الحاخام أبراهام كوبر لـ"المجلة" بعد لقائه الشرع: ترمب يريد ضم سوريا إلى "الاتفاقات الإبراهيمية"

تحدث عن خطط ترمب بين سوريا وإسرائيل وقال ان دمشق تعطي أولوية لوقف التصعيد

الحاخام أبراهام كوبر لـ"المجلة" بعد لقائه الشرع: ترمب يريد ضم سوريا إلى "الاتفاقات الإبراهيمية"

الحاخام أبراهام كوبر معروف بدوره في الدبلوماسية الخلفية وترتيب الأرضية لاختراقات علنية، وكان له دور تمهيدي مهم قبل انضمام البحرين والإمارات إلى "الاتفاقات الإبراهيمية".

كوبر زار- مع القس جوني مور- دمشق في منتصف يونيو/حزيران والتقيا الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني بعد لقائه في نيويورك خلال أبريل/نيسان الماضي.

عن زيارته إلى دمشق والدور الذي يلعبه وتصوراته لمستقبل الوضع في سوريا والعلاقة بين دمشق وتل أبيب، أجرت "المجلة" حوارا موسعا مع كوبر عبر تطبيق "زووم" في 12 يونيو. لكن نشر المقابلة تأخر بسبب انطلاق الحرب الإسرائيلية-الإيرانية. أرسلت له سؤالا عنها وأجاب عنه خطيا.

يقول كوبر إن القسم الأهم من زيارته ومور إلى العاصمة السورية "كان بلا ريب لقاءنا على مدى ساعتين مع الرئيس (الشرع). ومن الإنصاف القول إنك حين تجلس مع شخص يحمل خلفية إسلامية واضحة– ويُعرّف نفسه بذلك علنا– ومع ذلك يتبنّى رؤية لسوريا تتّسع لجميع مواطنيها، وينظر إلى الأمور بعقلية استراتيجية وعملية تهدف إلى إخراج سوريا من قوائم الدول المعادية في منطقة شديدة الاضطراب، ويعبّر بصدق عن أمله في بناء السلام، فإن ذلك يترك أثرا بالغا".

ثم أشار كوبر إلى أنه طرح خلال لقاءاته مع المسؤولين السوريين مشروعين: "الأول يهدف إلى مساعدة عشرات الآلاف من العائلات السورية– وربما أكثر– في معرفة مصير أحبائهم، ويتمحور المشروع حول جمع وتحليل الحمض النووي. الفكرة الثانية. حين سافرت إلى دمشق لأول مرة، أدهشني اتساع الأراضي القاحلة، في حين أنه على بعد خطوات قليلة فقط، تمتلك إسرائيل خبرات متقدمة في مجالي المياه والزراعة. الفكرة تكمن في المزيد من الحركة والتعاون في هذه المجالات الحيوية".

وسئل كوبر إذا كان الشرع يريد عقد اتفاق سلام، فأجاب: "أعتقد أنه يملك الأدوات والمهارات التي تؤهله لذلك، لكن تحقيق السلام يتطلب الكثير من العمل من كلا الجانبين. وإذا استدعى الأمر المضي خطوة بخطوة نحو خفض التصعيد، فهذا بحد ذاته أولوية كبرى للدولة اليهودية". وأضاف: "الأولوية في هذه المرحلة ستكون لخفض التصعيد... نعم، نطمح إلى سلام دافئ، ولا يشترط أن يكون وفق جدول أعمال اتفاقيات أبراهام".

وقال كوبر ردا على سؤال: "الخلاصة، ببساطة: إذا دعا الرئيس ترمب الزعيمين (الشرع ونتنياهو)، واحتضنهما معا وقال لهما (نحن معكما بالكامل) يمكن أن يُوقَّع اتفاق أبراهام في وقت أقرب بكثير". وزاد: "المزيد من الانخراط من قبل الرئيس ترمب سيقربنا من اتفاقيات أبراهام، أما في غيابه، فسنسير خطوة بخطوة. وفي كلتا الحالتين سنستمر نحن في لعب دور النودج (الإلحاح)". وأكد على أن الجانب السوري يعطي أولوية لتثبيت اتفاق "فك الاشتباك" لعام 1974 الذي خرقته إسرائيل بعد انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وهنا نص المقابلة مع الحاخام أبراهام كوبر، نائب العميد ومدير قسم المشاركة المجتمعية العالمية في مركز "سيمون فيزنتال للدراسات والمبادرات الدولية":

غيتي
الحاخام أبراهام كوبر

* هل تعتقد أن الحرب بين إيران وإسرائيل سيكون لها أي تأثير على جهودكم في سوريا؟

- إن الهزيمة الكاملة لطغيان إيران ستكون ذات أثر عظيم على شعب إيران، وشعب إسرائيل، ومستقبل سوريا، لما تحمله من بشائر باستقرار أكبر، وأمل لمستقبل أحفادنا. كثير من الإنجازات العظيمة باتت ممكنة.

