قصف غزة يولد غليانا في تركيا

Michelle Thompson
Michelle Thompson

قصف غزة يولد غليانا في تركيا

عُرضت لافتة تحمل عبارة "إسرائيل قاتلة الأطفال" عبر الشارع من مقهى مركزي في إسطنبول، حيث تجمع عدد من الرجال الأتراك من مختلف الأعمار، يرتشفون أكواب الشاي

وأثارت التقارير الأولية عن مقتل "مئات" الفلسطينيين مساء يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، في ما بدا أنه الهجوم الأخير على مستشفى "المعمداني" في غزة، ضجة كبيرة في شوارع تركيا، التي طالما كانت متعاطفة مع القضية الفلسطينية. ووصف سكان المدينة الأكثر عالمية في تركيا الحادث بأنه "إبادة جماعية"، و"مذبحة"، مع غمرة التقارير العاطفية ومقاطع الفيديو للقتلى على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأصدر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بيانا فور صدور الأخبار، حذر فيه من أن "جميع الإسرائيليين المقيمين في تركيا يجب أن يغادروا في أسرع وقت ممكن"، وذلك بسبب "استمرار تفاقم التهديدات الإرهابية ضد الإسرائيليين في الخارج".

وفي غضون ساعات، تجمع آلاف المواطنين الأتراك، إلى جانب أعضاء من الجالية العربية الكبيرة في المدينة، خارج المبنى الذي يضم القنصلية الإسرائيلية في جزء آخر من إسطنبول. وأطلقت الألعاب النارية، مما أثار لدى البعض صدى لأصوات الحرب في أماكن أخرى. وحمل بعض المتظاهرين الأعلام الفلسطينية وتجمعوا سلميا، في حين حاول آخرون، يحدوهم الغضب، اقتحام صف من شرطة مكافحة الشغب التركية التي كانت تحمي القنصلية.

وفي خطوة مهمة، أصدرت الأحزاب السياسية في البرلمان التركي بيانا مشتركا يدين إسرائيل لاستهدافها المستشفيات في غزة، بينما أصدر مكتب حاكم إسطنبول بيانا في اليوم التالي بشأن الاحتجاج أمام القنصلية الإسرائيلية. وأفاد بأن ما يقرب من 80 ألف متظاهر شاركوا، معربا عن أسفه لوفاة أحد المتظاهرين بسبب نوبة قلبية، وإصابة 63 شخصا، بينهم 43 ضابط شرطة. كما ذكر البيان اعتقال خمسة أفراد لمحاولتهم اختراق حاجز أمني، ودعا المتظاهرين إلى تجنب الأعمال التي قد تؤدي إلى أضرار لا يمكن إصلاحها.

تراشق الاتهامات حول المسؤولية

ادعى مسؤولو "حماس" في غزة أن إسرائيل هي التي هاجمت مستشفى "المعمداني"، في حين زعمت إسرائيل أن الانفجار ناتج عن صاروخ أخفق في بلوغ هدفه بعد أن أطلقته جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المسلحة. و"حركة الجهاد الإسلامي" هي ثاني أكبر جماعة مسلحة في قطاع غزة بعد حماس. وفيما تعتبر الولايات المتحدة كلا المجموعتين منظمتين إرهابيتين تدعم إيران كلا التنظيمين بالمال والعتاد.

وكان مستشفى غزة هو المكان الذي لجأ إليه كثير من الأشخاص الذين فروا من مناطق أخرى خلال الأيام العشرة السابقة من القتال الدائر، بعد أن أنذرت إسرائيل سكان الجزء الشمالي من القطاع بضرورة المغادرة قبل وقوع الحدث الذي يتوقع كثيرون أن يبدأ بالمزيد من الغارات الجوية المدمرة، يتلوه غزو بري محتمل.

ولا يُسمح حاليا للصحافيين الأجانب بالدخول إلى قطاع غزة، الذي تتحكم إسرائيل ومصر بإمكان الوصول إليه، ولذلك فإن من الصعوبة بمكان الحصول على أخبار دقيقة من المنطقة، بينما تستغرق محاولة التحقق منها وقتا طويلا. وفي الوقت نفسه فإن جميع أطراف الصراع الدائر حاليا تستخدم، ومنذ زمن طويل، حرب المعلومات، والمعلومات المضللة.

وفي صباح يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول، زعم كثير من خبراء مصادر الاستخبارات المفتوحة، وخبراء الذخائر على وسائل التواصل الاجتماعي أن الصور التي التُقطت لموقع الضربة المزعومة لا تبدو متسقة مع ضربة جوية أو مع عدد القتلى المبلغ عنه، والتي تُشير ضمنا إلى أنها ربما ضُخمت. وتُظهر لقطات الفيديو، والصور مقتل عشرات الأشخاص على الأقل.

