"المجلس العسكري" في السويداء... لماذا تشكل الآن؟

مستقبله مرهون بقدرته على تجاوز عزلته المحلية

أ ف ب
أ ف ب
مسلحون يشاركون في تشييع أفراد من الطائفة الدرزية السورية الذين قتلوا في الاشتباكات الأخيرة، في قرية صلخد في محافظة السويداء جنوب سوريا في 3 مايو

"المجلس العسكري" في السويداء... لماذا تشكل الآن؟

احتجز مسلحون محافظ السويداء مصطفى البكور، للضغط على دمشق لإطلاق معتقلين متهمين بجرائم. وكانت "وكالة الأنباء السورية الرسمية" (سانا) نقلت عن مصدر أمني في السويداء، قوله إن مجموعة من "المجلس العسكري" في السويداء استهدفت يوم 6 مايو/أيار2025 سيارة للأمن العام، تقل مصابين من أبناء السويداء، إلى محافظة درعا لتلقي العلاج.

لا علاقة مباشرة بين الحادثتين، لكنهما جاءتا بعد اتفاق بين محافظ السويداء، ووجهاء المحافظة على نشر الأمن العام في المحافظة، بحيث تكون العناصر من أبناء المحافظة نفسها، فيما يبدو أن الهدف من الاستهداف، هو إجهاض الاتفاق والعودة إلى مربع التوتر والتجييش، الذي شهدته المحافظة بعد أحداث جرمانا وصحنايا، وهم مدنيون من محافظة ريف دمشق التي تقطنها شريحة من المكون الدرزي، وانتهت المشكلة في المدينتين بالاتفاق على نشر الأمن العام فيهما، وسحب السلاح العشوائي منهما، الأمر الذي أوجد تخوفات لدى "المجلس العسكري" في السويداء من امتداد هذا الاتفاق إلى المحافظة، وهو ما يعني إنهاء دور "المجلس" نهائيا.

في هذا المقال سنتعرف على "المجلس العسكري" من حيث الأجندة السياسية التي يعمل لأجلها، وحجم النفوذ الذي يتمتع به في السويداء، والبنية التنظيمية لـه، ومستقبله في سياق المتغيرات الحاصلة في العلاقة بين الحكومة السورية، وباقي الفاعلين في السويداء.

شُكِّل "المجلس العسكري" في بلدة الغارية بمحافظة السويداء منذ 24 فبراير/شباط 2025، أي بعد سقوط نظام الأسد، وهو اتحاد مجموعات مسلّحة بقيادة طارق الشوفي، باستثناء "لواء الجبل"، و"مضافة الكرامة"، و"أحرار الجبل" بقيادة سلمان عبد الباقي، وليث البلعوس، ويحيى الحجار.

يتميز "المجلس العسكري" في السويداء بتنظيم عسكري وإداري متكامل، يهدف إلى إدارة الشؤون الأمنية والعسكرية في المحافظة، ويعكس وجود توجيهات استخباراتية خارجية في تأسيس بنيته الداخلية. ويضم "المجلس العسكري" ما لا يزيد على 800 مقاتل بحسب بعض التقديرات، بينما يدّعي "المجلس" أن عدد منتسبيه بلغ 22 ألف منتسب. وهو فصيل يتكون غالبه من أبناء الطائفة الدرزية.

ويُتهم "المجلس" بأنه على "تنسيق مع إسرائيل" بسبب تزامن التشكيل، مع تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يتحدث عن حماية الأقلية الدرزية جنوبي سوريا، ومطالبته بنزع السلاح من حكومة دمشق في محافظات السويداء والقنيطرة ودرعا.

ويؤكد الشوفي تنسيقه مع دول التحالف الدولي، موجّها الشكر لكل من يساند موقفه، ويسهم في حماية الطائفة الدرزية واستقرار المنطقة.

ويؤكد "المجلس العسكري" في بيانه التأسيسي على مجموعة من المهام، هي: حماية الأرض والعِرض من أي تهديد داخلي أو خارجي، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، والتصدي لأي محاولة لزعزعة أمن السويداء، وحماية جميع المواطنين دون تمييز.