أما بالنسبة إلى سوريا، فقد يبعث ذلك في نفوس أبنائها أملا جديدا بتحسّن الأوضاع، وتوقف نزيف الكفاءات. فلنبدأ بعمل مشترك بين أتباع الديانات المختلفة، في سبيل سلام حقيقي.

الهزيمة الكاملة لطغيان إيران ستكون ذات أثر عظيم على شعب إيران، وشعب إسرائيل، ومستقبل سوريا، لما تحمله من بشائر باستقرار أكبر، وأمل لمستقبل أحفادنا. كثير من الإنجازات العظيمة باتت ممكنة

* كيف كانت رحلتك إلى دمشق؟

- أعتقد أنها كانت– على قصرها– مليئة بالمفاجآت. كل لقاء من اللقاءات التي أجريناها، إلى جانب تجوالنا في الحي المسيحي، ومجرد رؤية الناس يعودون إلى الشارع، كان باعثا على الانتعاش.

لم نعثر على الشخص الذي يحتفظ بمفتاح الكنيس، لذا لم أتمكن من أداء صلواتي هناك، ما يعني أن ذلك سيؤجل إلى الزيارة القادمة.

لكن الجزء الأهم من الزيارة كان بلا ريب لقاءنا (أنا والقس جوني مور) على مدى ساعتين مع الرئيس (أحمد الشرع). ومن الإنصاف القول إنك حين تجلس مع شخص يحمل خلفية إسلامية واضحة– ويُعرّف نفسه بذلك علنا– ومع ذلك يتبنّى رؤية لسوريا تتّسع لجميع مواطنيها، وينظر إلى الأمور بعقلية استراتيجية وعملية تهدف إلى إخراج سوريا من قوائم الدول المعادية في منطقة شديدة الاضطراب، ويعبّر بصدق عن أمله في بناء السلام، فإن ذلك يترك أثرا بالغا.

وقد بدا لي أنه تناول القضايا بقدر من العمق يفوق ما سمعناه من وزير الخارجية (أسعد الشيباني) خلال لقائنا السابق قبل بضعة أسابيع في نيويورك. إلا أن ذلك اللقاء اضطررنا لعقده في مبنى مقابل لمقر الأمم المتحدة، نظرا إلى أن وزير الخارجية كان حينها خاضعا لعقوبات تمنعه من دخول مقر المنظمة أو السفر إلى أي مكان آخر. وقد صادف أنني كنت في نيويورك في ذلك اليوم. واليوم، إذ أسترجع تلك اللحظة، أجد من اللافت كم أننا قطعنا شوطا بعيدا في فترة وجيزة للغاية.

رسالتي الأولى للرئيس الشرع كانت ببساطة: "أنا لا أمثّل أي حكومة، ولست جاسوسا. أنا مجرد رجل يهودي يحمل جواز سفر أميركيا"

* عقدت لقاءات أخرى؟

- نعم. على صعيد موازٍ، عقدنا اجتماعا مطولا مع ما بين خمسة عشر إلى عشرين من القادة المسيحيين من مختلف أنحاء سوريا، إلى جانب بعض ممن يعملون أيضا في لبنان. وما لفتني في هذا اللقاء تشابه في الإجابة عن سؤال طرحناه بين وزير الخارجية والقادة المسيحيين، وذلك حين سألنا: ماذا سيحل باليهود؟ ماذا عن هذه المجموعة؟ وكان الجواب واحدا، ففيما أجاب الوزير بقوله: "أملنا أن تكون هناك سوريا موحدة، بجيش واحد، ومواطنة متساوية لجميع أبنائها"، جاءت إجابة القادة المسيحيين أقرب إلى الدعاء والتمني، إذ أعربوا عن رجائهم في أن يحظوا بمكانة المواطنين المتساوين في سوريا.

