الخلاصة الرئيسة من الزيارة الثانية للمبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت خلال أسبوعين أن لبنان ليس أولوية في جدول الأعمال الأميركي للشرق الأوسط.
وهذا ربما ما لم يفهمه لبنان الرسمي والشعبي الذي يغرق كما العادة في تقدير حجمه ودوره أكثر من اللازم، أو أنه لا يريد الإقرار بالواقع الجديد الذي يفيد بأن لبنان لم يعد مهماً لذاته لأي دولة في العالم إلا بما يتصل بمصالحها الإقليمية ككل.
وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى أن العوامل الحاسمة في السياسة اللبنانية وفي سلوك أطرافها وتموضعهم هي عوامل داخلية متصلة أساسا بقدرة الأطراف على تحسين صورتهم وموقعهم في خريطة السلطة والنفوذ، وبالتالي لا يهم هؤلاء بناء مواقفهم على حقيقة موقع لبنان ودوره في المتغيرات الحاصلة ومدى الاهتمام الخارجي به، بمقدار ما يهمهم أن لا تكون ضغوط الخارج وأولوياته مؤثرة في صورتهم وتموضعهم وليس في موقع لبنان مما يجري حوله.
أي إنه لا يمكن الحديث عن سياسة خارجية موثوقة في لبنان طالما أن الطاقم السياسي منشغل بنفسه أولا ولا يمتلك أي مقومات لبناء خطاب للخارج يرتب الأولويات اللبنانية بناء على المتغيرات الحاصلة في المنطقة.
هذا ربما ما فهمه الأميركيون بعدما شاهدوا فرنسا تغرق في الوحول اللبنانية وتضيع في زواريب السياسة اللبنانية التي تتحول في ختام جولات المبعوثين والموفدين إلى حملة علاقات عامة لا تخلو من "المازات" الشهية و"سحر الشرق"، ولكن تخلو بالطبع من كلام سياسي بالعمق ينم عن قراءة واقعية وشاملة لما يجري في المنطقة ولما يمكن أن يكون عليه مستقبل لبنان إزاء كل ما يحصل.
وإذا كان السياسيون اللبنانيون غير أهل لهذه المهمة الصعبة والتي تحتاج إلى تقاليد سياسية عريقة بدأ لبنان يفقدها منذ زمن ليس بقريب، فإن الإدارة الأميركية، حتى في زمن دونالد ترمب، المتهم بالارتجالية، مستعدة للمراجعة وتصحيح الموقف، فهي بعد أن وجدت أن مبعوثتها السابقة أورتاغوس بالغت في جديتها إزاء مهمتها وكأن لبنان مركز السياسة الأميركية في المنطقة، عادت وكلفت السفير لدى تركيا والمبعوث إلى سوريا بمهمة متابعة الملف اللبناني الذي لا يحتاج إلى تكليف مبعوث خاص به، بل إن الإدارة رأت أنه من الأجدى أن يكلف المبعوث إلى سوريا بالملف اللبناني طالما أن الملف اللبناني أصبح ملحقا بالملف السوري وما عاد يستحق تخصيص جهد فوق الحد له على حساب أي ملف آخر في المنطقة وبالأخص الملف السوري.