رؤية "المجلس العسكري" لسوريا أنها دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، تكفل العدالة والمساواة بين جميع مكوناتها

كما يؤكد على مجموعة من الأهداف تتلخص في: ضمان الأمن والاستقرار في السويداء، والحفاظ على تماسك المجتمع وتضامنه، والعمل على تأسيس بيئة آمنة تضمن حرية المواطنين وكرامتهم، والتنسيق والتعاون مع كافة القوى الوطنية والدولية التي تسعى لمصلحة الشعب السوري.

رؤية "المجلس العسكري" لسوريا أنها دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، تكفل العدالة والمساواة بين جميع مكوناتها. وقد اعتمد "المجلس العسكري" في السويداء علما يحمل خريطة سوريا، وهو العلم نفسه الذي تستخدمه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والذي يفصل الأراضي التي تسيطر عليها "قسد" شرق الفرات عن بقية سوريا. والتعديل الوحيد هو إبراز محافظة السويداء بالنجمة الخماسية الدرزية.

قائد "المجلس العسكري" في السويداء طارق الشوفي

وأعرب "المجلس العسكري" عن انفتاحه على التعاون مع "قسد"، مشيدا بها كقوة دافعت عن أرضها وشعبها ضد الإرهاب والدكتاتورية. كما أعلن تأييده طلب الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في البلاد، حكمت الهجري، الحماية الدولية بعد أحداث جرمانا، وأشرفية صحنايا في ريف دمشق.

الشوفي هو ضابط في جيش النظام السابق، انشق عن النظام عام 2015، وأعلن عن تأييده للحراك في السويداء عام 2023، وشارك في المظاهرات في ساحة الكرامة. وكان الشوفي حينها ينتمي لما سُمّي "تيار سوريا الفيدرالية"، ويدعو إلى دولة لا مركزية في سوريا.

يقود "المجلس العسكري" 13 ضابطا هم قادة "المجلس". ويتألف الشكل التنظيمي للمجلس من عدد من الوحدات، والألوية، والكتائب، والسرايا

البنية العسكرية والنفوذ

يقود "المجلس العسكري" 13 ضابطا هم قادة "المجلس". ويتألف الشكل التنظيمي للمجلس من عدد من الوحدات، والألوية، والكتائب، والسرايا، على النحو التالي:

أ- الوحدات العسكرية الرئيسة:

لواء حرس الحدود: مسؤول عن تأمين حدود المحافظة ومنع التسلل أو التهديدات الخارجية، مع التركيز على المناطق الريفية المحيطة.

لواء المهام الخاصة: وحدة نخبة تتولى تنفيذ العمليات السريعة والمعقدة، مثل التصدي للتهديدات الإرهابية أو تنفيذ العمليات الخاصة خارج السويداء إذا لزم الأمر.

لواء مغاوير "المجلس العسكري": قوة قتالية مدرّبة على القتال في التضاريس الجبلية، تُستخدم في الدفاع عن المواقع الاستراتيجية، وتنفيذ العمليات الهجومية.

كتيبة مكافحة الإرهاب: متخصصة في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية، خاصة في ظل استمرار تهديد خلايا "داعش" في البادية المجاورة.

كتيبة تأمين الطرق والقوافل: تُعنى بحماية الطرق الرئيسة وتأمين حركة الإمدادات والمواطنين بين القرى والمدن.

سرية الشرطة العسكرية: مسؤولة عن الانضباط داخل الوحدات العسكرية، وملاحقة المخالفات العسكرية والمدنية المرتبطة بـ"المجلس".

ب- الأقسام الإدارية والداعمة:

مكتب المستشارين العسكريين: يضم خبراء عسكريين يقدمون الاستشارات الاستراتيجية لقيادة "المجلس"، مع التركيز على التخطيط طويل الأمد.

مكتب الأمن العام: يراقب الأوضاع الأمنية الداخلية، ويجمع المعلومات حول التهديدات المحتملة، وينسق مع الوحدات الميدانية.