يشدني هذا الموضوع بشكل خاص، لأنني– كما تعلمون على الأرجح– قد توليت العام الماضي رئاسة لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية. وبشكل أوسع، من خلال عملي الممتد لنحو نصف قرن كناشط، صرت أكثر وعيا بحقيقة أن النظر إلى حقوق الإنسان من خلال عدسة الحرية الدينية يتيح معيارا مهماً للحكم على صحة المجتمعات. فطريقة تعامل مجتمع ما مع جماعاته الدينية المختلفة، أو ما يُطلق عليهم أحيانا الأقليات، تكشف الكثير عن عدالته. بعد زيارتي الأولى، آمل أن نتمكن من التوفيق بين رؤية القيادة العليا والأسس العملية التي تكفل جودة حياة المواطنين على امتداد البلاد. ومع ذلك، ليس من اللائق أن يشرع شخص قضى في سوريا ما لا يتجاوز خمسا وثلاثين ساعة، في تقديم مقترحات أو تصورات. ومع ذلك، أشعر أن هناك بارقة أمل.

وأيضا، لم أزر البوابات السبع جميعها، بل زرت واحدة فقط.

واس
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع خلال لقائهما في الرياض في 14 مايو 2025

* كما ذكرت، التقيتما الوزير الشيباني في نيويورك، ثم التقيت الرئيس الشرع في دمشق. فما هي رسالتك الأساسية للمسؤولين السوريين؟

- رسالتي الأولى للرئيس كانت ببساطة: "أنا لا أمثّل أي حكومة، ولست جاسوسا. أنا مجرد رجل يهودي يحمل جواز سفر أميركياً. نهجي بسيط للغاية. أعتقد أن المساهمة التي يمكن لأشخاص مثلي، وكذلك القس (جوني) مور، أن يقدموها تكمن في أمرين: أولا، التعرف على الأمور، وقد قيل ذات مرة إن 95 في المئة من القيادة يكمن في مجرد الظهور. نحن نسعى إلى اختبار الواقع بأعيننا، ثم نقل ما نشعر به للمسؤولين في مختلف الحكومات، بطريقة واقعية وعملية.

أنا ملتزم بدعم المشاريع الإنسانية المستدامة، خصوصا تلك التي تجمع مشاركين من خلفيات ثقافية وجغرافية متعددة. وخلال الاجتماع، عرضت مشروعين كنت قد أشرت إليهما بإيجاز من قبل أمام وزير الخارجية، وما زلت آمل في متابعتهما.

المشروع الأول يهدف إلى مساعدة عشرات الآلاف من العائلات السورية– وربما أكثر– في معرفة مصير أحبائهم، وإغلاق دائرة الحزن التي يعيشونها. ويتمحور المشروع حول جمع وتحليل الحمض النووي، بالتعاون مع خبراء من بينهم الأب باتريك ديبوا، المقيم في باريس، والذي تحدّثت معه مسبقا، وقد أعرب عن استعداده للمشاركة حال تنفيذ المشروع. ديبوا يملك خبرة طويلة ومؤلمة في التحقيق في المقابر الجماعية، من أوكرانيا خلال الحرب العالمية الثانية، إلى أميركا الوسطى، مرورا بالعراق.

الطريق من المطار إلى دمشق كفيل بأن يكون مقدمة كاشفة لحجم التحديات الهائل، ولما يلزم من بنية تحتية ينبغي العمل عليها. إنها قائمة طويلة جدا. لا يمكننا إنجاز كل شيء

الفكرة تقوم على جمع عينات الحمض النووي من العائلات، ومقارنتها برفات الضحايا في المقابر الجماعية، بمساعدة السلطات المحلية وخبراء دوليين. والهدف أن تتمكن العائلات من إغلاق هذا الجرح، إما بدفن أحبائهم كما يليق، وإما على الأقل بمعرفة حقيقة ما جرى لهم.

طبيعي أن هذا المشروع سيستغرق زمنا وسيحتاج إلى دعم ومشاركة من أفراد ومؤسسات. وقد أوضحت للرئيس ووزير الخارجية أن هذه المبادرة ستخدم جميع السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية. لم أتلقّ ردا مباشرا بعد، ولكنني عازم على متابعة الأمر.

الفكرة الثانية ذات نطاق أوسع. حين سافرت إلى دمشق لأول مرة وتأملت الخريطة، أدهشني اتساع الصحراء– كمٌ هائل من الأراضي القاحلة، في حين أنه على بعد خطوات قليلة فقط، تمتلك إسرائيل خبرات متقدمة في مجالي المياه والزراعة. يمكن حرفيا عبور الحدود بالسيارة، ولا حاجة لحاخام من لوس أنجليس أو قس من واشنطن للقيام بدور الوسيط. الفكرة تكمن في تمكين مزيد من الحركة والتعاون في هذه المجالات الحيوية. قد لا يزال الوقت مبكرا للحديث عن اتفاقيات رسمية بين الحكومات، لكن لدينا سوابق ناجحة من خلال العمل عبر المنظمات غير الحكومية، كما حدث في البحرين في السنوات التي سبقت اتفاقيات أبراهام، وإلى حد ما في الإمارات العربية المتحدة أيضا.

