تتوالى الأحداث في الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى بلغت أكثر مراحلها خطورة مع الهجوم الإسرائيلي الواسع و"المفاجئ" على إيران فجر الجمعة الماضي.
في لحظة بدا أن كل محاذير تحوّل الحرب في غزة إلى حرب إقليمية شاملة قد سقطت دفعة واحدة مع أول صاروخ إسرائيلي يسقط في طهران ومع أول عملية اغتيال لمسؤول إيراني رفيع. بل إن تتابع الأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023 كان يؤذن بالوصول إلى هذه اللحظة، لحظة الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، كأن كل ما حصل قبلها كان تمهيدا لها، وكأن هدف إسرائيل ومن ورائها أميركا كان منذ البداية بلوغ المرحلة الأخيرة من المواجهة لـ"تغيير الشرق الأوسط"، أي الحرب ضد إيران.
ليس بالضرورة أن يكون هذا السيناريو مرسوما منذ اللحظة الأولى لهجوم السابع من أكتوبر 2023، لكن "الإنجازات" التي حققتها إسرائيل ولاسيما في حربها ضد "حزب الله" ومن ثم خلق "لحظة مواتية" لسقوط النظام السوري، فضلا عن ترهيب الحشد الشعبي في العراق وكف يده عن مواصلة هجماته، والأمر نفسه بالنسبة للحوثيين وبصورة أعنف مع دخول البوارج والطائرات الأميركية على خط المواجهة، كل ذلك كسّر "مخالب" إيران الخارجية وجعل الإغراء بمهاجمة "الرأس" إغراء لا يرد بالنسبة لإسرائيل وأميركا في آن معا.
بيد أن ذلك كله لا يختصر ما يحصل الآن ولا يتيح توقع ما قد يحصل خلال الساعات والأيام والأسابيع المقبلة، فكل لحظة قد تحمل معها مفاجأة وكل لحظة قد تفتح شهيات الضرب وإيلام العدو أكثر فأكثر تبعا للنتائج المحققة وتقديرات التكلفة والجدوى من كل هدف يمكن تحقيقه. وهذا لا ينطبق على إسرائيل وحسب بل على إيران أيضا والتي تغرق في شبكة من الحسابات المعقدة جدا والتي لم تضطر إلى مثلها من قبل في ظل "التهديد الوجودي" الذي يواجهه نظامها راهنا.
فمصير المنطقة الآن رهن بمنطق الحرب المفتوحة الذي يدفع إسرائيل إلى الانتقال من حرب إلى أخرى بل والتنقل بين الحروب بحيث تفتح أكثر من جبهة في الوقت نفسه. وهو منطق قائم أصلا على فكرة أن "ما لا يحل بالقوة يمكن حله بمزيد من القوة"، ويلقى مبرراته "المنطقية" والعملية في تفوق الآلة العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية في المنطقة، بدعم غربي وبالأخص أميركي، وهو ما ظهر بوضوح وسريعا جدا في الهجوم الإسرائيلي على إيران، إذ سرعان ما تمكنت تل أبيب في اليوم الثاني من الهجوم من فرض سيطرة مطلقة على المجال الجوي الإيراني وهو ما أتاح للمقاتلات الإسرائيلية حرية حركة منقطعة النظير لضرب الأهداف المعينة داخل إيران، ناهيك بشبكات الموساد المزروعة في إيران والتي تنفذ هي الأخرى عمليات نوعية مفاجئة.