الاقتصادات العربية: تشاؤم وتفاؤل وسط الصراعات

الناتج المحلي السعودي 1,1 تريليون دولار في 2023 وهو يمثل ثلث الإجمالي العربي

 Axel Rangel Garcia
Axel Rangel Garcia

الاقتصادات العربية: تشاؤم وتفاؤل وسط الصراعات

انقضى الشهر الأول من السنة الجديدة على مشهد الواقع العربي المأزوم. هناك الحرب في غزة المستمرة على الرغم من مرور أكثر من مئة يوم على نشوبها. كذلك، لا تزال دول عربية عدة في حال من انعدام الأمن والاستقرار واستمرار الحروب الأهلية أو المحلية مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان، في حين تعاني دول أخرى من الصراعات السياسية وعدم التوافق الوطني مثل العراق وتونس والجزائر، ناهيك عن المعاناة من ثقل الديون الخارجية، كما هي الحال في مصر ولبنان وتونس والأردن وغيرها من الدول العربية، وإن في درجات مختلفة.

الأوضاع الاقتصادية لا تسر الخاطر حيث تتراجع مستويات المعيشة، وتترنح أسعار صرف العملات الوطنية، وتنعدم آفاق التنمية الحقيقية، وتضطرب أوضاع أسواق العمل، وترتفع معدلات البطالة في أكثر من دولة عربية. يضاف إلى ما سبق، أن تلك الأوضاع غير المريحة ترفع معدلات التضخم، مما يزيد معاناة المستهلكين، خصوصاً المنتمين إلى الطبقة الوسطى أو ذوي الدخل المحدود أو المتواضع. فكيف يمكن للقيادات السياسية وإداراتها الاقتصادية أن تنتشل مواطني دولها وترتقي بأوضاعهم المعيشية وتمكّنهم من تكوين الثروة وتوسيع نطاق ممارساتهم المهنية والعملية من أجل تعزيز فرص التنمية المستدامة؟ لا شك أن التحديات صعبة والعقبات عديدة والثقافة المجتمعية لا تزال بعيدة عن تحفيز الابداع والتطوير والارتقاء بالانتاجية وتوظيف الأموال بجدارة بما يمكن من تأكيد الجدوى الاقتصادية في الأعمال والمشاريع.

الخليج رافعة الاقتصادات العربية

وسط هذه الصورة، أصدرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، وهي مؤسسة عربية تأسست عام 1974 ومقرها الكويت، تقريرها السنوي عن الأحوال الاقتصادية العربية في عام 2023، وأوردت أن معدل النمو في الدول العربية خلال العام المنصرم بلغ 1,8 في المئة، وهو يقل عن معدل النمو السنوي العالمي الذي بلغ 3 في المئة في 2023. إلا أن المؤسسة التي تتمتع تقاريرها السنوية بالصدقية، رأت أن هناك إمكانات لبلوغ معدل نمو في العالم العربي يصل إلى 3,6 في المئة خلال السنة الجارية، أي ضعف معدل النمو المحقق خلال العام الماضي.

وأكدت المؤسسة أن تسعة اقتصادات عربية نفطية تشكل رافعة للاقتصاد العربي، وهي تساهم بنحو 78 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي. وأشار التقرير إلى أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية انخفض بنسبة 4,7 في المئة ليبلغ 7,482 دولاراً، وأكد أن هناك عوامل قد تساعد في أن يرتفع نصيب الفرد بنسبة 1,2 في المئة ليصل إلى 7,573 دولاراً في 2024.

بنت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار توقعاتها على إحصاءات وبيانات من الدول العربية وعلى معلومات وردت في تقارير المؤسسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي تبدو متفائلة في شأن تحسن الأوضاع خلال السنة الجارية.