أنا على وشك أن أحتفل بعيد ميلادي الخامس والسبعين خلال أيام قليلة. كثيرون يقولون لي: "انتظر حتى عام 2030، سترى السعودية الجديدة". وكنت أجيبهم مازحا: "لقد أجريت الحسابات، وإذا بقيت حيا حتى عام 2030، فسأكون قد بلغت الثمانين من عمري. وأنا ببساطة لا أملك ترف الانتظار حتى ذلك الحين".

* هل تعمل على اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل؟

- أنا مبارك بطرق لا تُعد. حتى وإن لم أكن خبيرا، فإن الطريق من المطار إلى دمشق كفيل بأن يكون مقدمة كاشفة لحجم التحديات الهائل، ولما يلزم من بنية تحتية ينبغي العمل عليها. إنها قائمة طويلة جدا. لا يمكننا إنجاز كل شيء. لقد بلغت من العمر ما يكفي لأتجنب إطلاق وعود لا أقدر على الوفاء بها. لكن الفكرة الجوهرية التي أريد التأكيد عليها هي أن الدبلوماسيين يوقّعون المعاهدات، أما السلام فتصنعه الشعوب.

حساب جوني مور على أكس
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يتوسط الحاخام أبراهام كوبر والقس جوني مور خلال لقائهم في نيويورك في أبريل 2025

* تقصد تشجيع دبلوماسية الشعب مع الشعب؟ تقصد إيصال المياه من إسرائيل إلى ضواحي دمشق، أليس كذلك؟

- أعني بذلك أن نبدأ بتبادل الخبرات، وخاصة في مجال المياه، حيث تمتلكون خبرات مهمة يمكن مشاركتها. بعد لقائي مع وزير الخارجية، تحدثت مع عدد من الإسرائيليين، من بينهم سيدة تدير منظمة غير حكومية متميزة في أفريقيا تختص باستصلاح الأراضي، وقد حققت نتائج لافتة. وهناك معاهد يعرفها السوريون، وتختص بخبرات محددة، مثل معالجة المياه المستخدمة وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب. الأشخاص القادرون على ذلك قريبون جدا منكم، وكل ما يحتاجونه هو مكالمة هاتفية.

* ما نوع الرد الذي تلقيته؟ هل جاءك أي رد إيجابي؟

- يمكنني القول: لا، ليس بشكل مباشر. أولا، لم أتلقَ أي رد بشأن مشروع الحمض النووي. وهذا قد يكون مؤشرا إيجابيا للغاية أو سلبيا للغاية. سنكتشف ذلك في الأسابيع المقبلة، لأنني أعتزم الاستمرار في متابعة الأمر. أما بخصوص المشروع الآخر، فقد جاء الرد في إطار أشبه بالدائرة المفرغة، على طريقة "الدجاجة والبيضة": علينا أولا أن ننجز "س"، وعندها يمكننا الحديث عن "ص". أنا أتفهم ذلك من رئيس دولة، وأتفهم منطق السياسيين والدبلوماسيين. لكنني رجل مسن، ولا أملك ترف الانتظار؛ فالصحراء تناديني.

قبل اتفاقيات أبراهام، لم يكن لدينا أي ضمان بأنها ستحدث أصلا، لكن كنا نعرف أمرا واحدا: أن الحاجة هائلة. واليوم، لا داعي للقلق. فثمة رجال أعمال قادمون من أنحاء العالم

* ما الذي ينبغي إنجازه أولا؟

- أود القول إنه، إذا أُتيحت لي الفرصة، فهناك طريقتان للقيام بذلك. الأولى، أننا منظمة غير حكومية، ولنأخذ ما حدث في البحرين، على سبيل المثال، نموذجا. قبل عامين من التوقيع على الاتفاق، دعونا أربعة وعشرين قائدا دينيا ليكونوا ضيوفنا في القدس. وقد لبّوا الدعوة، وكان الأمر رائعا، وترك أثرا مضاعفا، إن كنت تفهم ما أعني.

