نموذج الاتفاق الدفاعي الأميركي مع اليابان وكوريا الجنوبية

يملك الرئيس جو بايدن مقاربة مختلفة عن دونالد ترمب

منى إينغ ومايكل ميسنر
منى إينغ ومايكل ميسنر
الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور (يسار) ورئيس وزراء اليابان نوبوسوكه كيشي ورئيس كوريا الجنوبية سينغمان ري

نموذج الاتفاق الدفاعي الأميركي مع اليابان وكوريا الجنوبية

بمجرد أن تخف أزمة غزة، يبدو من المرجح أن معاهدة الدفاع الأميركية- السعودية الرسمية ستكون جزءا من المفاوضات بين واشنطن والرياض. وقد تحاول إدارة بايدن مرة أخرى إقناع إسرائيل والمملكة العربية السعودية بالتطبيع. وأفاد مقال نشر في سبتمبر/أيلول من صحافيين محترمين في صحيفة "نيويورك تايمز"، بأن المسؤولين الأميركيين قالوا بشكل خاص إن إدارة بايدن تفكر في معاهدة مع المملكة العربية السعودية تشبه المعاهدات مع اليابان وكوريا الجنوبية. في هذا التحليل، لن أناقش السياسة الأميركية فيما يتعلق بالمعاهدة. وبدلا من ذلك، يدرس هذا التحليل ما تقترحه نماذج المعاهدات اليابانية والكورية لكيفية عمل الأميركيين بعد توقيع معاهدة.

المعاهدات الثنائية ذات الرؤية الإقليمية

بدأت إدارة الرئيس أيزنهاور ووقعت معاهدة الدفاع المتبادل مع كوريا الجنوبية عام 1953، ومعاهدة "التعاون والأمن المتبادل" المنقحة مع اليابان عام 1960. وتهدف المعاهدتان في فترة الحرب الباردة إلى ردع العدوان الشيوعي، تحت قيادة الاتحاد السوفياتي، ضد حليفي أميركا، خاصة بعد الهجوم الكوري الشمالي على كوريا الجنوبية عام 1950.

منى إينغ ومايكل ميسنر

شعر الأميركيون بالقلق إزاء العدوان الشيوعي في جميع أنحاء شرقي آسيا، وتشير كلتا المعاهدتين على وجه التحديد إلى الهدف العام المتمثل في الحفاظ على السلام في منطقة المحيط الهادئ. وبحلول عهد إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون أواخر الستينات، تعافى الاقتصادان الكوري الجنوبي والياباني من الحرب العالمية الثانية، بينما كان الأميركيون عالقين في مستنقع فيتنام الذي اعتقدوا في البداية أنه حيوي لاستقرار شرقي آسيا. وبدءا من نيكسون، ضغطت الإدارات الأميركية على اليابانيين بشكل خاص، للقيام بدور أكبر في أمن منطقة شرقي آسيا، من خلال البحرية اليابانية باسم "الدفاع عن النفس" التي تساعد على حماية طرق النقل البحري. وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه بعد التفاهم مع واشنطن، أرسلت كوريا الجنوبية على مدى عشر سنوات 300 ألف جندي إلى فيتنام للمساعدة في الجهد العسكري الأميركي الفاشل هناك.

الاختلاف بين الاتفاقيتين أن الأميركيين مع كوريا الجنوبية يشاركون في الدفاع، ومع اليابان يدعمون فقط القوات اليابانية

وخلال ولاية الرئيس باراك أوباما، كان التركيز الأميركي في آسيا قد ابتعد عن التهديد الروسي ليركز على كوريا الشمالية والصين، وأراد الأميركيون من اليابان وكوريا الجنوبية التغلب على العداوات التاريخية العميقة بينهما والعمل معا. وبعد الكثير من الجهد الدبلوماسي، نجح بايدن في جلب زعيمي اليابان وكوريا الجنوبية إلى كامب ديفيد في أغسطس/آب الماضي من أجل القمة الثلاثية الأولى. وفي كامب ديفيد، اتفق القادة الثلاثة على عقد قمة ثلاثية سنوية، وإجراء تدريبات عسكرية ثلاثية منتظمة وإنشاء نظام اتصال ثلاثي في حالات الطوارئ بين القادة. كان ردع كوريا الشمالية هو الهدف المباشر لهذا التحالف، لكن التحالف الثلاثي يرسل أيضا رسالة إلى الصين.

