إسرائيل وسوريا... أجندة مقترحة للمفاوضات

أولى القضايا إنشاء "خط أحمر" سري لتفادي التصعيد وضبط التوتر

المجلة
المجلة

إسرائيل وسوريا... أجندة مقترحة للمفاوضات

ينبغي أن يمهد لقاء الرئيس دونالد ترمب وأحمد الشرع وقرار ترمب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا الطريق لإقامة علاقة عمل إيجابية بين البلدين. وبحسب التقارير، رد الشرع إيجابا على اقتراح ترمب بالانضمام إلى "اتفاقات أبراهام" في وقت مناسب مستقبلا، غير أن الاكتفاء بتفسير ظاهر هذا الموقف قد لا يكون خيارا حكيما، إذ إن كلا من سوريا وإسرائيل ليستا مستعدتين حاليا لمثل هذه الخطوة الجريئة. ومع ذلك، فإن التوصل إلى صيغة تعايش أكثر تواضعا قد يكون الخيار الواقعي.

يشكل سقوط سلالة الأسد وصعود النظام الذي يتزعمه أحمد الشرع وحركته "هيئة تحرير الشام" تحولا بالغ الأهمية في السياسة الشرق أوسطية، ونقطة مفصلية في علاقة إسرائيل بسوريا. فبين عامي 1991 و2011، حلت عملية سلام متقطعة محل الصراع العنيف بين البلدين، غير أنها لم تنجح في التوصل إلى تسوية نهائية. وقد انتهى هذا المسار مع اندلاع الحرب الأهلية السورية، التي دفعت البلاد تدريجيا إلى الوقوع تحت النفوذ الإيراني.

كان إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 نتيجة غير مباشرة لحرب غزة، إذ أضعفت الضربات الإسرائيلية لإيران و"حزب الله" كلا الطرفين وحرمت الأسد من دعمهما. وفي ظل هذا الفراغ، خرج الشرع وحركته من إدلب، وسيطرا تباعا على حلب، ثم حماة وحمص ودمشق، من دون مقاومة تذكر. استقبلت إسرائيل هذا التحول الراديكالي بمزيج من القلق والترقب. فقد رأت في إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا مكسبا استراتيجيا، لكنها واجهت عددا من التساؤلات الجوهرية. أولها ما إذا كان الجهادي السابق، الذي بات يتزعم النظام الجديد، قد تخلى فعلا عن نهجه السابق وتحول إلى قائد برغماتي يسعى لإعادة توحيد بلاده وإعمارها. كما أثيرت شكوك حول قدرته على كبح جماح القوى الانفصالية داخل سوريا، وبناء دولة موحدة.

أما السؤال الثالث فتمثل في مدى استعداد النظام الجديد لمواجهة التدخلات الخارجية، سواء من جانب تركيا الساعية إلى نفوذ جنوب حدودها، أو من إيران وروسيا اللتين تحاولان الحفاظ على موطئ قدم لهما في سوريا.

ينبغي أن تُجرى مفاوضات مع تركيا بمبادرة من سوريا وإسرائيل، وربما أيضا بمشاركة إدارة ترمب

وكان الشرع نفسه قد أعلن في أكثر من مناسبة أنه لا يرغب في مواجهة مع إسرائيل أو التعامل معها في المرحلة الراهنة، وأن أولويته تتمثل في إعادة بناء البلاد، مؤكدا أن "القضية الإسرائيلية" مؤجلة حاليا. غير أن إسرائيل اختارت عدم الانتظار. فبدافع من صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، باشرت تنفيذ ضربات استباقية لمنع أي هجمات محتملة من عناصر جهادية في الجولان السورية، وسيطرت على جبل الشيخ والمنطقة المنزوعة السلاح التي كانت تفصل بين البلدين منذ اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، كما دمرت جزءا كبيرا من العتاد الذي خلفه جيش الأسد، لتفادي وقوعه في أيدي المقاتلين الجهاديين. وتدخلت إسرائيل كذلك لدعم بعض من أبناء الطائفة الدرزية الذين تعرضوا لهجمات من عناصر تابعة للنظام، استجابة لنداءات من الداخل السوري وضغوط من الدروز داخل إسرائيل.