في خطوة مهمة، أصدرت الأحزاب السياسية في البرلمان التركي بيانا مشتركا يدين إسرائيل لاستهدافها المستشفيات في غزة، بينما أصدر مكتب حاكم إسطنبول بيانا بشأن الاحتجاج أمام القنصلية الإسرائيلية

وفي صباح يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول، زعم كثير من خبراء مصادر الاستخبارات، وخبراء الذخائر على وسائل التواصل الاجتماعي أن الصور التي التُقطت لموقع الضربة المزعومة لا تبدو متسقة مع ضربة جوية أو مع عدد القتلى المبلغ عنه، والتي تُشير ضمنا إلى أنها ربما ضُخمت. وتُظهر لقطات الفيديو، والصور مقتل عشرات الأشخاص على الأقل.

AP
تجمع امام القنصلية الاسرائيلية في اسطنبول تنديدا بالقصف على غزة في 18 اكتوبر

وقد ضربت الغارات الجوية الإسرائيلية مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة مرات عديدة في الماضي، سواء في الصراع الحالي، أو في السنوات الأخيرة. وأمرت بإخلاء مرافق الرعاية الصحية المكتظة الواقعة في الجزء الشمالي من القطاع في الأيام الأخيرة، على الرغم من عدم وجود مكان واضح للمرضى أو النازحين للذهاب إليه، أو حتى عدم توفر الإمدادات الأساسية المتاحة لتوفير العلاج لآلاف الجرحى في الأيام الأخيرة بسبب الهجمات الإسرائيلية.

وتنص المادة 19 من اتفاقات جنيف على أنه "لا يجوز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية إلا إذا استخدمت، خروجا على واجباتها الإنسانية، في القيام بأعمال تضر العدو..".

الأتراك المناهضون للفلسطينيين يغيرون موقفهم


يبدو أن مواطني تركيا وسكانها القاطنين فيها منذ أمد طويل متفقون إلى حد كبير على دعمهم للمدنيين الفلسطينيين الواقعين تحت القصف الإسرائيلي، ولا يرون أن قتلَ "حماس" والفصائل المسلحة المرتبطة بها لأكثر من ألف إسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول مبررٌ كاف لهجوم ضخم كهذا الذي شاهدناه في الأيام الأخيرة.

تقع القنصلية الإسرائيلية التي حاول المتظاهرون اقتحامها في 17 أكتوبر/تشرين الأول في منطقة ليفنت بإسطنبول المشهورة بمبانيها الشاهقة، ومراكز التسوق الكبيرة التي تشبه المتاهة، والتي تضم متاجر فاخرة، وصالات رياضية، ومقاهي ستاربكس المزدحمة، علاوة على كثير من القنصليات الأخرى، ومن ضمنها بعض القنصليات الموجودة في الشوارع الجانبية التي تحف بها الأشجار.

على الجانب الآخر من المدينة الصاخبة، في شارع قريب من لافتة "إسرائيل قاتلة الأطفال"، بين منطقة توفاني التي يرتادها السياح ومنطقة جيهانغير العصرية، تم عرض علم فلسطيني كبير بشكل بارز فوق 
شارع رئيس لعدة أيام. وكلاهما يقع على بعد دقائق قليلة فقط من ميناء غَلَاطة، حيث ترسو السفن السياحية التي تحمل السياح الاجانب.

مستشفى غزة هو المكان الذي لجأ إليه كثير من الأشخاص الذين فروا من مناطق أخرى خلال الأيام العشرة السابقة من القتال الدائر، بعد أن أنذرت إسرائيل سكان الجزء الشمالي من القطاع بضرورة المغادرة

وبعد بدء الأعمال العدائية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، إثر التوغل الضخم الذي نفذته حماس داخل الأراضي الإسرائيلية، والذي خلف أكثر من ألف قتيل، وفي إثر الغارات الجوية الإسرائيلية التي أدت في الأيام اللاحقة إلى مقتل الآلاف في قطاع غزة، نُظمت مظاهرةٌ مساء في حي الفاتح بإسطنبول، الذي تحول إلى حي محافظ في السنوات الأخيرة والمليء بالسكان السوريين.
وفي تلك الليلة، سارت نساء منتقبات يرتدين عصابات رأس إسلامية خضراء زاهية وهن يحملن طفلاتٍ صغيراتٍ يرتدين الحجاب معا جنبا إلى جنب مع فتيات مراهقات يرتدين الجينز الضيق ويلوحن بالأعلام الفلسطينية بالقرب من مسجد الفاتح الكبير.

AFP
متظاهرون يرفعون لافتة تدعو الى "وقف الابادة" في انقرة في 18 أكتوبر

وقال رجل أعمال تركي يعمل على مستوى دولي، وكان قد صوت للمعارضة في الانتخابات التي أجريت في مايو/أيار من العام الجاري لـ"المجلة" إن الطريقة التي يتعامل بها الرئيس رجب طيب أردوغان مع الاضطرابات الإقليمية التي أحدثتها الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة أثارت إعجابه.