أعتقد أننا، في هذه الحالة، نرغب في الحديث عن المياه، لا عن الأيديولوجيا أو الزراعة. وهذان أمران مختلفان يمكن فعلهما: الأول، أن نحضر خمسة أو ستة خبراء إلى دمشق، ليقضوا يومين في الميدان حيث تكون الأوضاع آمنة، ويمكنهم الانطلاق من هناك، بشكل عام. أو أعطوني، بدلا من ذلك، قائمة بخمسة أو ستة خبراء سوريين يحتاجون إلى دعم ليجلسوا مع نظرائهم من إسرائيل، حتى من دون وجودي بينهم. دعهم يبدأوا هذه العملية الأولية. ليس بالضرورة أن تكون علنية. طبعا، لا أظن أنه يمكن فعل شيء في إسرائيل بسرّية تامة، ولكن على الأقل يكون مشروعا عمليا، يتضمن تواصلا إنسانيا. وإذا حدث، فسيكون في مصلحة سوريا، وسيسهم، في ظني، في خلق مسار أكثر إيجابية.

* عندما أثرت هذه القضية مع الرئيس الشرع، ماذا كان رد فعله؟

- استغرق الرئيس وقتا طويلا في شرح رؤيته لما تمر به سوريا في الوقت الراهن، واستعرض لمحة سريعة عن الوضع الحالي، وعن موقع سوريا في هذا المشهد المعقّد، كما تحدّث عن الطريقة التي تنظر بها دمشق إلى النشاط الإسرائيلي في هذه المرحلة. بدا لي من حديثه أن احتياجات سوريا كما يراها الآن تُشكّل عبئا هائلا إلى حد يجعل مقترحات المشاريع الإنسانية تبدو، بالنسبة له، أمورا ثانوية أو يصعب الالتفات إليها في هذه المرحلة، خصوصا أننا طرحناها من منظورنا الخاص، المرتبط بتجربتنا.

قبل اتفاقيات أبراهام، لم يكن لدينا أي ضمان بأنها ستحدث أصلا، لكن كنا نعرف أمرا واحدا: أن الحاجة هائلة. واليوم، لا داعي للقلق. فثمة رجال أعمال قادمون من أنحاء العالم. سيبدأ الأمر بوصول عضو من الكونغرس الأميركي، ثم سيتوالى وصول كثيرين، من سياسيين ورجال أعمال، بأفكار واعدة. وبإذن الله، سيمضي هذا التوجه قدما.

أعدت التأكيد للرئيس على أن من بين مزايا هذه المشاريع أنها تخلق نوعا من "سفراء السلام" من الجانبين، من كلا المجتمعين. هذا ليس مجرد أثر جانبي، بل نتيجة طبيعية لأي تعاون عملي وإنساني. شعوري، بالنظر إلى قائمة الأولويات التي تشمل الملفات الداخلية والأمنية، هو أن الرئيس لم يربط بعد بين هذه النقاط، وآمل أن يفعل.

أ ف ب
بعد غارة إٍسرائيلية في حماة في 3 أبريل 2025

* تقصد أنك سمعت أن الأولوية القصوى الآن تتمثل في الأمن، ثم إعادة الإعمار، ثم فتح المجال أمام الاستثمار. وعندما نأتي على ذكر إسرائيل، فقد حصلت بالفعل بعض الاتصالات، سواء في الإمارات أو في باكو-أذربيجان، وتمت مناقشة قضايا مثل "فض الاشتباك"، ووقف الأعمال العدائية، وضمانات أمنية مرتبطة باتفاقية عام 1974. من هناك، يبدأ الانتقال إلى المستوى السياسي.

- أتفق مع هذا التوصيف، وقد بدا ذلك واضحا في قول الرئيس (لنا). وزرت أذربيجان، بالمناسبة، في المرة الأولى إليها منذ عام 1972، حين ذهبت إليها كطالب خلال الحرب الباردة. واصطحبت وفدا يضم 12 قائدا دينيا- من المسلمين والمسيحيين واليهود- إلى أوشفيتز، ثم بعض الأيام في باكو،، نسافر معا إلى أوشفيتز، ثم نمضي يومين في بولندا. وآمل أن تتاح لي فرصة للقاء بعض الشخصيات هناك، ومشاركة القلق الذي نحمله.

علامات الاستفهام تحيط دائما بالقيادة. بالنسبة لي، أتمنى وأصلي أن يتمكن الرئيس من اختيار أشخاص يشاركونه التزامه ويحملون رؤيته إلى الأمام. وهذا، بطبيعة الحال، هو التحدي الدائم أمام أي قيادة وأي دولة

* الهدف في النهاية هو العودة إلى "الوضع الطبيعي"، وأعتقد أنك لخّصت الأولويات بدقة.

