الملك عبدالعزيز والدفاع عن عروبة فلسطين

كان الملك عبدالعزيز متابعا لأدق تفاصيل القضية الفلسطينية خلال حقبة الانتداب البريطاني، ومتنبها بشكل مبكر لأزمة الهجرة اليهودية

Getty Images
Getty Images
الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في لقاء مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في مصر، 14 فبراير 1945

الملك عبدالعزيز والدفاع عن عروبة فلسطين

في فبراير/شباط عام 1945م، قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتتكشف خريطة جديدة للمنطقة، وقد زرع فيها دولة جديدة لإسرائيل في قلب المنطقة العربية (فلسطين) كمأوى وملاذ لليهود الهاربين من الآلة النازية الألمانية التي كانت تلاحقهم في كل مكان. في ذلك الشهر، وفي حدث تاريخي، اجتمع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في خليج السويس، على ظهر السفينة الحربية "كوينسي"، لمناقشة تداعيات الحرب العالمية الثانية.

كان روزفلت قلقا، يحمل بين يديه ملفا يريد أن يحشد له المناصرة والتأييد، كما يروي الكاتب الأميركي ويليام إيدي، في كتابه "القمة الأميركية- السعودية الأولى: القمة السرية بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس روزفلت 1945". قال روزفلت للملك عبدالعزيز: "إننا نحن الحلفاء نتطلع إلى إنقاذ البقية الباقية من اليهود في وسط أوروبا الذين يذوقون رعبا لا يوصف على يد النازيين من طرد وتعذيب وهدم لمنازلهم وقتلهم عمدا، واليهود لديهم رغبة عاطفية في سكنى فلسطين".

غضب الملك عبد العزيز وتغير وجهه وتجهم، والتفت إلى روزفلت، وقال: "امنحوا أرض ألمانيا لليهود، فهم الذين اضطهدوهم... أي شر ألحقه العرب بيهود أوروبا؟ إنهم المسيحيون الألمان سرقوا أموالهم وأرواحهم، إذن فليدفع الألمان الثمن، لماذا ندفعه نحن العرب؟".

يفرد خير الدين الزركلي في كتابه "الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز" فصلا خاصا عن موقف الملك عبدالعزيز من قضية فلسطين، وكيف أن تلك القضية كانت في قلب أولويات الملك المؤسس في رسم علاقاته الخارجية، حيث كانت المجابهة الأولى بين الملك عبدالعزيز والبريطانيين حول قضية فلسطين، عندما عرضوا عليه في اجتماعات وادي العقيق سنة 1926م مشروع اتفاق جدة، وطلبوا فيه وضع مادة لاعتراف الملك عبدالعزيز بمركز خاص لبريطانيا في فلسطين والعراق وشرق الأردن. وعندما عرضها نائب القنصل البريطاني في جدة المستر غوردن رفضها الملك عبدالعزيز رفضا قاطعا، فتوقفت المفاوضات حينها من أجل هذه المادة ومواد أخرى، إلى أن تنازلت بريطانيا عنها.

اقرأ أيضا: الضفة الغربية: المستوطنون يستغلون حرب غزة لـ "الحسم"

كان الملك عبدالعزيز متابعا لأدق تفاصيل القضية الفلسطينية خلال حقبة الانتداب البريطاني، ومتنبها بشكل مبكر لأزمة الهجرة اليهودية

لقد كان الملك عبدالعزيز متابعا لأدق تفاصيل القضية الفلسطينية خلال حقبة الانتداب البريطاني، ومتنبها بشكل مبكر لأزمة الهجرة اليهودية، وحين نشبت ثورة فلسطين عام 1936م سارع بتحويل العون المادي إلى الشعب الفلسطيني، وأبرق لوزارتي الخارجية والمالية بجدة لترسلا إليهم مساعدات من الأرزاق والمؤن، وأن تهيأ كل السبل للشعب السعودي كي يقوم بواجبه في إرسال المعونة والدعم إلى فلسطين.

ثم أبرق الملك عبدالعزيز إلى ملك اليمن، وملك العراق، وإلى أمير شرقي الأردن يقترح تعاون الممالك العربية كتلة واحدة من أجل مجابهة الإنكليز في موقف موحد لأجل فلسطين، لتفريج الأزمة عن تلك البقعة العربية المنكوبة، والوصول إلى حل عاجل للقضية بين أهلها وبين البريطانيين.

وحين نستذكر اللقاء التاريخي الشهير بين الملك عبدالعزيز ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في فندق بحيرة قارون (فندق الأبراج) في محافظة الفيوم بمصر، في السابع عشر من فبراير/شباط عام 1945، نجد أن أهم محور كان على طاولة النقاش هو قضية فلسطين، والهجرة اليهودية، حيث يرد في دراسة الدكتور محمد عبدالجبار بك من جامعة كمبردج في بريطانيا التي نشرتها مجلة دارة الملك عبدالعزيز بعنوان "لقاء الملك عبدالعزيز بروزفلت وتشرشل وبعض النتائج المترتبة على ذلك"، ذكر فيها أن  تشرشل افتتح اللقاء بثقة، وأخبر الملك عبدالعزيز بأن بريطانيا العظمى كانت على علاقة قوية معه لمدة 20 عاما، ولعلاقة بريطانيا فإن ذلك يخولها أن تسعى للحصول على مساعدة الملك في حل مشكلة فلسطين وهو الأمر الذي يتطلب زعيما عربيا قويا لكبح جماح العناصر المتعصبة وتحقيق تسوية واقعية بين العرب واليهود.