المكتب السياسي: يتولى صياغة الرؤية السياسية للمجلس، والتواصل مع القوى السياسية المحلية والدولية، ويمثله شخصيات مثل جيهان المحيثاوي.

القسم الإداري والمالي: يدير الموارد المالية واللوجستية، بما في ذلك توزيع الرواتب والإمدادات على الوحدات.

قسم التنظيم: مسؤول عن هيكلة الوحدات، وتنظيم الصفوف، وضمان التكامل بين الأقسام المختلفة.

قسم العمليات: يخطط وينفذ العمليات العسكرية، ويراقب التحركات الميدانية في الوقت الفعلي.

قسم الإشارة: يدير الاتصالات بين الوحدات، ويضمن استمرارية التنسيق باستخدام أنظمة الاتصال الحديثة.

قسم الهندسة: يتولى بناء التحصينات، وإزالة الألغام، وصيانة المعدات العسكرية.

قسم المدفعية: يشرف على الأسلحة الثقيلة والدعم الناري، ويُستخدم في حالات الدفاع أو الهجوم الواسع.

قسم القضاء العسكري: يتولى التحقيق في الجرائم العسكرية، ومحاكمة المخالفين وفق قانون عسكري داخلي.

يتبنى "المجلس العسكري" موقفا عدائيا واضحا من حكومة دمشق، إذ يهاجم الشوفي الحكومة، ويرفض التعامل معها، واصفا إياها بـ"سلطات الأمر الواقع"

وتجدر الإشارة إلى أن "المجلس" آخذ في التوسع، وقد شهد مؤخرا انضمام فصائل جديدة، أبرزها: فصيل "قوات الجنوب"، و"العانات"، وتجمع "شباب حِبران".

التمويل والدعم

يعاني "المجلس العسكري" في السويداء من أزمة تمويل، حيث هاجم شبان مسلحون منزل طارق الشوفي، مطالبين بتسليم رواتبهم التي لم تُصرف. وأوضح "المجلس العسكري"، في بيان صادر بتاريخ 22 مارس/آذار، أن الشبان أطلقوا النار بشكل عشوائي، متهما "جهات معلومة"– لم يُسمّها– بالتحريض على هذا التصرف، بهدف التشويش على "نجاحات (المجلس) في توحيد الصفوف داخل المحافظة".

أ ب
الشيخ ليث البلعوس (وسط الصورة)، أحد زعماء الدروز في محافظة السويداء، يتحدث مع محافظ السويداء مصطفى البكور (يسار الصورة)، على الطريق السريع الذي عثر فيه على جثث مقاتلين دروز سوريين، 1 مايو

وأكد "المجلس العسكري" أنه لم يقدّم أي وعود بدفع رواتب للمنتسبين، قبل افتتاح مكاتب الانتساب رسميا وتسجيل عقود التطويع، مشددا على التزامه بالشفافية، والصدق في التعامل مع المجتمع المحلي، ومعتبرا أن "هذه الأعمال العبثية" لن تؤثر على مساعيه في "بسط الأمان والاستقرار في السويداء".

ورغم ذلك، لا يُخفي "المجلس العسكري" قبوله التعامل مع إسرائيل، إذ تشير بعض المصادر إلى أن تمويله يأتي عبر رجل الدين موفق طريف، المقيم في إسرائيل. كما يُعدّ الشيخ حكمت الهجري القائد الروحي والديني والسياسي للمجلس، ما يمنحه دعما معنويا في السويداء أمام الفصائل الرافضة لوجوده.

علاقة "المجلس" بالحكومة السورية

يتبنى "المجلس العسكري" موقفا عدائيا واضحا من حكومة دمشق، إذ يهاجم الشوفي الحكومة، ويرفض التعامل معها، واصفا إياها بـ"سلطات الأمر الواقع". ويدّعي "المجلس العسكري" أنه يستمد شرعيته من الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري.