- ما سعيتُ إلى طرحه في ذلك الاجتماع هو وجود منافع فورية قابلة للتحقيق، ولا يجب بالضرورة حصرها بالمشروعين اللذين اقترحتهما. توجد فوائد ملموسة من إطلاق مشاريع إنسانية مستدامة تشمل مشاركة الناس فعليا. فبناء مستشفى على الحدود مثلا، سيتطلب تلقائيا مشاركة أردنيين ولبنانيين وإسرائيليين. لننفذ مشاريع تعود بالنفع على جميع المواطنين.

من جهة أخرى، أدركتُ حجم التحدي الهائل الماثل أمامنا، وهذا سبب إضافي للسعي لعقد اجتماع آخر مع الرئيس ترمب إذا أمكن. ففي حين تبدو الولايات المتحدة وكأنها تتراجع عن مشاركتها الدولية، فإن نجاح أي مسعى في المستقبل المنظور يتطلب استمرار الالتزام والمشاركة الأميركية. وبالنيابة عن القس مور وعني شخصيا، سنواصل العمل كـ"فريق دعم" لدفع هذا المسار.

فالمنطقة صعبة ومعقدة، مع وجود كل القوى الدولية الكبرى (الروس والأتراك والصينيون وغيرهم) يراقبون من الأطراف. فإذا لم يقم ترمب بهذا الدور، ستتقدم هذه القوى لملء الفراغ. أتمنى أن تستمر الإدارة الأميركية في مشاركتها الفاعلة. وكما قال القس مور فإن تحقيق السلام يتطلب جهودا تتجاوز مدة ولاية رئاسية واحدة (ثلاث سنوات ونصف السنة). لذا علينا أن نبدأ الآن، وخبراتنا التي طرحناها وسنواصل طرحها ليست لمجرد المظهر، بل هي حلول عملية يمكن أن تفيد الجميع".

* قلت في تصريحات سابقة إن الرئيس الشرع فريد من نوعه. ما المقصود؟

- وهو كذلك. فالرئيس الشرع فريد من نوعه لأنه إسلامي يحمل رؤية للسلام الإقليمي، وإسلامي يؤمن بشمولية مجتمعه السوري المتنوع. في ختام الأمسية، قدمت للرئيس كتابين دينيين كهدية، أحدهما له والآخر لزوجته، لأنه ظهر، في أحد اللقاءات السابقة– ليس لقاءنا نحن، ولكن في مرة سابقة– في مقطع على "يوتيوب" وهو يسير في الأماكن العامة ممسكا بيد زوجته. نعم، هذا الرجل، فريد من نوعه، بكل معنى الكلمة.

* وهل تعتقد أن الرئيس الشرع، الذي وصفته بأنه فريد من نوعه، هو الشخص القادر على صنع السلام مع إسرائيل؟

- أعتقد أنه يملك الأدوات والمهارات التي تؤهله لذلك، لكن تحقيق السلام يتطلب الكثير من العمل من كلا الجانبين. وإذا استدعى الأمر المضي خطوة بخطوة نحو خفض التصعيد، فهذا بحد ذاته أولوية كبرى للدولة اليهودية. أظن أن كثيرين في العالم العربي، بما في ذلك سوريا، لا يدركون تماما حجم الأثر الذي خلفه السابع من أكتوبر على الإسرائيليين. ثمة معاناة هائلة لا يُستهان بها.

* ماذا تقصد؟

- أعتقد أن مجرد وجود تواصل– حتى بحده الأدنى– سيساهم في خفض التوتر. وهناك جانب آخر مهم في هذا السياق: أحد الأسئلة التي طرحها القس مور على وزير الخارجية كان: ما مدى سيطرتكم على سوريا؟ هل أنتم قادرون فعليا على تنفيذ ما تعِدون به؟ واليوم، يمكننا أن نسأل: هل أنتم قادرون على الوفاء بهذه الوعود لشعبكم؟ لا شك أن علامات الاستفهام تحيط دائما بالقيادة. بالنسبة لي، أتمنى وأصلي أن يتمكن الرئيس من اختيار أشخاص يشاركونه التزامه ويحملون رؤيته إلى الأمام. وهذا، بطبيعة الحال، هو التحدي الدائم أمام أي قيادة وأي دولة. لكنه، برأيي، قادر على إنجاز هذه المهمة.