قدر الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنحو 1,1 تريليون دولار، في عام 2023، وهو يمثل 31,5 % من الناتج العربي، أي تقريبا الثلث، في وقت لا يزال الناتج لدول عربية أخرى يقل عن 30 مليار دولار مثل السودان واليمن وسوريا والصومال وموريتانيا

المؤسسة العربية لضمان للاستثمار

الاقتصادات العربية متفاوتة جدا، إذ أن هناك اقتصادات ذات عمق وقادرة على التطور، وتتسم بحجم إنتاجي كبير، وتحقق معدلات نمو مقبولة، وتنتج منها معدلات دخل فردية مرتفعة، في حين تبقى اقتصادات عربية أخرى مأزومة وفقيرة الإنتاج، وذات مستويات معيشية غير ملائمة. السعودية، مثلاً، تنتمي الى مجموعة الدول العشرين ذات الدخل المرتفع التي تلعب دوراً حيوياً في الاقتصاد العالمي.

تفاوت صارخ واستراتيجيات حبر على ورق

قدر الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في عام 2023 بنحو 1,1 تريليون دولار، وهو يمثل 31,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي، أي تقريباً الثلث، في وقت لا يزال الناتج المحلي الإجمالي لدول عربية أخرى يقل عن 30 مليار دولار مثل السودان واليمن والصومال وموريتانيا وسوريا.

ليبيا، التي تعد من الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وهي عضو مهم في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" (OPEC)، لم يتعدّ ناتجها المحلي الإجمالي الـ44 مليار دولار في 2023. ثم كيف يكون الناتج المحلي الإجمالي لبلد مثل سوريا 7 مليارات دولار فقط؟ لا بد أن هناك مشكلات سياسية وأمنية في الدولتين حالت دون أن تتمكن أي منهما من بلوغ القدرات والطاقات الحقيقية وتعزيز دور المواطنين في تحسين القدرات الإنتاجية لمختلف القطاعات، الصناعية والزراعية والخدمية. التحديات صعبة كما يتضح، وتتطلب توفيقاً في القرارات، وتمكناً من الإدارات السياسية والاقتصادية، وتعزيزاً للإمكانات التنفيذية لإنجاز الخطط والاستراتيجيات.

Reuters
سودانيون يفرون من العنف في غرب دارفور، ويعبرون الحدود الى أدري في تشاد، 2023

عندما تطرح مسائل الاستراتيجيات، نتساءل عما إذا كان لدى الدول العربية تلك الاستراتيجيات التنموية الواقعية والقابلة للتنفيذ. ثم هل هناك إدارات تنفيذية في أي من الدول العربية تملك المؤهلات المهنية المناسبة والمتوافقة مع تطورات العصر الاقتصادية والتقنية لتنفيذ تلك الاستراتيجيات؟

للمزيد إقرأ: تحديات أمام "مجلس التعاون الخليجي" في 2024

تطرح الدول العربية تصورات للتنمية وتعتمد خططا محددة الأهداف والتواريخ، قد تكون خططا خمسية أو عشرية أو تتجاوز العشرين عاماً، لكن عند التمعن بهذه الخطط، يتساءل المرء عن مدى إمكان إنجازها والوصول إلى الأهداف المعلنة المتعلقة بمعدلات النمو السنوية أو رفع مستويات المعيشة أو القضاء على الفقر أو تنويع القاعدة الاقتصادية أو رفع الطاقات التصديرية من خلال تحسين أوضاع قطاعات محددة مثل الصناعات التحويلية أو الزراعية. وعندما تطرح مسألة التوقعات خلال السنة الجارية، هل يمكن أن تتحسن الأمور والأوضاع خلال عام واحد ودون إنجاز الإصلاحات الهيكلية المطلوبة وتحفيز الإمكانات المادية والبشرية والارتقاء بالتعليم وتحسين نوعية الحياة؟ لا شك أن أي تطور نوعي في الحياة الاقتصادية يتطلب بذل جهود مكثفة، وعلى مدى زمني معقول لتحقيق النتائج والإنجازات المرجوة. يضاف إلى ذلك، قد تكون توقعات النمو والمداخيل ممكنة، لكن الأهم من ذلك مدى انعكاس هذه التوقعات على الحياة ومدى شعور أصحاب الشأن، أي المواطنين، بتحسن أوضاعهم وقدراتهم على التمتع بالحياة كما هي الحال في دول متقدمة أخرى. 

