بعد نكبة 1948 وتحديدا في العام 1949 كانت وكالة غوث اللاجئين – الأونروا، هي المؤسسة الرئيسة لتقديم خدمات الإغاثة والصحة والتعليم للاجئين الفلسطينيين في كل مناطق وجودهم في الداخل والشتات. في قطاع غزة تحديدا، ومع بدء الحصار الخانق في العام 2007 على إثر تولي حركة "حماس" حكم قطاع غزة وفرض العقوبات الدولية عليها، نشط دور الأونروا والمنظمات الدولية في تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع، وذلك على الرغم من تشديد القيود المفروضة من قبل إسرائيل على إدخال البضائع.
لاحقا، في الفترة بين عام 2008 وعام 2022 وفي ظل دورات متكررة من العنف والحصار والانتهاكات الإسرائيلية (عدوان 2008، 2012، 2014، 2021)، لعبت الأونروا ومؤسسات الإغاثة والدعم الإنساني الدولي دورا مهما في إدارة الأزمة وتنظيم عملية توزيع المساعدات وفق خطة تضمن وصولها الى مستحقيها.
شكل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تلاه من تصاعد وتيرة الأحداث والعنف والنزوح وغياب الأمن، تحديا كبيرا لعمل المؤسسات الإنسانية وطواقمها داخل قطاع غزة، وهذا ما أدى بدوره إلى تعطل العمل الإغاثي وتقليص أدوار المؤسسات الإنسانية الدولية داخل قطاع غزة، وانتهى الأمر أيضا بوقف عمل الأونروا وفرض حصار شامل منع خلاله الجيش الاسرائيلي شاحنات البضائع والمساعدات من الدخول.
في مطلع العام 2025، أنشئت "مؤسسة غزة الإنسانية" (Gaza Humanitarian Foundation)، بدعم أميركي إسرائيلي، للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية عبر مراكز محددة، مزودة بنظام مراقبة بيومتري ووجود أمني مسلح. لا تقوم مؤسسة GHF بإنتاج وتجهيز المساعدات من مصادرها الخاصة، بل تعتمد بشكل أساس على تحويلات من عدد من المؤسسات الإغاثية الدولية كالأونروا (UNRWA)، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) وهيئات تبرع حكومية أخرى (أميركية وأوروبية وعربية). وعليه فإن جل اهتمامها ينصب حول عملية إدارة توزيع هذه المساعدات.
الجديد هنا أنها لا توزع المساعدات بمنطق المنظمات الإنسانية نفسه، إذ تتبنى نهجا لا إنسانيا تُعيد من خلاله تغليف وإدارة عملية توزيع المساعدات ضمن نظام رقمي وبيومتري صارم يستعين بالسمات الجسدية أو السلوكية للشخص متلقي المساعدات – غالبا من خلال بصمة العين أو صورة الوجه التي تلتقطها كاميرات موزعة في الممر الأمني أو ما يُعرف بالحلابة- من أجل التعرف اليه، تسجيله، أو منحه حق الوصول إلى المساعدة أو موقع معين. وعليه فإن المؤسسة تقوم فعليا بإنشاء قاعدة بيانات رقمية لكل متلق محتمل للمساعدة تشمل اسمه الكامل، وصورته، وعدد مرات حصوله على المساعدة وربما موقعه الجغرافي ورصد تنقلاته وحركة نزوحه.