"أوبك" تحافظ على توازن أسواق النفط... حتى الآن

إذا حدث تصعيد كبير يهدد الإمدادات أو أغلق مضيق هرمز فستحلق الاسعار

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
دخان يتصاعد من مبنى البورصة الإسرائيلي في تل أبيب جراء الغارات الإيرانية، 19 يونيو 2025

"أوبك" تحافظ على توازن أسواق النفط... حتى الآن

طالما كانت الحرب بين إسرائيل وإيران أكثر السيناريوهات المثيرة للخوف، والتي حذر المحللون من أن تداعياتها يمكن أن تعصف بمختلف الأسواق المالية في الشرق الأوسط والعالم.

لكن بعد أن تبادل الخصمان الهجمات منذ أسبوع في أول مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، تبين أن تأثير هذا التصعيد الإقليمي الخطير على الاقتصاد العالمي كان محدودا على الرغم من حدوث التقلبات الكثيرة التي شهدتها الأسواق المالية.

فقد ساهم التفوق الإسرائيلي الواضح على إيران في هذه المواجهة – بدعم من الولايات المتحدة – في احتواء التداعيات إلى حد كبير حتى الآن. ولم يسجل اضطرابات تجارية مماثلة لما شهده العالم في حرب أوكرانيا، التي أحدثت هزات شديدة في الأسواق ودفعت أسعار النفط إلى بلوغ 130 دولارا للبرميل قبل ثلاث سنوات.

في هذا الأسبوع، تكبدت مؤشرات أسواق الأسهم العالمية الرئيسة خسائر طفيفة، وأغلق بعضها على ارتفاع طفيف أمس، ومن بينها مؤشر "ناسداك" (0.13 في المئة)، ومؤشر "فايننشال تايمز" للشركات المئة (0.11 في المئة)، ومؤشر "نيكاي" (0.9 في المئة). وشهد سعر خام برنت ارتفاعا طفيفا فحسب ليصل إلى نحو 75 دولارا للبرميل.

يبقى التأثير الاقتصادي للحرب محدودا في ظل الوضع الراهن، ما لم تقدم الولايات المتحدة على شن هجمات على إيران، وترد طهران بهجمات على القواعد الأميركية

وربما يبقى التأثير الاقتصادي للقتال محدودا في ظل الوضع الراهن، ما لم تقدم الولايات المتحدة على شن هجمات على إيران، كما يشير الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستمرار، وترد إيران بهجمات على القواعد الأميركية في المنطقة، كما يهدد مسؤولوها.

وقال الزميل الأول للشؤون أمن الطاقة في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، كلاي سيغل، في تصريح لـ"المجلة": "لن تتجاوز أسعار النفط حاجز المئة دولار مرة أخرى إلا إذا وقع اضطراب كبير في منطقة الخليج العربي. أما توقف صادرات إيران، التي تبلغ 1.5 مليون برميل يوميا، فلن يكون وحده كافيا لإحداث مثل هذه الارتفاع في الأسعار".

وعلى الرغم من أن إيران تصر باستمرار على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، مثل إنتاج الطاقة النووية، فإن المجتمع الدولي يشكك في هذا الادعاء. واليوم، تمتلك الدولة التي تسعى إلى إبادة إسرائيل القدرة على إنتاج تسع قنابل نووية، حسبما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدما أطلق ما يمكن أن يتطور إلى حرب مدمرة.

خسائر فادحة لإيران

تجلى التفاوت الكبير في قدرات الجانبين المتحاربين بوضوح: فقد أسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية عن مقتل العديد من القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين، ودمرت أو ألحقت أضرارا بعدد كبير من المنشآت العسكرية والنووية ومرافق الطاقة في إيران. أما الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية، فإنها لم تكد تحقق أي نتائج ملموسة.

رويترز
أعلام إيرانية تبدو من خلفها النيران واعمدة الدخان في منشأة نفطية في طهران، قصفتها الطائرات الإسرائيلية، 15 يونيو 2025

في المقابل، لم يُظهر المسؤولون الإسرائيليون أي بوادر على التراجع. وقالوا إن الحملة العسكرية التي تشنها الدولة اليهودية ستستمر بلا هوادة حتى تحييد قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية وقدراتها الصاروخية الباليستية.