انحسار في التجارة

في العودة إلى تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، سجلت التجارة العربية في السلع والخدمات تراجعاً بمعدل 5,7 في المئة في عام 2023، حيث بلغ تراجع الصادرات بمعدل 7,9 في المئة عن عام 2022 وتراجعت الواردات بنسبة 0,4 في المئة. وبلغت قيمة التجارة العربية، الصادرات والواردات مجتمعة، 3 تريليونات دولار، وتراجع الفائض التجاري بمعدل 39 في المئة ليبلغ 262 مليار دولار. لا شك أن لتراجع أسعار النفط أثرا كبيرا على قيمة الصادرات العربية، حيث تمثل الدول العربية المصدرة للنفط ثقلاً مهما في ميزان التجارة الخارجية العربية.

كيف يعقل أن الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا لم يتعد الـ 44 مليار دولار في 2023. ثم كيف يكون الناتج لدولة مثل سوريا 7 مليارات دولار فقط؟

تؤكد هذه الحقيقة أهمية تنويع الصادرات وتعزيز دور القطاعات غير النفطية في مختلف الدول العربية. ذكر التقرير أن فائض الحساب الجاري انخفض بنسبة 52,3 في المئة خلال عام 2023 وبلغ 180 مليار دولار، وهو يمثل 5,3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. على الرغم من ذلك، تمكنت الدول العربية من توفير احتياطات من العملات الأجنبية تعدت حاجز التريليون دولار في عام 2023، وأشار التقرير إلى إمكان تحسن هذه الاحتياطات خلال السنة الجارية. ويبقى التساؤل ما إذا كانت الدول العربية قادرة على أن تحسن قدراتها الإنتاجية والتصدير وأن تنوع في مداخيلها السيادية. 

تحديات غير مسبوقة

تواجه الدول العربية خلال السنة الجارية والأعوام المقبلة تحديات اقتصادية غير مسبوقة. هناك التحولات في اقتصادات الطاقة والتحرر التدريجي من الاعتماد على الوقود الإحفوري ومنها النفط والغاز. إذاً، لا بد من صياغة استراتيجيات وبرامج تنفيذية لتحفيز كل المكونات الاقتصادية لتعزيز الإيرادات السيادية الأخرى. لا شك أن هناك دولا عربية عززت قدرات القطاع السياحي وأنجزت خططا للانفتاح وتحسين مستوى الضيافة، ولكن يبقى هناك أهمية لتطوير القدرات الإنتاجية الأساسية مثل الصناعات التحويلية والإنتاج الزراعي كلما توفرت الميزات النسبية. أهم من ذلك، كيفية التعامل مع الواقع التعليمي وانتشاله وتطويره بما يتوافق مع المتغيرات التكنولوجية والعلمية والثقافية الجارية في الدول المتقدمة والناشئة. فكيف يمكن تطوير الهيئات التعليمية وتحسين جودتها وضبط إيقاع النمو السكاني وتعزيز دور الأسرة وتحرير الثقافة العربية من الجمود الفكري والتحفظ الحضاري؟

للمزيد إقرأ: رسم مستقبل الاقتصاد السعودي من خلال تحوّل مستدام

الاقتصاد لا يتطور بمعزل عن المتغيرات الأخرى في الحياة الإنسانية، وأهمها الثقافة المجتمعية والتأهيل التعليمي وتعزيز الخبرات المهنية والتلاقي مع الحضارات الإنسانية الأخرى. ربما نضيف عوامل أخرى، لكن من المهم العمل على تعزيز فرص السلام وإنقاذ مختلف المجتمعات العربية من الصراعات الأهلية والحروب وإنهاء النزاعات الإقليمية.

font change

مقالات ذات صلة