لندن - تعد باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية السابقة لشؤون الشرق الأدنى في إدارة بايدن، من أبرز المحللين الأميركيين خبرة واحتراما في الشأن الشرق أوسطي ودينامياته المعقدة.
عملت ليف في السلك الدبلوماسي لسنوات طويلة، وشغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة بين عامي 2015 و2018. ومنذ أواخر التسعينات، ظلت حاضرة في صلب السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، إذ تولت ملفات متعددة من بينها ليبيا، والنزاع العربي الإسرائيلي، ومكافحة الإرهاب في المنطقة.
وليس غريبا عليها التعامل مع مناطق النزاعات، إذ عملت بين عامي 2003 و2006 في البوسنة والهرسك في أعقاب حروب يوغوسلافيا، تلك السلسلة من الصراعات العرقية الدامية. ومن 2010 إلى 2013، ساهمت في قيادة السياسة الأميركية وجهود إعادة الإعمار في العراق. في كلا السياقين- البوسني والعراقي- أفضت التوترات الطائفية والعرقية إلى اعتماد أنظمة لتقاسم السلطة.
وانطلاقا من هذه الخبرة التراكمية، حرصت "المجلة" على استقاء وجهة نظرها حيال الوضع الراهن في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وبرنامج إيران النووي، وإمكانية قيام دولة فلسطينية.
ومن اللافت أنها استبعدت تماما أن يكون تقاسم السلطة على أساس طائفي، كما حدث في لبنان والعراق، نموذجا ملائما لسوريا.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
* هل ترين أن سوريا بحاجة إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين السنة والعلويين والأكراد والدروز؟
- لا أرى أن هذا هو الطريق الأمثل، وأقول ذلك انطلاقا من تجربتي في البوسنة بعد الحرب. وقتها كان لدينا دبلوماسي بارع، هو السفير ريتشارد هولبروك، الذي قاد مفاوضات بين زعماء المكونات الثلاثة المتحاربة لإنهاء النزاع. وقد أنشئ حينها نظام لتقاسم السلطة على مختلف المستويات. واليوم، سيخبرك كثير من البوسنيين أن هذا النموذج تحول إلى فخ دائم. هم عالقون في انقسامات صلبة تمنع التغيير، ولم تُقربهم من بعضهم، بل زادتهم تباعدا.
قال لي الشرع أكثر من مرة خلال محادثاتنا إنه لا يريد "نموذج المحاصصة" الذي رآه في لبنان أو العراق. وفي الواقع، سمعت من سوريين، داخل البلاد وخارجها، شعورا متزايدا بالضيق من الطريقة التي تصر بها بعض الحكومات الغربية على الحديث عن الأقليات وكأنها كيانات منفصلة.
* التقيتِ بالرئيس السوري أحمد الشرع قبل بضعة أشهر، في الأيام الأخيرة من ولاية بايدن في ديسمبر الماضي. ورفع ترمب العقوبات عن سوريا في يوليو/تموز. كيف تمكنت الولايات المتحدة من الوثوق بالشرع بهذه السرعة؟
- في مسألة الثقة، يحضرني قول شهير للرئيس رونالد ريغان أثناء مفاوضات الحد من التسلح مع السوفيات: "ثق، ولكن تحقق". عادة لا تُبرم الاتفاقيات الكبرى مع الأصدقاء، بل مع الخصوم. والشرع، كما تعلمون، كان يوما ما من بين خصومنا، وقد أمضى فترة في أحد المعتقلات العسكرية الأميركية في العراق.
بعد حديثي معه على انفراد، رفعت تقريري إلى وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكن، وإلى البيت الأبيض، كما أطلعت الفريق الجديد التابع لإدارة ترمب. وقد كانت الآراء داخل تلك الإدارة منقسمة بشدة حيال فكرة التعامل مع دمشق من الأساس. البعض كان يرفض حتى مجرد رفع العقوبات. لكن في نهاية المطاف، استمع الرئيس إلى نصيحة وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو وآخرين. الأهم من ذلك، أنه تلقى الرسالة نفسها من المملكة العربية السعودية ومن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو يولي رأيهما أهمية كبيرة.
الأمر لا يتعلق بثقة مطلقة أو عمياء بالشرع، لكن منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو يردد مواقف إيجابية بخصوص الملفات التي تهمنا، وتهم دول المنطقة، وتهم شريحة واسعة من السوريين. الانتقادات الحالية تتركز في الغالب على فريقه المقرب ودائرته الحاكمة، حيث يتكون معظمها من شخصيات تنتمي إلى إدلب، ما يجعلها ضيقة ومنعزلة. من الضروري أن يوسّع هذا النطاق، وأن يفتح المجال لمكونات أخرى من المجتمع السوري للمشاركة. وهذه النقطة ترتبط مباشرة بمسألة ما إذا كان يقوم بما يكفي لحماية الطوائف السورية، مثل العلويين والمسيحيين، من أي تهديدات أو اعتداءات.
* في رأيك، ما سر صمود أحمد الشرع سياسيا؟ هل يعود ذلك إلى كاريزميته؟ لقد وصفه ترمب في مايو بأنه "قائد شاب وجذاب".
- لن أستخدم مثل تلك العبارات، لأنها قد تُفهم على نحو خاطئ. لكنه بالفعل يتمتع بكاريزما واضحة، ويملك قدرا كبيرا من الشرعية في نظر السوريين، وهو أمر بالغ الأهمية في بلد خرج لتوه من حرب مدمرة. لقد خاض قتالا طويلا، وفي نهاية المطاف، كان إسقاط نظام الأسد تحت قيادته.
جزء كبير من بقائه يعود أيضا إلى قدرته على التنقل بين دوائر شديدة التباين، بدءا من جماعات متطرفة مثل "القاعدة" و"جبهة النصرة". إنه ليس مجرد قائد ميليشيا، بل سياسي بارع، وقد بدا ذلك جليا في حوارنا. تفكيره لا يقتصر على منطق المقاتل، سواء كان متطرفا أم لا. إنه يفكر بعقلية رجل دولة، ويقدم تحليلا دقيقا للقضايا التي تهم السوريين، وعلى رأسها الاقتصاد والأمن.
كما أنه يبدو مدركا لأخطاء الولايات المتحدة في العراق، ولا يريد تكرارها في سوريا. لديه قدرة واضحة على التكيف مع المتغيرات، واتخاذ قرارات تنبع من الواقع لا من نموذج جامد يسعى لفرضه.