هل تنتقل سوريا من "ثلاجة العزلة" إلى "عقدة اتصالات" عالمية؟

وزير الاتصالات عبدالسلام هيكل يتحدث لـ"المجلة" عن مشاريع لربط الخليج بأوروبا

المجلة
المجلة
وزير الاتصالات السوري السوري عبدالسلام هيكل يشرح لـ "المجلة" في مكتبه بدمشق، خططه لتحويل سوريا عقدة اتصالات بين الخليج وأوروبا

هل تنتقل سوريا من "ثلاجة العزلة" إلى "عقدة اتصالات" عالمية؟

هل يمكن لسوريا الخارجة من حرب مدمرة و"ثلاجة العزلة" أن تتحول "عقدة ربط استراتيجية" في الطاقة والنقل البحري والجوي والبري؟ هل يمكن لسوريا التي توقفت ساعتها التكنولوجية قبل 15 سنة، أن تصبح "ممرا استراتيجيا لحركة البيانات بين آسيا وأوروبا" في عصر الذكاء الاصطناعي؟

وزير الاتصالات عبدالسلام هيكل، يفتح خريطة على شاشة كبيرة في مكتبه وسط دمشق، ويشرح لـ"المجلة" واقع سوريا، والإفادة من موقعها الجغرافي، على مدخل البحر المتوسط، وخططه الطموحة لربط الخليج وأوروبا.

وكان هيكل غادر سوريا بعد أشهر على اندلاع الثورة في 2011، وعاش في الإمارات متنقلا بين الخليج وأوروبا وأميركا، وعاد إلى دمشق ليتسلم في مايو/أيار حقيبة الاتصالات في الحكومة الجديدة برئاسة الشرع.

المجلة
وزير الاتصالات السوري السوري عبدالسلام هيكل في مكتبه بدمشق

تسلم الحكم الجديد سوريا نهاية 2024 وقد تدمرت فيها البنية التحتية بعد 14 سنة من الحرب، وغادر الكثير من خبرائها وأهلها، ونزح حوالى 15 مليون شخص نصفهم إلى خارج البلاد. وتقع سوريا في قائمة الدول الخمس الأخيرة، فيما يتعلق بإنترنت الهاتف النقال، والمرتبة 227 من أصل 229 في أحد مؤشرات الإنترنت فائقة السرعة "برودباند"، إذ تربط بالشبكة العالمية عبر كابلات من مصر وقبرص ولبنان، وهي بحكم الموقع الجغرافي على البحر المتوسط، الذي هو نقطة عالمية للكابلات البحرية، ويربط أوروبا بآسيا وأفريقيا، وفي الوقت نفسه تجاور الأردن والعراق جاريّ الخليج، وتركيا جارة أوروبا.

وتحدث الرئيس أحمد الشرع في حوار مع "الإخبارية السورية" يوم الجمعة، عن خطط لـ "تحويل سوريا عقدة اتصالات عالمية"، تحقق جودة وسرعات فائقة، لتوفير بنية الاقتصاد الحديث واستقطاب شراكات استراتيجية مع عمالقة التكنولوجيا ومراكز البيانات والخدمات السحابية.

هيكل يعمل على تطوير خطة، لمد خطوط من سوريا إلى السعودية والخليج عبر الأردن، ما يوفر إنترنت أسرع بمرات كثيرة من الوضع الراهن

وعلى اعتبار أن الخطوط الرئيسة للكابلات تمر بالبحر الأحمر، فإن هيكل يعمل على تطوير خطة، لمد خطوط من سوريا إلى السعودية والخليج عبر الأردن، ما يوفر إنترنت أسرع بمرات كثيرة من الوضع الراهن وفق معادلة، أن "كل كيلومتر هو 5 ميكرو ثانية، بحيث يتم توفير أكثر من 30 ميلم/ ثانية سرعة استجابة ذهابا وإيابا في بعض المسارات". هذا الوفر حيوي للمكالمات عبر الإنترنت، والعمليات المالية الرقمية والجراحة عن بعد والألعاب الإلكترونية وغيرها.

"وصلة الحرير"

يطلق هيكل على المشروع اسم "سيلك لينك" (وصلة الحرير) الذي يحول سوريا والأردن والسعودية ممرا للكابلات، بحيث تكون سوريا، هي المدخل من أوروبا، والخليج هو المخرج إلى آسيا. وإضافة إلى كون هذا يزيد سرعة الإنترنت، فإنه يجعل شركات كبرى مثل "غوغل" توطن مخدماتها في سوريا، لتكون مقرا لمراكز البيانات العالمية، و توفر "كاشنغ" إقليميا وحوسبة سحابية، وغيرها من الخدمات التي تحتاجها شركات الإنترنت الكبرى. وأضاف أنه يسعى ليكون أغلب استخدام الإنترنت الداخلي من مخدمات محلية، مما يغير تجربة المستخدم بالكامل.