أعتقد أن المزيد من الانخراط من قبل الرئيس ترمب سيقربنا من اتفاقيات أبراهام، أما في غيابه، فسنسير خطوة بخطوة

* لقد كان لك دور في اتفاقيات أبراهام. هل ترى أن سوريا ستنضم إليها؟ أم إنها ستسلك طريقا مختلفا نحو نوع آخر من الاتفاق؟

- أعتقد أن الأولوية في هذه المرحلة ستكون لخفض التصعيد. وعندما يتحقق ذلك، يمكن أن تترتب عليه نتائج إيجابية كثيرة. لكنني أشرت أيضا إلى أننا لا نريد تكرار تجربة السلام البارد كما حصل مع مصر والأردن. نحن لا نتحدث فقط عن افتتاح سفارة.

* ما نوع السلام الذي تريده إذن؟ هل تتحدث عن سلام دافئ؟

- نعم، نطمح إلى سلام دافئ، ولا يشترط أن يكون وفق جدول أعمال اتفاقيات أبراهام. الخلاصة، ببساطة: إذا دعا الرئيس ترمب الزعيمين (الشرع ونتنياهو)، واحتضنهما معا وقال لهما "نحن معكما بالكامل" يمكن أن يُوقَّع اتفاق أبراهام في وقت أقرب بكثير. أما في حال غابت هذه الرعاية، ونظرا لتعقيدات الوضع الإقليمي وضخامة التحديات التي تواجه الشعب السوري، فإن كل شيء يظل معلّقا. خفض التصعيد وارد، وإذا تحقق، يمكن أن يمهد الطريق نحو اتفاق أبراهام. غير أن ثمة الكثير من الأطراف، داخل سوريا وخارجها، ممن قد يعرقلون هذا المسار.

لذا، أعتقد أن المزيد من الانخراط من قبل الرئيس ترمب سيقربنا من اتفاقيات أبراهام، أما في غيابه، فسنسير خطوة بخطوة. وفي كلتا الحالتين، هناك مصطلح اسمه "نودج" (إلحاح)، وهي كالناموسة التي لا تتوقف عن العودة. سنستمر نحن في لعب دور "النودج"، نُذكّر ونلح: أنتم هنا الآن، أو أنتم قطعتم نصف الطريق بالفعل.

لكن، في الأثناء لا تزال الصحراء تنادي، ولا تزال عائلات كثيرة تعاني الحزن والانتظار. وكما تعلمون، لقد أثرتُ مسألة إيلي كوهين وشكرتُ الرئيس على إعادة (متعلقاته). لكننا ما زلنا نصلي من أجل استعادة رفات يهودي واحد، وأعرف تماما ما يعنيه هذا بالنسبة لنا. لقد نشأت بين يهود سوريين في بروكلين، أبناء من فرّوا من نظام الأسد الأب، لذلك أفهم حجم الفقد على المستوى الشخصي والجماعي. وإذا كنا نحمل هذا الحزن العميق لأجل شخص واحد، فكيف يكون حال أمة بأكملها ما زالت تعيش في حداد؟ لهذا أرى أن مشروعا من هذا النوع يمكن أن يساهم في عملية التعافي الوطني، وآمل أن يلقى الاهتمام المطلوب.

* لقدت ساعدت سوريا في إعادة ممتلكات إيلي كوهين إلى إسرائيل، صحيح؟ وأنت شكرت الرئيس الشرع على ذلك ماذا كان رده؟

- نعم، شكرته. لكنه لم يعلّق على ذلك.

مساحة إسرائيل مع الجولان لا تمثّل أكثر من جزء صغير جدا من مساحة كاليفورنيا. الآن، قد تكون هناك مشاريع مشتركة في الجولان– المنطقة جميلة، تصلح لركوب الخيل، وربما للمخيمات الصيفية

* الآن، إذا فهمت قصدك جيدا، فالخطوة التالية هي التوصل إلى اتفاق لفض الاشتباك، بهدف تفعيل اتفاق "فك الارتباط" لعام 1974 بين سوريا وإسرائيل، أليس كذلك؟

- هذا ما استنتجته من الاجتماعين اللذين حضرتهما. لست دبلوماسياً، لكن يبدو لي أن هذا هو التوجه السوري الواضح الآن.

