ترمب وإيران... ما بعد "فوردو"

من المرجّح أن يكتفي الرئيس الأميركي بضربة... ويُعلن "النصر"

أ ف ب
أ ف ب
صورة فصائية نشرتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" لمنشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، جنوب طهران، والتُقطت في ١٢ فبراير/شباط ٢٠٢٥

ترمب وإيران... ما بعد "فوردو"

الزعم بأن الحرب بين إيران وإسرائيل، تتلخّص في مصير منشأة فوردو هو تبسيط، بل ومضلّل أيضا. فلنفترض، للحظة، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرّر إرسال طائرات حربية أميركية، لتدمير الموقع النووي المدفون تحت الأرض. فماذا بعد؟ ما الخطوة التالية بالنسبة للولايات المتحدة؟ وكيف سيكون ردّ إيران؟

نظرا لتوجّس ترمب العميق، ولأسباب وجيهة، من أيّ أنخراط مفتوح في الشرق الأوسط، فمن المرجّح أن يكتفي بالضربة، فيعيد القاذفات إلى قواعدها، ويُعلن "النصر". ولكن هل من شأن ذلك أن يَحلّ المشكلة فعلا؟ أشكّ في ذلك.

لقد توعّدت إيران، في حال تعرّضها لهجوم، بالانتقام من القوات والمصالح الأميركية في المنطقة، وهو ما سيكون أسهل عليها بكثير، بالنظر إلى القرب الجغرافي للقواعد الأميركية في الخليج– أحد الأسباب الرئيسة لفشلها النسبي في استهداف إسرائيل، إلى جانب افتقارها إلى سلاح جوّ حديث.

وإذا أطلقت إيران النار– وهو ما ستفعله– ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للردّ بقوة مدمّرة، وربما تمضي نحو "الضربة القاضية" عبر تصفية القيادة في طهران بقتل "المرشد" علي خامنئي، كما هدّد ترمب مؤخرا. وفي خضمّ مثل هذا الاشتباك، ستكون الخسائر الأميركية حتمية، وإن تكُن على الأرجح أقلّ وطأة، نظرا لحالة التأهّب القصوى للقيادة المركزية الأميركية، ولأمر ترمب بإجلاء عدد كبير من أفراد القوات الأميركية من المنطقة، وهي ستظلّ بكل تأكيد ضئيلة مقارنة بما ستتكبّده إيران.

رويترز
تصاعد الدخان عقب هجوم إسرائيلي على مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية، في طهران، إيران، 16 يونيو/حزيران 2025

دعونا نستعرض سيناريو الحرب المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران: هل سيكون من مصلحة واشنطن أن تواجه إيران فراغا سياسيا وأمنيا محتملا، وهي دولة يتجاوز عدد سكانها 90 مليون نسمة، وتضمّ تركيبة سكانية متعدّدة الأعراق؟ الجواب الصريح، والذي لا يرغب كثير من الإيرانيين في سماعه، هو "لا" ذلك أن ما جرى في العراق وأفغانستان، لا يزال ماثلا في الأذهان.

لا أحد يتحدّث عن إرسال آلاف الجنود الأميركيين إلى إيران، لإسقاط النظام واستبداله بآخر أكثر ودّا للولايات المتحدة. هذا السيناريو مستبعَد تماما

وإذا ظن البعض أن رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران وولي العهد السابق، يُمثّل الحلّ، فاسمحوا لي أن أكون متشككا في ذلك، فلا أحد يعرف على وجه الدقة مدى شعبيّة هذا الرجل، والحق أن الشعب الإيراني يستحق أكثر من مجرّد إعادة تدوير للماضي. بهلوي يقول ما يريد الناس سماعه، ويقدّم نفسه كمنقذ، لكن المشهد يبعث على التذكير بأحمد الجلبي، السياسي العراقي الذي أقنع الولايات المتحدة، من منفاه، بغزو العراق عام 2003، ثم فشل في الوصول إلى الحكم بينما كان بلده يتفكك تحت وطأة العنف الطائفي.

لقد كان ثمة سبب وجيه جعل الولايات المتحدة تحجم عن الإطاحة بصدام حسين بعد عملية "عاصفة الصحراء" عام 1990–1991، وهو درس تجاهله جورج دبليو بوش بوضوح بعد 22 عاما. واليوم، قد تكون واشنطن أمام لحظة قرار مشابهة: فإذا دمّر ترمب فوردو، فهل سيتوجّب عليه المضيّ قدما نحو إعادة هندسة سياسية كاملة في إيران، تطيح بملالي 46 عاما من الحكم القائم على التطرف والعنف؟

أ ف ب
واشنطن أرسلت حاملة الطائرات "يو إس إس أيزنهاور" الضاربة لدعم حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد ر. فورد" والسفن الحربية المرافقة لها، والتي كانت متواجدة بالفعل في الشرق الأوسط

فلنكن واضحين: لا أحد يتحدّث عن إرسال آلاف الجنود الأميركيين إلى إيران، لإسقاط النظام واستبداله بآخر أكثر ودّا للولايات المتحدة. هذا السيناريو مستبعَد تماما. لكن الحقيقة أنه إذا مضى ترمب في خيار "قطع الرأس"، فلا بد من بديل. شيء ما يجب أن يحل محل النظام، سواء تدخلت واشنطن أم لم تتدخل.

إن إعادة تأسيس إيران على أسس سياسية جديدة، يقتضي تدمير منظومة ولاية الفقيه والحرس الثوري وحلفائهما، وهي عملية لن تكون بلا دماء

الشعب الإيراني عالق بين خيارين أحلاهما مر: فإذا اكتفت إدارة ترمب بالقصف دون إسقاط القيادة في طهران، فسيُترك الإيرانيون لمصير نظام ربما يصبح أكثر تشددا، وسيجد وسيلة، ربما بعد سنوات، لاستئناف برنامجه النووي وسياساته التوسعية في الإقليم. في هذه الحال، لن يكون ترمب قد فعل سوى شراء بعض الوقت.

أما إذا قصفت واشنطن وقتلت القيادة الإيرانية، من دون أن تنخرط إطلاقا في "اليوم التالي" ولست أدري كيف يمكنها أن تفعل ذلك أساسا، فسيتحتم على الإيرانيين بناء بلد بلا مؤسسات حكم، ولا بنية اقتصادية مستقلة عن "الحرس الثوري". إن إعادة تأسيس إيران على أسس سياسية جديدة، يعني تدمير منظومة ولاية الفقيه و"الحرس الثوري" وحلفائهما، وهي عملية لن تكون بلا دماء. وكما هي الحال في كلّ الحروب، فإن الأبرياء هم من يدفعون الثمن. والشعب الإيراني ليس استثناء في هذا المأزق القاتم. إنها لحظة تتجاوز "فوردو" بكثير.

font change

مقالات ذات صلة