يعود ترمب إلى البيت الأبيض في فترة يشهد فيها الشرق الأوسط تصاعدا في الاشتباكات بين إسرائيل، ووكلاء إيران في لبنان واليمن ومناطق أخرى. وقد شهد هذا العام أول تبادل مباشر لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وبينما سعت إدارة بايدن إلى تهدئة التوترات، داعية إسرائيل إلى تجنب استهداف المنشآت النووية، ومنشآت الطاقة الإيرانية في موجة الضربات الانتقامية الأخيرة، يبدو أن ترمب سيكون أقل حذرا، إذ قال في أكتوبر: "إنه على إسرائيل أن تضرب المنشآت النووية أولا وتهتم بالباقي لاحقا".
اتخذت إدارة ترمب الأولى موقفا متشددا تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي واتبعت سياسة "الضغط الأقصى" على النظام، كما نفذت عملية اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية في يناير/كانون الثاني 2020.
وفي تصريح له للصحافيين في سبتمبر/أيلول، قال ترمب إنه منفتح على عقد صفقة جديدة مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي. وأضاف: "علينا عقد صفقة لأن العواقب لا تُحتمل. علينا عقد صفقة". دون أن يقدم تفاصيل إضافية حول شكل هذه المفاوضات.
ورغم سعي ترمب إلى إنهاء التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، فإنه لم يكن معارضا تماما لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف واضحة، وفقا لما ذكره روبرت غرينواي، الذي شغل منصب مدير مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط في عهد ترمب. وقد يشمل ذلك منع إيران من الانضمام إلى القائمة القصيرة للدول التي تمتلك أسلحة نووية. وقال غرينواي: "قد يكون الخيار العسكري هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لمنع إيران من تطوير سلاح نووي".
كما أضافت أجهزة الاستخبارات الأميركية بُعدا جديدا، إذ حذرت من أن إيران خططت لاغتيال ترمب، وربما تواصل مساعيها في هذا الصدد بعد يوم الانتخابات. وعلّق غرينواي قائلا: "الأمر أصبح شخصيا الآن. لن أستبعد ذلك". (بقلم: إيمي ماكينون).
روسيا- أوكرانيا وحلف "الناتو"
انتقد ترمب تمويل الولايات المتحدة للجهود الحربية الأوكرانية، داعيا أوروبا إلى تحمل المزيد من عبء دعم كييف. ووصف الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بأنه "أعظم بائع في العالم" لحصوله على مبالغ طائلة من إدارة بايدن لصالح أوكرانيا، مع توضيح موقفه قائلا: "هذا لا يعني أنني لا أريد مساعدة زيلينسكي، لأنني أشعر بشفقة كبيرة تجاه هؤلاء الناس". ومع ذلك، أعرب عن شكوكه في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا.
وادعى ترمب أنه سيحتاج إلى أربع وعشرين ساعة فقط للتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأنه سينجز ذلك قبل تنصيبه في يناير. لكن ما زالت التفاصيل حول كيفية تحقيقه لهذا الهدف غير واضحة.
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" في يوليو/تموز 2023، اقترح ترمب أنه سيجبر زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات عبر إبلاغ زيلينسكي بأن كييف لن تحصل على مزيد من المساعدات الأميركية، بينما سيهدد بوتين بزيادة الدعم الأميركي لأوكرانيا بشكل كبير إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
ولم يقدم ترمب الكثير عن الشكل النهائي للتسوية التفاوضية، مكتفيا بالتعبير عن رغبته في "رؤية اتفاق عادل يتم التوصل إليه".
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك بعد قمتهما في 16 يوليو 2018 في هلسنكي، فنلندا
إلا أن نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس قدم بعض التفاصيل الإضافية حول ما قد يشمله هذا الاتفاق، مشيرا إلى أن ترمب سيترك تفاصيل اتفاق السلام للبلدين المتحاربين وأوروبا. وأوضح فانس أن الاتفاق قد يتضمن إنشاء منطقة منزوعة السلاح على خطوط القتال الحالية، بما يضمن لأوكرانيا الاحتفاظ بسيادتها مع إجبارها على التنازل عن بعض الأراضي التي تسيطر عليها موسكو حاليا، فضلا عن ضمان بقاء أوكرانيا محايدة، ما يعني عدم انضمامها إلى "الناتو" أو غيره من المؤسسات "الحليفة".
وأشار المحللون إلى أن هذه الشروط تشبه إلى حد كبير المطالب التي وضعها بوتين لوقف إطلاق النار، والتي رفضتها أوكرانيا ودول داعمة لها- من بينها الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا.
ترمب ليس من أكثر المؤيدين لحلف "الناتو"، ولا يحتفظ الحلف أيضا بمشاعر ودية تجاهه. فقد وبّخ ترمب الدول الأعضاء التي لا تفي بالحد الأدنى للإنفاق الدفاعي، وشجع روسيا على "التصرف كما تشاء" مع الدول التي لا تحقق نسبة الـ2 في المئة المطلوبة من الإنفاق الدفاعي. ومن بين 32 دولة عضوا في الحلف، هناك ثماني دول لا تستوفي هذا الشرط.
قبيل الانتخابات، سعى "الناتو" لتحصين نفسه ضد احتمال رئاسة جديدة لترمب. خوفا من أن يؤدي فوز ترمب بولاية ثانية إلى تقليص أو وقف المساعدات لأوكرانيا، كثّف الحلف من إنتاج الأسلحة والمعدات الأساسية، وعمل على تعزيز سيطرته على التدريبات والإمدادات إلى أوروبا. وفي قمة "الناتو" لهذا العام في واشنطن، أكد الحلف مجددا على أن "مستقبل أوكرانيا في الناتو" لكنه امتنع عن تقديم دعوة مباشرة لكييف للانضمام أو تحديد جدول زمني للعضوية.
من منظور روسيا، قد يمهد فوز ترمب بولاية ثانية الطريق لعلاقات أكثر ودية بين واشنطن وموسكو، حيث فضّل الكرملين الزعيم الجمهوري على منافسيه الديمقراطيين. ومع ذلك، يُبدي الروس ترددا بشأن وعود ترمب بإنهاء الصراع فورا. وعلق المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في سبتمبر بأن هذا التفكير ينتمي إلى "عالم الخيال".
ومنذ مغادرته المنصب، أفادت تقارير بأن ترمب تحدث إلى بوتين نحو سبع مرات. ولم يؤكد ترمب هذه المحادثات، لكنه علّق قائلا: "إنه إذا كانت قد حدثت، فإن ذلك يعتبر شيئا ذكيا". وفي سبتمبر التقى ترمب مع زيلينسكي في نيويورك. لدى الرئيس المنتخب تاريخ معقد مع زعيم أوكرانيا، حيث جرى عزل ترمب في عام 2019 بسبب الضغط على زيلينسكي للحصول على معلومات سياسية ضد بايدن والديمقراطيين لمساعدته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020؛ في ذلك الوقت، كان ترمب يحتجز حوالي 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة لأوكرانيا. (بقلم: ألكسندرا شارب).