صمدت إيران – في الظاهر، وكثفت التهديدات مع تصعيد الهجمات ردا على الهجوم الإسرائيلي. وثمة مؤشرات الى أن الدولة الغنية بالنفط تأمل في التوصل إلى هدنة في الواقع بعد تعرضها لضربات شديدة. وأشار تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الاثنين الماضي إلى أن طهران تسعى لاستئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، وهو ادعاء أكده الرئيس ترمب لاحقا. وكان من المقرر عقد جولة من المفاوضات النووية في 15 يونيو/حزيران في مسقط لكنها ألغيت لأن إسرائيل شنت الحرب على الأراضي الإيرانية قبل ذلك بيومين.

تتزايد المخاوف من أن تعمد إيران، إلى الرد بإغلاق مضيق هرمز، الذي تشحن عبره الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط نحو خمس الإنتاج العالمي يوميا.

وقال مات سميث، كبير محللي النفط في شركة "كبلر" المتخصصة في بيانات السلع وتحليلاتها في تصريح لـ"المجلة": "يبدو أن شدة الهجمات الإسرائيلية ستدفع إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات على الأرجح". وأضاف "أن ذلك، إلى جانب الوجود البحري الكثيف في مضيق هرمز، سيسهم في الحد من تقلبات أسعار النفط".

تقليل الأخطار في مضيق هرمز

تزايدت المخاوف من أن تعمد إيران، في خضم تعرضها للهجوم، إلى الرد بإغلاق مضيق هرمز، الذي تشحن عبره الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط نحو خمس الإنتاج العالمي يوميا. لكن ذلك لم يحدث، واستمر تدفق حركة الملاحة عبر هذا الممر المائي الحيوي، على الرغم من أن البحرية البريطانية ألمحت إلى حدوث تداخلات في إشارات الملاحة، مما يزيد احتمال وقوع الحوادث.

.أ.ف.ب
تباين في اداء الأسواق العالمية وبلبلة في بورصة نيويورك، 13 يونيو 2025

وقال جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي الأول في الأسواق الناشئة في شركة "كابيتال إيكونوميكس" في تصريح لـ"المجلة": "هناك خطر واضح يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط إذا حدث تصعيد كبير يهدد إمدادات النفط في المنطقة، أي إذا تضررت البنية التحتية لتصدير النفط الإيراني و/أو أغلق مضيق هرمز".

وأضاف: "تشير تحركات الأسعار حتى الآن إلى أن تلك المخاوف، وخاصة المتعلقة بإغلاق مضيق هرمز، ليست مرتفعة، ربما بسبب الخسائر العسكرية التي تكبدتها إيران وجعلتها غير قادرة عمليا على استهداف المضيق". وذكر "مركز المعلومات البحرية المشترك" في مذكرة أنه يتوقع أن يظل متوسط حركة المرور التجارية الشهرية عبر مضيق هرمز دون تغيير، على الرغم من المخاوف في شأن احتمال فرض حصار كما توحي "الروايات الإعلامية".

تأثير "أوبك" واضح في استقرار الاسواق

قبل اندلاع الحرب الشاملة بين إيران وإسرائيل، كانت إسرائيل تشن ضربات متواصلة على حركة "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان المدعومين من إيران منذ أكثر من 20 شهرا، ومع ذلك ظلت أسعار النفط منخفضة بالفعل. ومنذ أوائل أبريل/نيسان الماضي، تراجع سعر خام برنت إلى ما دون 70 دولارا للبرميل، ثم ارتفع فوق هذا المستوى في يونيو/حزيران عندما بدأت تُقرع طبول الحرب.

العامل الأهم هو وجود 3-4 ملايين برميل يوميا من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمتلكها "أوبك+"، وخصوصا السعودية. وهذه الكمية أكثر من كافية لتغطية توقف أي صادرات من إيران، لكنها لا تكفي للتعامل مع اضطراب كبير في الإمدادات من الخليج

كلاي سيغل، خبير في شؤون أمن الطاقة في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"

وقد اتفقت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها على زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في مايو/أيار ويونيو/حزيران ويوليو/تموز، مما أدى إلى ارتفاع الإمدادات أكثر من المتوقع، وأحدث هدوءا في أسعار النفط خلال الشهرين الماضيين.