أ ف ب
صورة غير مؤرخة نشرتها وكالة أنباء كوريا الشمالية في 19 ديسمبر 2023 وتظهر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (يسار) وابنته جو آي وهما يشاهدان اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات في مكان مجهول في كوريا الشمالية

يشير نهج أميركي مماثل مع المملكة العربية السعودية إلى أن الأميركيين سيرغبون في تعزيز المعاهدة الدفاعية ليس فقط مع السعودية ولكن أيضا لأمن منطقة الشرق الأوسط. وسيكون ردع إيران هو الهدف الفوري الواضح، ولكن الأميركيين سيرغبون في بناء علاقات عسكرية بين إسرائيل والدول العربية وضمنها الدول الخليجية. 
ومن السهل تخيل أنه إذا فاز بايدن في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، فإن إدارته الثانية ستسعى من أجل اجتماعات لبحث العلاقات التي من المرجح أن يستضيفها الأميركيون في البداية. ويجري الجيش الأميركي بالفعل تدريبات إقليمية بين دول الخليج في مجالات مثل الأمن البحري والدفاع ضد الهجمات الجوية والصاروخية. 
ولجعل الردع ضد إيران قويا قدر الإمكان، ستسعى واشنطن بعد توقيع المعاهدة الدفاعية بشدة من أجل تدريبات إقليمية قد تشارك فيها إسرائيل في التخطيط والتدريب العسكريين لجلب قدرات مهمة للجهود الإقليمية مثل الدفاع الصاروخي والأمن في البحر الأحمر. 

المشاركة الأميركية وتحسين القدرات الدفاعية

نظرا لأن المعاهدات مع كوريا الجنوبية واليابان تتطلب أن تدافع القوات العسكرية الأميركية عن أراضي هذين البلدين إلى جانب القوات اليابانية والكورية الجنوبية، فقد اهتم الأميركيون على مدى العقود الماضية بجودة قوات هذين الحليفين الآسيويين. والهدف على المدى الطويل هو تحسين قدرة الوحدات العسكرية الأميركية على التعاون بشكل وثيق للغاية مع الوحدات العسكرية اليابانية والكورية الجنوبية القوية. وعلى مدى عقود، أجرى الأميركيون مناورات عسكرية ثنائية منتظمة لتحسين قدرات العمليات المشتركة. ومع ذلك، فإن المشاركة الأميركية تتجاوز التدريب المشترك. 
لقد تجاوز الأميركيون النظر إلى الميزانيات، ودفعوا أيضا من أجل إجراء تغييرات هيكلية في "قوات الدفاع الذاتي" اليابانية والجيش الكوري الجنوبي. إحدى الطرق التي تقوم فيها بذلك هي السعي مع هذين الحليفين لإجراء تعديلات عسكرية لدمج الأسلحة الأميركية، من طائرات "إف-35"، إلى صواريخ كروز ومعدات الاتصالات. وأنشأ الأميركيون أيضا "قيادة القوات المشتركة" مع جنرال أميركي ونائب قائد كوري جنوبي بـ600 ألف جندي من القوات الأميركية والكورية الجنوبية في كوريا الجنوبية. وفي حالة وقوع هجوم كوري شمالي، فإن هذه القيادة المشتركة ستوجه القوات العسكرية للبلدين للدفاع عن كوريا الجنوبية. أما في اليابان فإن الدستور والسياسة يعوقان إنشاء مركز قيادة ثنائي مشترك مماثل هناك. 
وتؤكد المبادئ التوجيهية المنشورة لتنفيذ المعاهدة الأميركية- اليابانية على أن القوات اليابانية تتحمل المسؤولية الرئيسة في الدفاع عن اليابان بدعم أميركي. وبدلا من ذلك، يدعم الأميركيون التدابير اليابانية التي من شأنها تحسين القدرة اليابانية على تنسيق العمليات البرية والجوية والبحرية اليابانية في عملية واحدة. وقد يغير الأميركيون ويوسعون هيكل قيادتهم في اليابان للتفاعل يوميا مع قيادة العمليات المشتركة اليابانية الجديدة.

تشعر كوريا الجنوبية واليابان بالقلق إزاء القدرات النووية والصاروخية المتنامية لكوريا الشمالية

وتشير تجربة اليابان وجمهورية كوريا الجنوبية إلى أنه إذا كانت هناك معاهدة ثنائية مع الرياض، فإن واشنطن ستولي اهتماما للعمليات. وفي النهاية، سيكون للبنتاغون (وزارة الدفاع) هدفان: أولا، أن تكون قادرة مع السعودية على كسب حرب دفاعية، وبالتالي ردع الأعداء. وثانيا، إذا كانت هناك حرب، أن تكسبها بحد أدنى من الخسائر الأميركية والحلفاء. وسيعطي الالتزام الأميركي الرسمي الدفاعي حوافز للبنتاغون حتى تكون الوحدات والقيادات العسكرية السعودية قادرة على العمل بسلاسة وسرعة مع الأميركيين في الأزمة. لذلك ستحرص واشنطن على كثير من التخطيط المشترك التفصيلي. ولن يتردد البنتاغون أيضا في التحدث بصراحة لتيسير التنسيق العسكري الأميركي- السعودي في الأزمات. وفي الوقت نفسه، ترغب واشنطن أيضا في توسيع مهمتها التدريبية وتقديم المشورة للعناصر العسكرية السعودية.

إدارة التهديدات النووية

إذا أثيرت مسألة الاستجابة لحالة تحاول فيها إيران مباشرة تطوير سلاح نووي، فمن المرجح أن يكون الرد الأميركي بعد توقيع اتفاق أمني ثنائي هو إنشاء فريق استشاري دائم.

