإعلامي والخلاف الايديولوجي بين الحزبين الكبيرين، الاشتراكي العمالي الحاكم والحزب الشعبي اليميني المعارض، فهما يتفقان معا على أهمية الإسراع في تجديد اتفاق الصيد مع الرباط لمساعدة آلاف العائلات المتضررة.

وهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها المغرب والصيد البحري جزءا من الانتخابات الإسبانية، التي ظهرت فيها مواقف ودية وأخرى عدائية من مرشحي أقصى اليسار وأقصى اليمين. ولكل طرف أسبابه ومعظم تلك الأحزاب تعادي المهاجرين من دول الجنوب، وتتخوف من تفوق مغربي اقتصادي وجيوساسي على المدى المتوسط، قد يدفع المغرب لأن يستغل موقعه الاستراتيجي ليفرض مزيدا من الشروط على الضفة الشمالية للبحر المتوسط. 

سوق السمك 

يقدر حجم سوق الأسماك في الاتحاد الأوروبي بأكثر من 50 مليار دولار سنويا، وهو الأكبر في العالم، بفعل الاستهلاك الكبير لمنتجات البحر لدى المواطن الأوروبي، والذي يزيد على 4 كيلوغرامات للفرد سنويا عن المعدل العالمي المقدر بـ20 كيلوغراما. ويصل الاستهلاك إلى 56 كيلوغراما في البرتغال و46 كيلوغراما في إسبانيا، بينما لا يتجاوز 13 كيلوغراما للفرد في المغرب، بسبب ضعف شبكة التبريد في المناطق  البعيدة عن المدن الساحلية.

تتوقع "الفاو" أن يزداد الطلب على استهلاك الأسماك وثمار البحر في الدول المتقدمة في السنوات المقبلة، وأن يحتاج العالم إلى توفير 203 ملايين طن في أفق 2031

وينتقد سكان المغرب اتفاقات الصيد المتكررة مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 1988، ويعتبرونها سياسية أكثر منها اقتصادية، ولا تساهم في خفض أسعار الأسماك التي تكاد تكون حكرا على الفئات الأكثر إنفاقا، خصوصا السكان الموجودين قرب موانئ التفريغ البحرية الأطلسية أو خدمات المطاعم والفنادق السياحية. وتُتهم بواخر الصيد الأجنبية باستنزاف المخزون الطبيعي من الأسماك التقليدية عبر استعمال شباك محرمة بيئيا، كما يتم بيع المحصول في البحر وتحويل قيمته إلى حسابات في مصارف أوروبية من دون دفع ضرائب.

تنوع الشركاء

يعتبر المغرب الأول عربيا وأفريقيا في إنتاج منتجات البحر وتصديرها بنحو 1,5 مليون طن، بلغت قيمتها 3 مليارات دولار عام 2022. وتسعى دول كبيرة عدة للتقرب من المغرب لأجل  البحر والسمك، وتلك قصة قديمة عمرها عقود طويلة، إذ وقعت الرباط  اتفاقات صيد مع الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا ومؤخرا إسرائيل، وكلها لا تنازع المغرب في حقوقه البحرية ومياهه الدولية الواقعة بين قارتي أوروبا وأفريقيا، وهي تستفيد من ثروة سمكية مجاورة وعالية الجودة. هذا ما تنبه إليه حكومة مدريد الاشتراكية خصومها السياسيين من أن للتقرب من الرباط منافع اقتصادية لإسبانيا لا يتحمل الأسطول البحري إغفالها أو تعويضها في أي مكان آخر. 

على مدى الستين سنة الأخيرة، تضاعف استهلاك العالم من الأسماك، وانتقل من 10 كيلوغرامات للفرد سنويا عام 1961، إلى 20 كيلوغراما في عام 2020، كما تضاعفت الأسعار وأصبحت الأسماك غذاء الأثرياء. لكن هذا التطور الغذائي استفادت منه أساسا الدول الغنية، حيث بلغ استهلاك الفرد في اليابان 49 كيلوغراما، ووصل إلى 56,8 كيلوغراما في البرتغال، و22,7 كيلوغراما في أميركا، و21 كيلوغراما في أوروبا و39 كيلوغراما في الصين، ولم تتجاوز 10 كيلوغرامات في القارة الأفريقية، بحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO). 

وتوقعت المنظمة أن يزداد الطلب على استهلاك الأسماك وثمار البحر في الدول المتقدمة في السنوات المقبلة، وأن يحتاج العالم إلى توفير 203 ملايين طن في أفق 2031، ما قد يتسبب في استنزاف ثروات الدول النامية البحرية من خلال الضغط عليها عبر شركات الصيد الكبرى العابرة للقارات. كما تفاقم التغيرات المناخية وارتفاع مستوى البحار وحرارة المحيطات من خطر اندثار أصناف من الأسماك، يقدرها العلماء بنحو ألفي صنف. مما قد يطرح أزمة غذاء حادة في الدول النامية خلال السنوات المقبلة، على غرار أزمة إمدادات الحبوب في الحرب الروسية الأوكرانية.

font change

مقالات ذات صلة