رفضت مصر الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران رفضا قاطعا لا لبس فيه، وحذّر كلٌّ من الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، في اتصالات دبلوماسية أجرياها، من اتساع نطاق الصراع الذي يمكن أن يخرج عن السيطرة ويتطور إلى كارثة إقليمية. وحثّ كلا المسؤولين على الوقف الفوري للعنف ودعيا إلى حل النزاعات بالوسائل السلمية وعبر المفاوضات.
ورفض القاهرة للتصعيد ليس مجرد خطاب بلاغي، بل يعكس الرؤية الاستراتيجية المصرية، التي تتشابك فيها الهموم الداخلية مع المعطيات الإقليمية على نحو عميق.
عدو قديم
لقد أمضت مصر وإيران العامين الماضيين في تمهيد الطريق بهدوءٍ لانفراجٍ دبلوماسي، وتجسد هذا الجهد في السياق الأوسع للمصالحة الإقليمية، حيث تتحول الأطراف التي كانت متخاصمة في السابق، بحذر،ٍ إلى أنداد دبلوماسيين. وقد اكتسب هذا التحول زخمًا بعد اتفاق السعودية وإيران عام 2023 على تطبيع العلاقات، بوساطةٍ صينية- وهي خطوة شجّعت مصر على استكشاف مسارٍ مماثل.
على مدى نصف القرن الماضي، لم يكن تردد مصر في التعامل مع إيران ناتجا عن عداءٍ مباشرٍ بقدر ما كان مدفوعا برغبةٍ في الحفاظ على علاقات جيدة مع حلفاء مصر الخليجيين. ولا يعني ذلك أنه لم يكن بين البلدين خلافات سياسية وأيديولوجية وجيوسياسية، وهي خلافات ما زالت قائمة، لا سيما منذ اندلاع الثورة الإيرانية في إيران عام 1979. وتعزز الخلاف بسبب معارضة إيران معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في العام ذاته، ولطالما كان دعمها جهاتٍ فاعلة غير حكومية، مثل "حزب الله" والحوثيين و"حماس"، تراها مصر عوامل مزعزعة للاستقرار الإقليمي، ناهيك عن شعور القاهرة بالاستياء العميق لدور إيران في تدمير سوريا والعراق.