في آسيا، تشعر كوريا الجنوبية واليابان بالقلق إزاء القدرات النووية والصاروخية المتنامية لكوريا الشمالية، وأثار رئيس كوريا الجنوبية القضية مباشرة مع الرئيس بايدن خلال زيارته إلى واشنطن في أبريل/نيسان 2023. ورد الأميركيون بـ"إعلان واشنطن" المشترك لمحاولة زيادة الردع ضد التهديد النووي الكوري الشمالي. وتعهدت سيول وواشنطن بزيادة التدريبات العسكرية المشتركة والتخطيط، لزيادة قدرة الجيش الكوري الجنوبي على دعم الوحدات العسكرية الأميركية التي تنشر أسلحة نووية. كما أنشأوا "مجموعة استشارية نووية" ثنائية اجتمعت لأول مرة في يونيو/حزيران 2023. ولا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كان "إعلان واشنطن"، يمكن أن يردع كوريا الشمالية إلى أجل غير مسمى.

نشر قوات أميركية أقل

كما هو الحال مع اليابان وكوريا الجنوبية، فإن الاهتمام الأميركي بتكاليف الدفاع المشترك مع السعودية سينتج عن حاجة سياسية أميركية تُظهر للمواطنين الأميركيين أن حلفاءهم يدافعون عن أنفسهم ويساهمون ولا يعتمدون فقط على الجيش الأميركي وعلى حساب دافعي الضرائب الأميركيين.

أ ف ب
(من اليسار إلى اليمين) الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول يتبادلون التحية خلال قمة "مجموعة السبع" في هيروشيما، 21 مايو 2023

وأحد الاختلافات الكبيرة بين الاتفاقات الأمنية الأميركية مع اليابان وكوريا الجنوبية من ناحية، والاتفاق المحتمل مع المملكة العربية السعودية من ناحية أخرى، أن واشنطن لن ترغب في نشر قوات عسكرية أميركية كبيرة في المملكة العربية السعودية كما هو الحال في اليابان وكوريا الجنوبية. هناك نحو 50 ألف جندي أميركي في اليابان، معظمهم من القوات الجوية والبحرية ومشاة البحرية، ونحو 28 ألفا في كوريا الجنوبية، معظمهم من الجيش.

ترمب أكثر تشككا في المعاهدات التي تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الدول الأجنبية

وفي السبعينات- مع توقعات بصعود الاقتصادين الياباني والكوري الجنوبي- وسعت واشنطن الاتفاق مع البلدين لدفع جزء أكبر من تكلفة القوات الأميركية في البلدين. وفي عام 2022 اتفقت الحكومة اليابانية مع واشنطن على تمويل بقيمة 8.6 مليار دولار أميركي للتكاليف المرتبطة بالوجود العسكري الأميركي. وتفاوض الأميركيون واليابانيون على تكاليف محددة ستكون اليابان مسؤولة عنها، بما في ذلك رواتب 23 ألف عامل ياباني في القواعد الأميركية، وتكاليف المرافق في القواعد وبعض تكاليف البناء. وبالمثل، وافقت كوريا الجنوبية على دفع نحو مليار دولار لتكاليف محددة، بما في ذلك المرافق العامة والبناء.
وفيما يتصل بالرياض، إذا وصل الاتفاق الأمني إلى مجلس الشيوخ، حيث يجب أن يوافق عليه ثلثا أعضاء المجلس المائة، فستنشأ بالتأكيد مسألة تقاسم التكاليف ("تقاسم الأعباء" باللغة السياسية الأميركية). يوجد الآن نحو 2700 جندي أميركي يقومون بالتدريب وتقديم المشورة. وعلى الأقل، ستكون هناك مناقشة عامة جدا حيال التزاماتها السابقة والمستقبلية.

بين ترمب وبايدن

إذا عاد ترمب إلى المكتب البيضاوي في العام المقبل، فسيكون هو وإدارته أكثر وضوحا في التفاوض مع الحلفاء حول معاهدات الدفاع، كما رأينا في إدارته الأولى مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وكوريا الجنوبية على وجه الخصوص. 
أولا، ترمب أكثر تشككا في المعاهدات التي تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الدول الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، يفاخر ترمب بعقد صفقات مربحة مع الحلفاء العسكريين لتقاسم التكاليف. كما ركز ترمب على مسألة تقاسم الأعباء مع "الناتو" وكوريا الجنوبية، دون النظر إلى العناصر الأخرى للعلاقات الثنائية. على سبيل المثال، قدمت سيول تنازلات لترمب بشأن السياسات التجارية، لكنها لم تحصل على أي تنازلات في مفاوضات تقاسم الأعباء. وبالمثل، أشار ترمب ومجلس الأمن القومي التابع له إلى عدم المرونة مع سيول، على الرغم من التهديد المتزايد من كوريا الشمالية. وبالتالي، من الأسهل أن نتخيل أن إدارة بايدن الثانية ستبرم معاهدة دفاع مع المملكة العربية السعودية، أفضل من إدارة ترمب الثانية.

font change

مقالات ذات صلة