Getty Images
الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع ضيوف له عام 1934

لكن الملك رد عليه رافضا بأنه لا يمكنه القبول بأي تسوية مع الصهيونية، طالبا منه إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وخيره بين "عالم عربي صديق ومسالم، أو نزاع ضار بين العرب واليهود في حال السماح بهجرة غير مقيدة لليهود إلى فلسطين، وطلب الملك بأن تأخذ أي صيغة للسلام في فلسطين موافقة العرب في الاعتبار".

وفي شهر مارس/آذار من عام 1945م، بعث الملك عبدالعزيز رسالة إلى تشرشل، وفيها تحدث بوضوح وصراحة عن عروبة فلسطين التي تضرب في أعماق التاريخ وتعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ومما جاء في نص هذه الرسالة:

"ذكرت غير مرة لفخامتكم وللحكومة الأميركية، في عدة مناسبات، أن العرب هم سكان فلسطين من أقدم عصور التاريخ، وكانوا سادتها والأكثرية الساحقة فيها، في كل العصور... فتاريخ فلسطين المعروف يبتدئ من سنة 3500 قبل الميلاد. وأول من توطن فيها الكنعانيون. وهم قبيلة عربية، نزحت من جزيرة العرب. وكانت مساكنهم الأولى في منخفضات الأرض، ولذلك سموا كنعانيين. وفي سنة 2000 قبل الميلاد هاجر من العراق (أور الكلدانيين) بقيادة النبي إبراهيم، فريق من اليهود أقاموا في فلسطين، ثم هاجروا إلى مصر، بسبب المجاعات، حيث استعبدهم الفراعنة. وقد ظل اليهود مشردين فيها إلى أن أنقذهم النبي موسى من غربتهم، وعاد بهم إلى أرض كنعان، عن طريق الجنوب الشرقي، في زمن رمسيس الثاني سنة 1250ـ أو ابنه منفتاح سنة 1225 ـ قبل الميلاد".

ويستمر الملك في رسالته مؤكدا ومدافعا عن العمق العربي لفلسطين، فيقول: "ذلك تاريخ فلسطين العربية. يدل على أن العرب أول سكانها، سكنوها منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة قبل الميلاد، واستمر سكنهم فيها بعد الميلاد إلى اليوم. أما اليهود فلم تتجاوز مدة حكمهم المتقطع فيها 380 سنة، وكلها إقامات متفرقة مشوشة. ومن سنة 332 قبل الميلاد، لم يكن لليهود في فلسطين أي نفوذ أو حكم إلى أن دخلت القوات البريطانية فلسطين سنة 1918 ومعنى ذلك أن اليهود منذ 2200 سنة لم يكن لهم في فلسطين عدد ولا نفوذ. ولما دخل البريطانيون في فلسطين، لم يكن عدد اليهود فيها يزيد على 80 ألفا، كانوا يعيشون في رغد وهناء ورخاء مع سكان البلاد الأصليين من العرب. ولذلك فاليهود لم يكونوا إلا دخلاء على فلسطين في حقبة من الزمن ثم أخرجوا منها منذ أكثر من ألفي سنة.

اقرأ أيضا: ألكسندر دوغين: هذه رؤيتي للنظام العالمي المقبل... وحرب غزة

الملك عبدالعزيز للرئيس الأميركي روزفلت: حقوق العرب في فلسطين لا تقبل المجادلة، لأن فلسطين بلادهم منذ أقدم الأزمنة

أما الحقوق الثابتة للعرب في فلسطين، فتستند:

1ـ إلى حق الاستيطان الذي استمرت مدته منذ سنة 3500 قبل الميلاد، ولم يخرجوا منها في يوم من الأيام.

2ـ إلى الحق الطبيعي في الحياة.

3ـ لوجود بلادهم المقدسة فيها.

4ـ ليس العرب دخلاء على فلسطين، ولا يراد جلب أحد منهم من أطراف المعمورة لإسكانهم فيها".

الدفاع عن عروبة فلسطين نجده أيضا في ثنايا مذكرات ومراسلات عدة للملك المؤسس مع ملوك ورؤساء العالم، ومن بينها رسالته إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في نوفمبر/تشرين الثاني 1938م، حيث أكد فيها أن "حقوق العرب في فلسطين لا تقبل المجادلة، لأن فلسطين بلادهم منذ أقدم الأزمنة، وهم لم يخرجوا منها، كما أن غيرهم لم يخرجهم منها، وقد كانت من الأماكن التي ازدهرت فيها المدنية العربية ازدهارا يدعو إلى الإعجاب، ولذلك فهي عربية عرفا ولسانا وموقعا وثقافة، وليس في ذلك أية شبهة أو غموض، وتاريخ العرب في تلك البلاد مملوء بأحكام العدل والأعمال النافعة".

font change

مقالات ذات صلة