أعتاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال فترته الرئاسية الأولى المزاح حول إمكانية ترشحه إلى فترات رئاسية أخرى بعد استنفاد الحدود القصوى الدستورية للمدد الرئاسية، ومع بداية فترته الرئاسية الثانية مطلع هذا العام، تكررت هذه التصريحات بوتيرة أكبر كان آخرها تصريحه لشبكة "NBC" الإخبارية الأميركية، بأنه "لم يكن يمزح" بشأن هذا الاحتمال، مشيرا إلى أنه من الممكن إيجاد "وسائل" قد تتيح له الترشح لفترات رئاسية أخرى، وتجاوز القيود الدستورية المفروضة في هذا الشأن.
تأتي هذه التصريحات في سياق سلسلة من المواقف والتصرفات تثير تساؤلات حول مدى التزام إدارته بالقيود والأطُر الدستورية التقليدية، خصوصا فيما يتعلق بالتوسع في الصلاحيات الدستورية للسلطة التنفيذية.وهو ما يطرح بالتبعية تساؤلا جوهريا: هل يمكن للرئيس الأميركي فعليا أن يتخطى القيود الدستورية– لا سيما التعديل الدستوري الثاني والعشرين– بشأن عدد فترات الرئاسة؟ وهل توجد فعلا "طرق قانونية أو سياسية أو واقعية" للالتفاف حول النص الدستوري؟ وما هو الموقف المحتمل من الكونغرس والمحكمة العليا، من سيناريوهات "الفترة الثالثة"؟
النص الدستوري قبل التعديل الثاني والعشرين
نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الدستور والمتعلقة بالسلطة التنفيذية على أن "تُناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الذي يتقلد منصبه لمدة أربع سنوات، ويتم انتخاب الرئيس، وكذا نائبه الذي يتم اختياره للمدة نفسها". وقد حددت هذه الفقرة الشروط الواجب توافرها فيمن يُرشح لمنصب الرئاسة بشكل مقتضب ومختصر للغاية، ولم تحدد الحد الأقصى للفترات الرئاسية كما خلت من أي موانع أخرى للترشح.
كان جورج واشنطن أول رؤساء الولايات المتحدة، هو من أرسى تقليد "الفترتين الرئاسيتين"، عندما رفض الترشح لفترة رئاسية ثالثة في انتخابات عام 1796، وذلك عندما أعلن في "رسالة الوداع" التي كتبها إلى الشعب الأميركي قبيل نهاية ولايته، ليشكره فيهاعلى منحه الثقة بانتخابه مرتين، ويذكرهم بخوفه على مستقبل نظام حكم الأمة الناشئة من تحوله لنظام حكم استبدادي أو شبه ملكي، ويوصيهم بُحسن اختيار من يصوتون له في الانتخابات، وأنه لم يترشح لتفادي نشوء حكم فردي دائم أو "ملكية جمهورية"، وذلك تعزيزا لمبادئ الحكم الرشيد، ومنعا لتركيز السلطة في يد شخص واحد، وضمانا للتداول السلمي للسلطة في الدولة الوليدة.
أسس واشنطن بذلك عُرفا دستوريا حرص الرؤساء اللاحقون ابتداء من توماس جيفرسون، الرئيس الثالث على الاقتداء به، واحترامه والاستمرار فيه لأكثر من قرن، باستثناء أربعة رؤساء لم يلتزموا بهذا التقليد، وحاولوا الترشح لفترة ثالثة وهم: يوليسيس غرانت (1869–1877)، وجروفر كليفلاند (1885-1889) و(1893-1897)– وهو الرئيس الوحيد، إضافة إلى ترمب، الذي أمضى فترتين رئاسيتين منفصلتين– بالإضافة إلى وودرو ويلسون (1913-1921) وأخيرا ثيودور روزفلت (1901-1909) حاولوا جميعا الترشح لفترة ثالثة إلا أنهم خسروا الانتخابات التمهيدية لأحزابهم لاختيار مرشح الرئاسة، لذلك وخلال الفترة من نهاية مدة واشنطن عام 1797 حتى بداية مدة فرانكلين روزفلت 1933تم اقتراح حوالي 12 محاولة لتعديل الدستور وتضمينه قيدا دستوريا صريحا على الحد الأقصى للمدد الرئاسية إلا أن هذه المحاولات جميعها لم يتم إقرارها.
فرانكلين روزفلت وفتراته الرئاسية الأربع
كان للظروف الاستنثنائية التي مر بها العالم عموما والولايات المتحدة خصوصا في فترة ما بين الحربين العالميتين أكبر الأثر على ولاية الرئيس فرانكلين روزفلت (1933-1945)، حيث ضرب الكساد العظيم اقتصاد الولايات المتحدة عام 1929، وبناء على ذلك تم انتخاب الرئيس روزفلت مرشحا عن الحزب الديمقراطي بحزمة برامج رئاسية طموحة تهدف لإعادة بناء الدولة وإنعاش الاقتصاد الأميركي، كان أهم هذه البرامج "برنامج الصفقة الجديدة أو الاتفاق الجديد"، خلال الفترة من (1933-1939).
وما لبثت أن اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939، ودخلت الولايات المتحدة الحرب رسميا عام 1941، كل هذه العوامل كانت حاسمة في استمرار ولاية فرانكلين روفلت قرابة 12 عاما،ترشح خلالها للرئاسة في أربع فترات، أكمل ثلاثا منها، وأمضى في الرابعة قرابة 83 يوما قبل وفاته في أبريل/نيسان 1945، وخلفه نائبه هاري ترومان الذي أكمل فترة روزفلت قبل ترشحه لمدة أخرى.