لبنان... ماذا يعني إعلان "حماس" عن "طلائع طوفان الأقصى"؟

يدير "حزب الله" حسابات معقدة تجاه "المسألة الفلسطينية" في لبنان

AFP
AFP
خلال تشييع القيادي في "حماس" خليل الخراز في مخيم الرشيدية بصور في 24 نوفمبر

لبنان... ماذا يعني إعلان "حماس" عن "طلائع طوفان الأقصى"؟

من الخطأ التعامل مع إعلان حركة "حماس" عن تأسيس "طلائع طوفان الأقصى" انطلاقا من لبنان، على أنه خطوة ذات سياق لبناني بحت. بمعنى أنّ هذا الإعلان لا يُقرأ بالدرجة الأولى من زاوية استعداد "حماس" للانخراط أكثر في تنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان؛ فلا يمكن الظن للحظة واحدة أن "حماس– لبنان" يمكنها أن تتصرف من النواحي السياسية والعسكرية والأمنية في لبنان وبالأخص في جنوبه بمنأى عن حسابات "حزب الله". ولاسيما أنه لا يمكن أن يكون هناك قراران عسكريان- أمنيان في جنوب لبنان، فالقرار هناك لـ"حزب الله" وحده. وهذا أمر له مسار طويل بدأ منذ الثمانينات لا بدوافع لبنانية وحسب بل بناء على حسابات إقليمية، سورية وإيرانية.

REUTERS
خلال لقاء الأمين العام لـ"حزب الله" بالقياديين في "حماس" خليل الحية وأسامة حمدان في 22 نوفمبر

بالتالي فإن النقطة الأولى في قراءة بيان "حماس- لبنان" هي التأكيد على أن الحركة الفلسطينية لا يمكنها أن تنشئ حالة أمنية وعسكرية في لبنان بمعزل عن "حزب الله"، وإلا فإن الحزب نفسه سيعتبر ذلك تحديا له وتشكيكا في سطوته الأمنية والسياسية على لبنان وجنوبه على وجه التحديد؛ فما هي دواعي هذا الإعلان إذن ما دام لا يعني بالضرورة أن "حماس" في وارد تصعيد نشاطها في الجنوب اللبناني، إلا إذا كان "حزب الله" نفسه يريد تسخين الجبهة أكثر والانخراط في مواجهة أوسع مع إسرائيل، وهو أمر لا يبدو أنه يشكل أولوية لدى الحزب الذي لا يزال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول يخوض مواجهة "محسوبة" ضد إسرائيل.

موقف "حزب الله"

حتى إن اعتبار إعلان "حماس" رسالة من "حزب الله" إلى إسرائيل بأنه مستعد لتسخين الجبهة معها أكثر، هو اعتبار ضعيف الحجة بالنظر إلى أن رسالة كهذه ساقطة من الناحيتين الأمنية والعسكرية تبعا لقدرات "حماس" في لبنان، ولذلك فهي ستتحول ضدّ الحزب نفسه؛ وهذا فضلا عن أن تبريرات "حماس" لإعلانها بعد ردات الفعل اللبنانية عليه يسقط عنه صفة الرسالة لإسرائيل.

والحال فإن القراءة الدقيقة لإعلان "حماس" تتطلب فهم موقف "حزب الله" وحساباته تجاه "المسألة الفلسطينية" في لبنان. وهي حسابات معقدة ولا يمكن حصرها بتكتيكات "محور المقاومة" في إدارة المعركة الحالية في غزة وارتداداتها على مستوى المنطقة.

الحسابات اللبنانية للحزب تجعله حذرا في التعاطي مع "المسألة الفلسطينية" في لبنان، وبالأخص مع "حماس- الجديدة"