وكانت دفعت المملكة العربية السعودية، العضو الأبرز في "أوبك" وأكبر منتج في المنظمة، إلى هذا الاتجاه في الغالب لاستعادة حصتها في السوق ومعاقبة الدول الأعضاء التي لا تلتزم حدود الإنتاج. وربما تتبع ذلك زيادات كبيرة أخرى. ومع ذلك، فإن تلك الإجراءات لن تحول دون ارتفاع كبير في الأسعار إذا حدث تصعيد كبير يؤدي إلى تورط دول أخرى في الصراع واتساع نطاقه، مما قد يؤدي في النهاية إلى إغلاق مضيق هرمز.

وقال سيغل من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية": "ليس من الواضح ما إذا كانت الزيادات الأخيرة التي أقرتها أوبك على مستويات الإنتاج المستهدفة قد أدت إلى ضخ كميات من النفط تفوق ما كان متوقعا في السوق العالمية".

رويترز
وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، خلال حضوره منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، روسيا، 19 يونيو 2025

وأضاف: "العامل الأهم هو وجود 3-4 ملايين برميل يوميا من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمتلكها "أوبك بلاس"، وخصوصا المملكة العربية السعودية. وهذه الكمية أكثر من كافية لتغطية توقف لصادرات إيران، لكنها لا تكفي للتعامل مع اضطراب كبير في الإمدادات القادمة من الخليج"، لافتا إلى "أن الطاقة الإنتاجية الفائضة للمملكة تقع في الجزء العلوي من نقطة التوتر المحتملة في مضيق هرمز، ولا يمكن للمسار البديل إلى محطات البحر الأحمر أن يستوعب إلا جزءا محدودا من صادرات المملكة المعتادة".

هل يصب ترمب الزيت على النار؟

قال الرئيس دونالد ترمب يوم الأربعاء الماضي، ردا على سؤال عن احتمال إصداره أمرا للقوات الأميركية بمهاجمة إيران، "ربما أفعل ذلك. وربما لا". وهو تصريح يعكس نهجه المتقلب الذي ساهم كثيرا في عدم القدرة على التنبؤ بمسار الصراع.

وفي غضون أيام، تراوح موقف ترمب بين الانفتاح على إجراء محادثات مع إيران واستبعاد احتمال ذلك، مع أنه ألمح إلى أن الولايات المتحدة تقترب من توجيه ضربة اليها. وتُصر الحكومة الإيرانية على أنها سترد إذا أقدم على تنفيذ  تهديده.

إذا تعرضت ناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال لهجمات متفرقة، ولكن استمرت التدفقات، فإن الأسعار ستشهد ارتفاعا معتدلا مع تصاعد تكاليف الشحن وتعليق بعض المشاركين عملياتهم في المنطقة

كلاي سيغل، خبير في شؤون أمن الطاقة في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترمب أبلغ مستشاريه الكبار مساء الثلاثاء الماضي بأنه وافق على خطط الهجوم، لكنه أرجأ إصدار الأمر النهائي لمعرفة ما إذا كانت طهران ستتخلى عن برنامجها النووي. ويقول سيغل إنه حتى لو مضى قدما في ذلك، فإن الصراع قد لا يؤدي إلى حدوث ارتفاعات هائلة في أسعار الطاقة.

.أ.ف.ب
ارتفاع اسواق النفط العالمية على وقع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، تكساس، 18 يونيو 2025

ويضيف: "إذا تعرضت ناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال لهجمات متفرقة، ولكن استمرت التدفقات، فإن الأسعار ستشهد ارتفاعا معتدلا مع تصاعد تكاليف الشحن وتعليق بعض المشاركين عملياتهم في المنطقة"، لافتا الى "أن سيناريو الارتفاع الحاد للأسعار هو ذلك الذي تتوقف فيه حركة المرور في مضيق هرمز تماما، و/أو تنخفض فيه أحجام صادرات دول الخليج بشكل كبير، كأن تتعرض منشأة للتصدير لهجوم مباشر. سيهيمن التشاؤم على السوق، لكن تجدر الإشارة إلى أنه عندما تعرّضت منشأة بقيق التابعة لأرامكو السعودية للهجوم في سنة 2019، تم إصلاح الأضرار بسرعة كبيرة".

font change

مقالات ذات صلة