سيوفر "سيلك لينك" بنية تحتية جديدة للألياف الضوئية العابرة لسوريا بسرعة إجمالية تصل إلى 100 تيرابت/ثانية، ضمن خطة لتقديم أفضل جودة إنترنت داخل سوريا، وتحويل البلاد إلى مركز رقمي إقليمي لنقل البيانات والاتصال الدولي

هناك مشروع "برق" لإيصال خطوط "فايبر" لكل منزل ومكتب. كما اتخذ هيكل قرارا بتأسيس شركة تكنولوجيا وطنية، تساعد في توطين التكنولوجيا، وتقديم الخدمات الرقمية، وتجذب الكفاءات السورية من حول العالم وتحافظ عليها، ذلك أن "التنافس على الكفاءات عال في قطاع التكنولوجيا، وعلينا أن نوفر الأطر اللازمة لتسريع التحول الرقمي، وتقديم الخدمات الرقمية في شتى مناحي الحياة ووفق أفضل الأسس العالمية".

المجلة
وزير الاتصالات السوري السوري عبدالسلام هيكل يشرح لـ "المجلة" في مكتبه بدمشق، خططه لتحويل سوريا عقدة اتصالات بين الخليج وأوروبا

ويوفر "سيلك لينك" بنية تحتية جديدة للألياف الضوئية العابرة لسوريا بسرعة إجمالية تصل إلى 100 تيرابت/ثانية، ضمن خطة لتقديم أفضل جودة إنترنت داخل سوريا، وتحويل البلاد إلى مركز رقمي إقليمي لنقل البيانات والاتصال الدولي. ويمتد المشروع على مسافة تقديرية 4,500 كيلومتر من الألياف الضوئية تشمل الربط الكامل بين المدن الرئيسة دمشق وحلب، مع مراكز تحويل في تدمر، وفي المنطقتين الجنوبية والشرقية، بالإضافة إلى محطة إنزال للكابلات البحرية في طرطوس. ويتضمن تفعيل نقاط اتصال إقليمية مع الدول المجاورة العراق والأردن ولبنان وتركيا. وسيوفر "سيلك لينك" مسارا بريا جديدا يربط أوروبا بآسيا، ويشكل مسارا رديفا للمسارات الحالية المزدحمة، مما يساعد في منح سرعة أعلى للاتصالات الدولية، وتجنب الانقطاعات في حال تعطل الكابلات القائمة، مثلما حدث مؤخرا في كابلات البحر الأحمر.

بالنسبة إلى هيكل، فإن "سيلك لينك" سيكون "نقطة تحول في البنية التحتية الرقمية" في سوريا الخارجة من الحرب، وإن تمويله سيتم بـ"شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. الحكومة تبني البنية التحتية وتبقي الملكية للدولة، ويأخذ المستثمرون من عائد بيع الخدمات وتشغيل البنية التحتية للدولة". ويضيف أن "وصلة الحرير" كلفته بين 400 و500 مليون دولار و"برق" حوالى ملياري دولار لمد الكابلات وتجهيزات الشبكة في كل أنحاء سوريا ويضيف هيكل: كل شركات الإنترنت الكبرى في الإقليم تقدمت للمشاركة في المشروعين، وهما من الفرص النادرة للاستثمار بهذا الحجم.

ما بعد العقوبات الأميركية

وبعد رفع العقوبات الأميركية، وإجراءات تقييد التصدير لمنتجات التكنولوجيا ، هناك تعويل على مساهمة شركات أميركية. ويقول: "أرسلنا إلى أميركا قائمة 400 شركة تقدم خدمات رقمية غير متوفرة في سوريا لسبب حجب النطاق السوري، وقد بدأت الاستجابة من قبل عدد منها. إعادة سوريا إلى الخارطة الرقمية بدأ يحدث بالتدريج".

موقع سوريا وسط دول كبرى "إما عبء أو فرصة". وفي الاتصالات مثل باقي القطاعات، فإن هدف الحكومة "إيجاد مصالح في سوريا لدول عدة عبر الإنترنت، ومرور الكابلات والبيانات، هذا يفعّل دور سوريا، ويدعم توجهها في إطارات أخرى مثل الطيران والطرقات والخطوط"، أي تتحول البلاد ساحة لقاء مصالح بدلا من ساحة صراع.