فإذا كانت هناك تقاطعات بين "حماس"، و"حزب الله"، لكونهما فصيلين في "محور المقاومة" بقيادة إيران، ولاسيما في لحظة الحرب، فإن الحسابات اللبنانية للحزب تجعله حذرا في التعاطي مع "المسألة الفلسطينية" في لبنان، وبالأخص مع "حماس- الجديدة". لا بل إنه يضع خطوطا حمراء أمام توسع حضورها على الأراضي اللبنانية. 
وبمعنى أدق فهو يريد لهذا التوسع أن يكون تحت ناظريه وبما يخدم أجندته اللبنانية، أو أن لا يكون هذا التوسع الذي يخدم "محور المقاومة" متناقضا مع حسابات الحزب، أولا على الساحة اللبنانية، وثانيا ضمن "محور المقاومة" نفسه؛ إذ يفترض الأخذ في الحسبان التناقض المضمر بين "حزب الله" و"حماس"، خصوصا بعد الحرب الحالية وحدود تدخل "الحزب" فيها، حول من يمثّل "المقاومة" أكثر، ولا سيما في ظل صعود الرصيد الشعبي لـ"حماس"، وهو ما يرتب تبعات على صورة الحزب وسرديته مستقبلا.
ومن الناحية اللبنانية الصرف فإن التحالفات الداخلية لـ"حزب الله"، وبالأخص مع الجانب المسيحي المتمثل بـ"التيار الوطني الحر"، تقوم في أحد عناوينها على رفض توطين الفلسطينيين في لبنان. وفي تأويل سياسي وأهلي لهذا العنوان فإنه يستبطن ضبطا لفلسطينيي لبنان بالمعنى السياسي والطائفي والمذهبي. أي إن تحالف "التيار الوطني الحر" مع "حزب الله" منذ عام 2006 ينطوي على موقف شبه موحد من "المسألة الفلسطينية" في لبنان، باعتبار أن الطرفين يتوجسان من إعادة تشكّل حالة فلسطينية نشطة في المخيمات يمكن أن تتقاطع مع التركيبة السياسية الأهلية في لبنان كما حصل في السبعينات. وهو أمر يدخل بطبيعة الحال ضمن الحسابات المذهبية والطائفية لكل من الحزب و"التيار الوطني الحر"، لما له من تأثيرات على موازين القوى السياسية والطائفية في الداخل اللبناني.

REUTERS
خلال مظاهرة في بيروت لأنصار "حزب الله" تضامنا مع الفلسطينيين بغزة في 27 أكتوبر

وبالتالي فإن "حزب الله" الذي يرعى حضور "حماس" في لبنان يضع بنفسه ضوابط هذا الحضور. وهو أمر تتجاهله الأصوات المعارضة للحزب والتي تحمله مسؤولية توسع "حماس" في لبنان غير آخذة في الحسبان حسابات الحزب المعقدة في ما يخص الوضعية الفلسطينية في لبنان. 
لكن تجاوزا لهذا التفصيل السياسي اللبناني، فإن "حزب الله" يريد في المقابل، ومن ضمن أجندته الفلسطينية في لبنان، أن تكون لـ"حماس" اليد العليا في المخيمات الفلسطينية على حساب حركة "فتح"، وذلك لمصلحة "محور المقاومة" ككل. وهذا يحيلنا إلى جولات القتال التي شهدها مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا خلال الصيف الماضي، والتي شكلت في سياقها الإقليمي والفلسطيني واللبناني حلقة متقدمة من حلقات الضغط على حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية لخلخلة حضورها في مخيمات لبنان وبالأخص في عين الحلوة أكبرها. وهو أمر لا يخرج بالتأكيد عن سياق الصراع العام بين "حماس"، و"فتح"، على الساحة الفلسطينية.

"حزب الله" الذي يرعى حضور "حماس" في لبنان يضع بنفسه ضوابط هذا الحضور

وهذا ما يحيلنا إلى دوافع إعلان "حماس" عن تأسيس وإطلاق "طلائع طوفان الأقصى" ودوافعه. فمما لا شك فيه أن أحد تلك الدوافع متصل بمقتضيات الحرب على قطاع غزة، إذ يأتي هذا الإعلان في إطار تأكيد "حماس" أن القضاء عليها مستحيل داخل غزة وخارجها، وهو ما يمكن وضعه في سياق الحرب النفسية والدعائية التي تخوضها "حماس" الآن. لكن الأهم أن "حماس" أرادت من خلال هذا الإعلان القول إن ما بعد "طوفان الأقصى" ليس كما قبله على الساحة السياسية الفلسطينية، بمعنى أنها تستحوذ الآن على شرعية فلسطينية أكبر من ذي قبل وبما لا يقاس. لا بل إنها عمليا تتحدى حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية انطلاقا من لبنان، ما دام ذلك متعذرا عليها في غزة راهنا، وذلك من خلال فتح معركة "الشرعية الفلسطينية" منذ الآن ضدهما وعدم الانتظار حتى تنتهي الحرب.

REUTERS
خلال مؤتمر صحافي للقياديين في "حماس" خليل الحية وأسامة حمدان ببيروت في 21 نوفمبر

وهذا ما يمكن استشفافه من لغة إعلان "حماس" الذي دعا الرجال والشباب إلى أن "يشاركوا في صناعة مستقبل شعبكم (...)"، ومن التفسيرات التي قدمها كوادرها له من مثل أن الحركة تهدف إلى تنظيم التعاطف الكبير معها وتوظيفه لخدمة القضية الفلسطينية. وهذا كله يصب في إطار محاولة "حماس" الاستثمار سياسيا وشعبيا في الوقائع الراهنة لتوظيفها لاحقا ضد "فتح" والسلطة الفلسطينية في المعركة حول "الشرعية الفلسطينية"، في اليوم التالي للحرب.

font change

مقالات ذات صلة