* أما من حيث الجدول الزمني، فكما قلت، لدينا خياران: إما السير خطوة بخطوة– بدءا بـ"فض الاشتباك"، ثم الانتقال إلى المسار السياسي، وصولا إلى اتفاقيات أبراهام. أو خيار "الإكسبريس،" أي عملية سريعة تبدأ بدعوة ترمب للزعيمين إلى البيت الأبيض، يتعانقان، ثم يُعلنان الانضمام إلى الاتفاقيات. ما السيناريو الأقرب في رأيك، وأنت شاركت في تجربتي البحرين والإمارات؟

- كما قلت سابقا، حين بدأنا التحضيرات لاتفاقيات أبراهام لم يكن أحد يتوقع أنها ستكون وشيكة. لكننا نجحنا بسرعة في تجاوز الحواجز والمفاهيم النمطية. وقد بعث وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، برسالة شكر عبر مارفن هاير، مؤسس مركزنا (مركز سيمون فيزنتال)، ولي شخصيا، على المساهمة في تأسيس البنية التحتية للسلام. لا أدّعي الفضل في الاتفاقيات، لكن هذا هو الدور الذي نراه لأنفسنا. وأعتقد أن هناك لاعبا أميركيا مهماً آخر هو وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو، بخبرته في السياسة الخارجية وقيادته للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وسيكون له دور أساسي. ومع ذلك، على المستوى النفسي، فإن الشخص الوحيد القادر على إحداث "اختراق" حقيقي هو دونالد ترمب، كما فعل حين رفع العقوبات.

أ ف ب
موقع للقوات الدولية لتطبيق اتفاق فك الاشتباك في الجولان السوري المحتل في العام 1967

* هل تعتقد أن مستقبل الجولان يجب أن يكون جزءا من أي اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل؟

- لا. وأقول ذلك كجد لثمانية أحفاد يعيشون في القدس. ليس الآن، ليس في هذا الجيل. لأن الجغرافيا تتغير، والقيادات تتغير، وأحيانا الأنظمة كذلك. وفي نهاية المطاف، فإن مساحة إسرائيل مع الجولان لا تمثّل أكثر من جزء صغير جدا من مساحة كاليفورنيا. الآن، قد تكون هناك مشاريع مشتركة في الجولان– المنطقة جميلة، تصلح لركوب الخيل، وربما للمخيمات الصيفية.

* السوريون يريدون التزلج في الجولان؟

- نعم للتزلج. وهناك الكثير من الجوانب، مثل الآثار، التي يمكن استكشافها بسهولة. لكن الحواجز النفسية والتاريخية والعملية لا تزول بين ليلة وضحاها. يجب أن يبدأ العمل، ونأمل أنه خلال بضعة أعوام سيكون من يجلس في مكانك ومن يلعب الدور الذي أقوم به حاليا قادرين على التفكير في حلول واقعية. أعتقد أننا تجاوزنا بالفعل المرحلة الأولى، وربما يُسرّع ترمب المسار.

لكن إذا كنت تسألني إن كانت الجولان ستخضع لحكم مختلف؟ لا. أما إن أردنا أن نحلم بوظيفة مختلفة لها– فربما تتحول إلى مكان يجتمع فيه أطفال من البلدين، ممن يعانون إعاقات متعددة، لقضاء صيف آمن ومليء بالمرح. هناك طرق عديدة لإعادة تصور دور الجولان.

الهدف الرئيس اليوم هو الوصول إلى "فض اشتباك" وإرساء حد أدنى من الثقة. انظروا إلى الإمارات، استقبلت 700 ألف سائح يهودي، منهم 500 ألف إسرائيلي

* وماذا عن المناطق الأخرى التي جرى ضمها بعد 8 ديسمبر 2024؟

- هذا سؤال كبير، وأعلم أن البعض يعتبرني غبيا، لكنني على الأقل ذكي بما يكفي لأقول: يجب أن تسألوا الدبلوماسيين. هذا خارج اختصاصي.

الهدف الرئيس اليوم هو الوصول إلى "فض اشتباك" وإرساء حد أدنى من الثقة. انظروا إلى الإمارات، استقبلت 700 ألف سائح يهودي، منهم 500 ألف إسرائيلي. هل تدركون كم من السياح اليهود– من إسرائيل والولايات المتحدة وكندا– ينتظرون فرصة زيارة سوريا؟

لكن هذا لا يحدث إلا بوجود سلام دافئ. وهو للأسف ما لم يتحقق مع مصر، ولا حتى مع الأردن، حيث لا تزال الحدود صعبة العبور، خصوصا على اليهود المتدينين. هذه الأمور يمكن أن تتغير تلقائيا إذا تغير الجو السياسي.

أما أولئك الذين ينشغلون بالخرائط والتضاريس ويقولون: ماذا عن هذه النقطة وتلك؟ فليكن! ولكن هذا خارج إطار خبرتي. ولقد بلغت من السن وراكمت من الخبرة ما يجعلني أدرك محدودية ما أعرفه.

font change

مقالات ذات صلة