ويستفيد هذا التوجه من خبراء سوريين في مجال التكنولوجيا، موجودين في الخليج ودول غربية، إذ تتضمن الخطط أن يتم تنظيم السوريين للعمل في قطاع التكنولوجيا، والإفادة من خبراء تطبيقات حكومية بالخليج وأوروبا إذ أن مشروعي "وصلة الحرير" و"برق" يعتمدان على خبراء سوريين.

الهاتف النقال

وعن مستقبل الهاتف النقال، يوضح هيكل أن في سوريا شبكتين تضمان حوالى 16 مليون مشترك، وإن عدد المشتركين زاد مليونا منذ سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي. ويضيف: "وجدنا أن البنية التحتية جزء منها مدمر، بالإضافة إلى غياب الاستثمار في القطاع لسنوات طويلة. علما أن خدمة الموبايل التي بدأت قبل 20 سنة تحتاج إلى تحديث، لأن جيلا جديدا يدخل كل عدة سنوات وسوريا كانت منقطعة عن هذا التطوير".

رويترز
سوريون أمام لافتة لـشركة "سيرياتيل" للهاتف النقال في دمشق في 11 مايو/أيار 2020

ومن العلامات على الفجوة بين سوريا والعالم، أن "الهاتف الذكي" كان عمره ثلاث سنوات عندما بدأت الأزمة في 2011. يقول: "الهاتف الذكي تغير وغير العالم، والشبكة المصممة لاحتياجات 2011 لن تستطيع حمل احتياجات الفرد من الإنترنت عام 2025 والتي زادت وفق التقديرات من 40 إلى خمسين ضعف. نحن نعمل على بنية تحتية قادرة على توفير احتياجات الأفراد في القرن الحادي والعشرين، وبناء اقتصاد حديث جاذب للاستثمارات، يعتمد على توافر الاتصالات وأدوات التكنولوجيا. هذا ليس رفاهية بل ضرورة حتمية.

التحول الاستراتيجي حصل بالاعتماد على كفاءات وطنية، والشراكة مع أفضل المزودين في العالم ونحن في سوريا نسعى لذلك

يوضح الوزير السوري: "كي نستثمر بالبنية التحتية، نحتاج لمشغلين جدد، وكانت هناك تبعات قانونية وتجارية، وصلنا إلى المراحل الأخيرة من حل بعض العقبات القانونية والإدارية المتعلقة بالإرث السابق. سنعلن عن تصورنا الجديد لقطاع الجوال، بشكل جديد، وتقنيات جديدة واستثمار كاف، لتحقيق احتياجات الناس". وأضاف: "كل الشركات الإقليمية الكبرى في قطاع الموبايل، زارونا بدمشق ويعرفون أن هدفنا هو أن يكون للمواطن السوري أفضل شبكة على الإطلاق".

وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله بن عامر السواحه ونظيره السوري عبدالسلام هيكل في الرياض في 31 أغسطس/ آب 2025

وعن تصوره للتعاون الإقليمي، يكشف هيكل أن زيارته إلى السعودية، استهدفت البناء على ثلاثة تقاطعات تتشابه فيها السعودية مع أهدافنا في سوريا: "أولا، حققت السعودية تحولا وطنيا اقتصاديا اجتماعيا خلال فترة وجيزة، ونجحت بالاعتماد على التكنولوجيا والخدمات الرقمية، وإتاحة الفرصة للشباب السعوديين للمساهمة عبر تأسيس شركات ناشئة. ثانيا، اعتمدت السعودية بالتحول الرقمي على كفاءات بشرية وطنية، وبنت مؤسسات خبيرة بالتوطين، أي (وطنت) الخدمات والتكنولوجيا الممكنة لها. التحول الاستراتيجي حصل بالاعتماد على كفاءات وطنية، والشراكة مع أفضل المزودين في العالم. ثالثا، السعودية تعرف كي تكون لاعبا عالميا بالتكنولوجيا في العالم، فيجب أن تكون مطلعا على أفضل التجارب والشركات بالعالم، وعلى أفضل الممارسات بالعالم. هذا حققته السعودية وفي الوقت نفسه حققت ذلك بالمحافظة على هويتها الوطنية، والحاجات التنظيمية مثل تعزيز الاقتصاد الرقمي المحلي ومتطلبات الأمن الوطني والتهديدات السيبرانية".

font change