وقال رجل الأعمال، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"المجلة" إنه "في السبعينات والثمانينات، كان هناك الكثير من المشاكل بين الجماعات اليسارية واليمينية، وكانت الجماعات اليسارية تستخدم الأسلحة، كما كانت من كبار المؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان بعض أفراد تلك الجماعات يتلقون التدريب منهم".
 
وأضاف قائلا: "في الماضي، كانت فلسطين قضية (تدعمها عموما) الجماعات اليسارية، وفي تركيا، كانت (هذه الجماعات) في الغالب تتخذ موقفا مناهضا للدين. وبعد أن تولت حماس (السلطة في قطاع غزة بعد حصولها على أكبر قدر من الدعم في الانتخابات التي جرت عام 2006)، أصبحت فلسطين موضوع دعم الإسلاميين".

وأضاف أن بعض الأتراك الآخرين يشعرون بأن "الفلسطينيين دعموا حزب العمال الكردستاني (المحظور) في الماضي، فلماذا يجب علينا أن ندعمهم".

ولكن حاليا، "بلغَ الأمر بحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الشعبية (التركية) التي كانت تتخذ عموما موقفا مناهضا لفلسطين مبلغ البدء بلعن إسرائيل"، على حد زعمه. "ولا سيما بعد الهجوم الذي وقع على مستشفى المعمداني".

تعتبر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن حزبَ العمال الكردستاني منظمة إرهابية؛ إذ تزعم الولايات المتحدة أن الفصائل المعنية ليست في الواقع جزءا من حزب العمال الكردستاني، وأنها على أي حال شريكة لها في القتال ضد تنظيم داعش شمال شرقي سوريا

ومضى رجل الأعمال التركي قائلا إن أردوغان "ألقى خطابا لطيفا مؤخرا، إذ أخبر حماس بأن ما فعلوه كان خطأ، لكنه قال أيضا لإسرائيل: "إذا تصرفتم كمجموعة إرهابية وليس كدولة، فهذا ما ستحصلون عليه في المقابل"، مضيفا أن الكثير من السكان الأتراك يتوقعون من رئيسهم أن "يعمل كوسيط".

الأمل بوحدة إقليمية


وقد جرت أيضا محاولات لتنظيم احتجاجات بالقرب من القواعد الأميركية في جنوب تركيا ليلة 17 أكتوبر/تشرين الأول، ومن ضمنها أضنة وملاطية. وجاءت الاحتجاجات على خلفية التوتر القائم بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن استمرار الولايات المتحدة في دعمها للفصائل الكردية المسلحة الموجودة في شمال شرقي سوريا، والمرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور.

وتعتبر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن حزبَ العمال الكردستاني منظمة إرهابية؛ إذ تزعم الولايات المتحدة أن الفصائل المعنية ليست في الواقع جزءا من حزب العمال الكردستاني، وأنها على أي حال شريكة لها في القتال ضد تنظيم داعش شمال شرقي سوريا.

ويشن حزب العمال الكردستاني حرب عصابات على تركيا على مدى عقود من خلال قواعد تدريبية ولوجستية موجودة في الدول المجاورة، ومن ضمنها شمال شرقي سوريا؛ ففي الأول من أكتوبر/تشرين الأول، نفذ حزب العمال الكردستاني هجوما انتحاريا في العاصمة التركية خارج مديرية الأمن العام قبل ساعات قليلة وحسب من افتتاح جلسة البرلمان.

ولا يميز كثير من الأتراك بين الولايات المتحدة وإسرائيل من حيث المواقف والمصالح، على حد زعم رجل الأعمال لـ"المجلة". ومن المرجح أن تؤدي هذه التدابير الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل في غزة إلى زيادة الاحتكاك القائم أصلا بين الولايات المتحدة وتركيا.

ومع ذلك، فقد كانت كل من تركيا، وقطر، ومصر تقيم علاقات وخطوط اتصال مفتوحة منذ سنوات عديدة مع حماس، وهي الفصيل المسلح والسياسي الذي يحكم قطاع غزة.

AFP
الاعلام التركية والفلسطينية في مظاهرة انقرة في 18 اكتوبر

لقد ساعدت تركيا في كثير من الأحيان في حالات الرهائن والصراع التي نشأت في جميع أنحاء المنطقة في السنوات الأخيرة، وربما تكون في وضع جيد يمكنها من العمل كوسيط في هذا الوضع بالذات بالنظر إلى محاولاتها في السنوات الأخيرة لإصلاح ذات البين مع إسرائيل.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤول في الاستخبارات التركية قوله إن كثيرا من الدول، ولا سيما الدول الغربية، على اتصال مع أنقرة. إنهم "يريدون منا أن ننقل الرسائل سرا".

وفي وقت سابق من اليوم الذي سبق الحادث الذي وقع في غزة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير الخارجية التركي حقان فيدان في مؤتمر صحافي مشترك أجراه مع نظيره اللبناني في بيروت إنه من الحرب التي تدور رحاها حاليا في قطاع غزة "يمكن أن تنشأ حروب أكبر. لكنها قد تُفضي أيضا إلى سلام تاريخي".

font change

مقالات ذات صلة