وقد أصدر المكتب السياسي لـ"المجلس" بيانا أعلن فيه عدم اعترافه بالحكومة الانتقالية، واصفا إياها بـ"حكومة اللون الواحد"، كما رفض الإعلان الدستوري الصادر عن الحكومة السورية، وطالب بإقامة نظام حكم علماني ديمقراطي لا مركزي، وهي مطالب تتقاطع مع مطالب "قوات سوريا الديمقراطية" في تكريس اللامركزية بصيغتها الفيدرالية.

توقيت تشكيل "المجلس العسكري" في السويداء محاولة من بعض الضباط والعناصر العسكرية في تأسيس كيان عسكري منظم، يسعى إلى لعب دور محوري في إعادة تشكيل معادلات القوة والنفوذ على المستوى المحلي

هذا الموقف أثار بعض الحساسيات، إذ قامت "قوات الأمن العام" في 6 أبريل/نيسان 2025 باعتقال 25 عضوا من أعضاء "المجلس العسكري" في السويداء، أثناء توجههم إلى مدينة الرقة لحضور اجتماع مع قيادات من ميليشيا "قسد"، بدعم من الشيخ حكمت الهجري. وقد أثار ذلك استياء مجموعات متعددة من فصائل الدروز، ما دفع حكومة دمشق إلى المسارعة بالإفراج عنهم، وإعادتهم إلى السويداء، منعا لتصعيد محتمل بين الطرفين، وذلك بعد ساعات من احتجازهم في مدينة حمص.

عليه، يمكن القول إن توقيت تشكيل "المجلس العسكري" في السويداء جاء كمحاولة من بعض الضباط والعناصر العسكرية في المحافظة، لتأسيس كيان عسكري منظم، يسعى إلى لعب دور محوري في إعادة تشكيل معادلات القوة والنفوذ على المستوى المحلي. ويبدو أن هذا التشكيل يطمح إلى بناء تحالفات استراتيجية مع "قوات سوريا الديمقراطية"، بهدف خلق جبهة مناهضة لحكومة دمشق، مدعومة خارجيا، ما قد يمكّنه من فرض شروط تفاوضية جديدة على النظام، بعد فرض سيطرته على السويداء. ويعكس اختيار ضباط لقيادة "المجلس"، بدلا من رجال الدين، توجّها نحو بناء مؤسسة عسكرية ذات طابع مهني، تسعى إلى كسب الشرعية من خلال الأداء والتنظيم، وليس فقط من خلال الغطاء الديني.

أ ف ب
آلية تابعة للجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان، بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في 21 ديسمبر

غير أن طموحات "المجلس" تصطدم بجملة من التحديات البنيوية والواقعية؛ فالصراع على النفوذ والزعامة داخل السويداء لا يزال محتدما، و"المجلس" لا يمتلك بعدُ القوة أو الامتداد الشعبي الكافي لتجاوز الفصائل المحلية المتجذّرة، التي تتمتع بنفوذ أوسع وموارد أكبر. كما أن تحالفه مع الشيخ حكمت الهجري، رغم ما يمنحه من غطاء معنوي وروحي، لم يكن كافيا لتحييد خصومه المحليين أو توسيع قاعدة شرعيته.

على المستوى السياسي، ترفض حكومة دمشق الاعتراف بـ"المجلس" أو التعامل معه، بسبب خطابه التصادمي وسلوكه المعادي، فضلا عن الاتهامات التي تلاحق بعض قادته بتنفيذ أجندات إقليمية، تصبّ في مصلحة إسرائيل، التي تُتهم بالسعي إلى توظيف "المجلس"، كأداة لاختراق الجنوب السوري، وترسيخ وقائع جيوسياسية تمهّد لتقسيم فعلي للبلاد.

كل ذلك يجعل مستقبل "المجلس العسكري" في السويداء مرهونا بقدرته على تجاوز عزلته المحلية، وتوسيع تحالفاته الداخلية، وإثبات استقلالية قراره، بعيدا عن الشبهات الخارجية، في بيئة شديدة التعقيد، تتداخل فيها الحسابات المحلية والإقليمية والدولية.

font change

مقالات ذات صلة