في عالم يئن تحت وطأة القمع وفقدان العدالة، تطل رواية "الروائي المريب" للكاتب السوري فواز حداد، الصادرة حديثا عن "رياض الريس للكتب والنشر"، بيروت، متخمة بالتفاصيل والشخصيات، لتروي سيرة وطن مقيد بسلاسل نظام البعث الفاسد على مدار سنوات من الحكم الديكتاتوري، مرورا بأحداث ما قبل الثورة السورية وما سمي بربيع دمشق وما تلاها من أحداث ومجريات أليمة أثناء الثورة السورية، وما بعدها.
تقنيات التعمية
لا تقدم الرواية سردا لحكاية اختفاء كاتب، بل تجسد الغياب كفعل مقاومة، وتحوله إلى أداة أدبية تفضح انكسارات الواقع السوري الثقافي، وتعري زيف النخب الثقافية والسياسية المتواطئة. في بنية الرواية، الغياب ليس فقط في مضمونها بل أيضا في أسلوبها. تتقاطع الحكايات، وتتضارب الروايات حول الكاتب المجهول، وتتشظى الأصوات بين نقد متطرف ومديح متكلف، في حين يظل "المريب" نفسه خارج النص. كأن حداد يكتب نصا مفرغا من اليقين، محملا الظلال، حيث كل محاولة لفهم "الحقيقة" تصبح تأويلا يحمل بصمة قائله. هذه التقنية السردية تتقاطع مع مفاهيم ما بعد الحداثة، حيث يتحول النص إلى لعبة مرايا، ويفقد المركز سلطته أمام التعدد، وتتبدى السخرية لا كزينة بل كجوهر للرؤية.
منذ الصفحات الأولى، يتوارى الكاتب المجهول عن الأنظار عقب نشر روايته، ليغدو شخصية غائبة بجسدها، حاضرة بتأثيرها. هذا الغياب لا يبنى عليه فقط الهيكل السردي، بل يتحول إلى قوة كامنة تفجر الأحداث، وتكشف هشاشة الوسط الثقافي الملوث بأدلجة النظام. فـ"الروائي الشبح" يثير الذعر في نفوس مثقفي السلطة، ويحرك صراعا تتفجر فيه تساؤلات الهوية والانتماء.
عن تحويل "الغياب" من مجرد حدث سردي إلى أداة جمالية وسياسية لفضح انهيار المشهد الثقافي السوري وتواطؤ النخب، يقول فواز حداد لـ"المجلة": "ليس غياب ’الروائي الشبح’، مجرد حدث في حبكة الرواية، إنه جزء من ملابسات المشهد الثقافي السوري، لا يمثل نفسه، بقدر ما يمثل المثقف الذي اضطر إلى الصمت فكان البديل منه، مفسحا له المجال للتعبير، مما يكشف عن الإقصاء الممنهج لصوت المثقف الحقيقي".
يؤكد حداد:"ينتج الغياب حضورا مضادا، تفرضه الكتابة، ومثلما كانت روايات الشبح مطاردة، كان الشبح يطارد بدوره السلطة والنخب المتواطئة معها. كان الغائب على الدوام، لكنه الحاضر الأكبر في مقاربة الواقع، والاختلاط به، والتعرف إليه".