ورغم أن هذه البداية لم تكن مبشرة، فإنها لا تعني بالضرورة استمرار هذا النهج التصادمي. فهناك مصلحة مشتركة للطرفين في ترسيخ علاقة مستقرة، من دون الحاجة إلى توقيع اتفاق سلام أو حل نهائي للنزاع. فمثل هذا الحل يبدو مستبعدا في الوقت الراهن، نظرا إلى حاجة النظام الجديد لترسيخ سلطته، وإلى الوزن الذي تمثله التيارات القومية داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل. لكن يمكن للطرفين التوصل إلى تفاهمات عملية حول قضايا عاجلة تمهد الطريق لتعاون بناء.

أولى هذه القضايا هي إنشاء "خط أحمر" سري يتيح لكلتا الحكومتين التواصل ومعالجة نقاط التوتر وتفادي التصعيد غير الضروري، على غرار الآلية التنسيقية بين إسرائيل وروسيا التي حالت، منذ عام 2015، دون وقوع اشتباكات جوية بين البلدين في الأجواء السورية. القضية الثانية تتعلق بالطموحات التركية في سوريا. فإسرائيل تخشى أن تقوم تركيا– وهي دولة غير معادية لكنها تقاد من قبل نظام يتبنى خطابا نقديا حادا تجاه إسرائيل– بالسعي لترسيخ وجود عسكري في عمق الأراضي السورية وعلى مقربة من الحدود الإسرائيلية. ومثل هذا الوجود لا يخدم مصلحة نظام الشرع، إذا كان يطمح إلى ترسيخ جوهر الدولة ذات السيادة وتعزيز صورتها. ومن ثم، ينبغي أن تُجرى مفاوضات مع تركيا بمبادرة من سوريا وإسرائيل، وربما أيضا بمشاركة إدارة ترمب.

قد تتمكن إسرائيل من الإسهام في إعمار سوريا، غير أن هذا الخيار يظل رهينا بموقف الشرع

أما المسألة الثالثة فتتعلق بإمكانية رفع العقوبات الأميركية، وعلى رأسها "قانون قيصر" الذي أقره الكونغرس بعد قرار ترمب رفعها. إذ يضع الشرع في صدارة أولوياته إعادة بناء الاقتصاد السوري والانطلاق في عملية الإعمار، غير أن العقوبات الأميركية تشكل عقبة مركزية أمام هذا المسار. ويمكن لإسرائيل، من خلال قنوات الحوار مع إدارة ترمب والكونغرس، أن تضطلع بدور مساعد في هذا الشأن.

وفي ما يتصل بعلاقة النظام الجديد بالأقليات، فإنه لا مصلحة لإسرائيل في إعادة بناء علاقة مع الطائفة العلوية، التي شكلت العمود الفقري لنظام الأسد. أما صلتها بالأكراد، وخصوصا أكراد سوريا، فليست وثيقة، ويبدو أن العلاقة بين هؤلاء والنظام الجديد تتسم في المرحلة الراهنة بدرجة من الاستقرار. أما بالنسبة للدروز، فمن مصلحة النظام العمل على إنهاء الاشتباكات مع بعض مكونات هذه الطائفة، بما يسمح بطي هذا الملف كأحد مصادر التوتر المستمرة.

وقد تتمكن إسرائيل من الإسهام في إعمار سوريا، غير أن هذا الخيار يظل رهينا بموقف الشرع. فهل سيكون منفتحا على تلقي دعم مباشر من إسرائيل؟ أم إنه سيفضل إبقاء هذه العلاقة البرغماتية الناشئة في الظل، بعيدا عن أعين الرأي العام؟

font change

مقالات ذات صلة