بعد نحو 108 أعوام من احتلال القوات البريطانية لفلسطين، يبدو وكأن لندن تريد الاعتراف أخيرا بدولة فلسطينية. فبعد أن تعهدت فرنسا بالاعتراف رسميا بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، بسبب استيائها من استمرار الهجمات الإسرائيلية على غزة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عزمه اتخاذ الخطوة نفسها، ما لم تفِ إسرائيل بمجموعة شروط شبه مستحيلة، تشمل وقف إطلاق النار، والالتزام بحل الدولتين. وعلى الأرجح، ستتخلى بريطانيا وفرنسا، اللتان قسمتا الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى وأسهمتا في تأسيس إسرائيل وتفتيت فلسطين، عن موقفهما التقليدي القاضي بأن الاعتراف يجب أن يتم فقط ضمن إطار حل الدولتين.
وفيما أثار القرار غضب إسرائيل وأنصارها، إذ أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أن هذه الخطوة ستكافئ حركة "حماس"، لا يبدو أن تأثير هذا التحرك سيكون كبيرا، فقد أثبتت بريطانيا وفرنسا خلال العامين الماضيين أن نفوذهما على صراع غزة ضئيل، ويبدو الاعتراف أقرب إلى محاولة لتهدئة المنتقدين المحليين، بإيماءات رمزية منه إلى مسعى جاد للتأثير على إسرائيل، خصوصا بعدما خرج وزير مالها بتسلئيل سموتريتش، الخميس، ليعلن عن بدء العمل في مشروع استيطاني مؤجل منذ فترة، سيقسّم الضفة الغربية ويفصلها عن القدس الشرقية، في خطوة وصفها مكتبه بأنها "ستدفن" فكرة إقامة الدولة الفلسطينية.
ضغوط داخلية
كان الدافع المباشر لإعلان فرنسا وبريطانيا، الذي تبعته كندا بمقترح مماثل، هو تفاقم المجاعة في غزة. ومع عدم استعداد إسرائيل أو "حماس"، على ما يبدو، لتقديم تنازلات بشأن وقف إطلاق النار، قررت لندن وباريس المضي في خطوة كانتا تدرسانها منذ فترة. ويأمل ماكرون وستارمر في أن يدفع إعلانهما رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي يعارض الإجراء بشدة، إلى إعادة النظر لتجنب تحول بلاده إلى دولة منبوذة حتى بين حلفائها التقليديين.