طلائع "الطوفان" تصل إلى لبنان

AFP
AFP
جنازة الجندي اللبناني عبد الكريم المقداد الذي قتل في قصف اسرائيلي في بلدته شمسطار في 6 ديسمبر

طلائع "الطوفان" تصل إلى لبنان

أثار إعلان حركة "حماس" فرع لبنان، تأسيس "طلائع طوفان الأقصى"، في المخيمات الفلسطينية داخل لبنان، من أجل العمل المقاوم، موجة من الغضب والاستنكار لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، على المستويين السياسي والشعبي.

وكانت الحركة قد أصدرت بيانا، يوم الاثنين الماضي، دعت فيه الشباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها، تأكيدا "لدور الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، واستكمالا لما حققته عملية طوفان الأقصى، وسعيا نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال، والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية".

وختمت الحركة متوجهة إلى "الشباب والرجال الأبطال"، بأن "انضموا إلى طلائع المقاومين، وشاركوا في تحرير القدس والمسجد الأقصى".

ويتضح من البيان أن الحركة بصدد تشكيل كيان مسلح، يتخذ من المخيمات الفلسطينية مراكز له، وستكون بالتالي الأراضي اللبنانية منطلقا لعملياته العسكرية ضد إسرائيل، مما يوحي باستنساخ تجربة "فتح لاند" الأراضي التي اقتطعتها الدولة اللبنانية للمقاومة الفلسطينية، بموجب "اتفاق القاهرة" عام 1969، لكن دون اتفاق.

أبرز الردود وأهمها، صدرت عن جهتين معنيتين مباشرة بالحدث، الأولى فلسطينية، والثانية شيعية لبنانية.

في حديث لـ"المجلة" اعتبر عضو المجلس الثوري في حركة "فتح" مسؤول هيئة التوجيه السياسي في لبنان، جمال قشمر أن "لبنان الرسمي، أعلن موقفه من البيان، ونحن نتبنى هذا الموقف، ونضم صوتنا إلى الأصوات اللبنانية، التي ترفض تحويل الحدود الجنوبية إلى ساحة حرب لفصائل فلسطينية، ونعتبر أن هذا لا يخدم القضية الفلسطينية، ولا يصب في مصلحة شعبنا، ونعتقد أن إشغال الرأي العام اللبناني والفلسطيني، بأي موضوع يخص الوجود الفلسطيني هنا، يخطف الأنظار من غزة، ويأخذ من اهتمامنا الذي يجب أن ينصب كله على متابعة العدوان واتركاباته وتجاوزات العدو ضد شعبنا في الضفة، ومفاوضات الوصول إلى وقف لإطلاق النار، عبر القنوات الدبلوماسية والضغط الشعبي العالمي والعربي"، مؤكدا أن "الوقت غير مناسب أبدا لفتح أي موضوع خارج هذا الإطار".

منظمة التحرير الفلسطينية نعتبر أن النضال من أجل تحرير بلادنا، انتقل إلى الداخل، منذ خروجنا من بيروت عام 1982

وقال بمعزل عن البيان وتوقيته: "نحن في منظمة التحرير الفلسطينية نعتبر أن النضال من أجل تحرير بلادنا، انتقل إلى الداخل، منذ خروجنا من بيروت عام 1982، ومنذ هذا التاريخ لم يعد لدينا مشروع عمل مسلح في دول الطوق، معركة تحرير فلسطين تجري اليوم على أرض فلسطين وبسواعد الشعب الفلسطيني. أما خارج فلسطين، فإن الشعب الفلسطيني في الشتات والمخيمات دوره محصور في اتجاه واحد فقط، هو الدور الإسنادي والإعلامي الداعم عبر المطالبات السلمية، نحن معنيون بالحالة الشعبية الجماهيرية فقط".
وأشار إلى أن "التحركات الشعبية الداعمة لغزة، تتم بالتنسيق مع الحركات والأحزاب والمواطنين داخل الدول، ونحرص فيها على الطابع السلمي، ومحركها الأساسي فلسطينيو الشتات، الذين يلعبون دورا مهما في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية وحق العودة وإقامة الدولة".
وأكد: "إذا تعرض لبنان لهجوم، سنكون إلى جانب الدولة، في الدفاع عن أرضها وسيادتها، ففي الجانب الدفاعي نحن جزء من المقاومة، غير ذلك ليس لدينا تحركات عسكرية".
وقال: "الموقف الفلسطيني اليوم موحد رفضا للعدوان، وهناك عناوين أصبحت تشكل قاسما مشتركا بين الفصائل، مثلا الحماية الدولية كانت مطلب السلطة الفلسطينية فقط، اليوم صارت مطلب الجميع، حتى حماس نفسها".
وتمنى عدم "إعطاء البيان حجما أكبر مما يستحق، لأن "حماس" نفسها تراجعت عنه في اليوم التالي، ولأنه سيكون على حساب غزة وسيأخذ من رصيد دعمها".
ورأى أن "العدوان على غزة أجّل معركة مخيم عين الحلوة ولم ينهها ونتمنى ان ينهيها"، علما أن "المخيمات مستقرة أمنيا في الوقت الحالي"، متمنيا أن "تتعظ القوى التي تفتعل الشقاق، لأننا في مركب واحد، ولا مصلحة لنا في الصراعات، وعليها مسؤولية إيقاف هذا النزيف".

رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، طالب باحترام القرار 1701، معتبرا أن "الإخلال به يعني انسحاب القوات الدولية، فنصبح أمام حالة حرب كاملة"

الكاتب والصحافي المعارض الدكتور حارث سليمان، وصف الإعلان في حديث لـ"المجلة" بـ"الأمر السيئ جدا"، معتبرا أنه "لا قدرة ولا مصلحة لـ"حماس" بتأسيس وإطلاق دور عسكري انطلاقا من لبنان"، مؤكدا: "هذا تدبير إيراني للسيطرة التامة على قرار "حماس"، وإلغاء أي هامش لاستقلاليتها عن القرار الإيراني"، مردفا: "طبعا هذا فعل خبيث لحزب الله ولتعزيز أوراقه التفاوضية في موضوع العودة لمندرجات القرار 1701، الذي سيحفظ ما تبقى من دولة لبنانية".
شعبيا، انقسمت الآراء بين مؤيد ورافض. المؤيدون هم جمهور المقاومة؛ بأكثريته الشيعية، الذي يثق في قرارات "الحزب" الاستراتيجية، واعتبر الإعلان خطوة داعمة للمقاومة داخل فلسطين من خارجها، مع إهمال للمخاطر الأمنية المترتبة عليها.
الرافضون هم الفئة التي تقف على الخط المواجه للحزب، وتتألف من مجموع الطوائف اللبنانية، مع حضور شيعي بارز، وتنقسم إلى قسمين:
قسم يجاهر برفضه لأي سلاح غير سلاح الجيش اللبناني، ولأي وجود عسكري خارج  إطار الدولة اللبنانية. 
وقسم آخر يرفضه تحت ستار التقية، يخاف من الحرب، ولكنه يخاف من "الحزب" أكثر، لذلك يتحمل فاتورة الحرب "مجبرا لا بطلا".
موقف لبنان الرسمي، أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فقال: "هذا الأمر مرفوض ولن نقبل به". 

AFP
مكافحة نيران اشعلها القصف الاسرائيلي في بلدة العديسة اللبنانية في 8 ديسمبر


وحذر الرئيس فؤاد السنيورة "الإخوة الفلسطينيين" من "أي تفكير بعودة العمل المسلح انطلاقا من لبنان" مذكرا بأن "لبنان ألغى اتفاق القاهرة الذي كان يسمح بحرية العمل الفلسطيني المسلح، والتزم بالقرار 1701".
وعلق رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، على البيان، مطالبا باحترام القرار 1701، معتبرا أن "الإخلال به يعني انسحاب القوات الدولية، فنصبح أمام حالة حرب كاملة".

أوضحت "حماس" أن "الطلائع" ليس لها طابع عسكري، وأن الهدف تشكيل إطار شعبي لاستيعاب الشباب الراغبين في الانضمام إليها

ردود الأحزاب المسيحية، من جهتها، حافظت على اللهجة التي اتسمت بها الردود المعارضة. واللافت أنه عندما يتعلق الأمر بالوجود الفلسطيني في لبنان، تصطف الأحزاب المسيحية كلها "على اليمين"، حلفاء وخصوما، فيجتمع الأضداد ويتسع نادي الأصدقاء– الأعداء. 
لهذا تطابق رد رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حليف الحزب، مع الأحزاب المعارضة للحزب، بل كان باسيل أول من سجل موقفا، فأكد أن "أي عمل مسلح ينطلق من الأراضي اللبنانية، هو اعتداء على السيادة الوطنية"، وقال: "اللبنانيون اتفقوا في الطائف، بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين، وأجمعوا على إلغاء اتفاق القاهرة"، معتبرا أن "لبنان يضعف بإقامة "حماس لاند"".
تبعه رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، فقال: "طلائع الأقصى في فلسطين وليس في لبنان ولا من لبنان"، ونبه نائب "القوات اللبنانية" غياث يزبك: "من مغبة إطلاق يد حماس عبر الحدود"، ورفض رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" النائب كميل شمعون أن "يكون لبنان حماس لاند وأن يتحول إلى ساحة صراع".
لم تكد تنقضي 24 ساعة، حتى أوضحت "حماس" أن "الطلائع" ليس لها طابع عسكري، وأن الهدف تشكيل إطار شعبي لاستيعاب الشباب الراغبين في الانضمام إليها، لاتساع شعبيتها بعد "طوفان الأقصى"، ونفت الحديث عن طموح سياسي للسيطرة على المخيمات.

font change

مقالات ذات صلة