بعد تصريحات الشرع... آفاق جديدة للعلاقات السورية – الروسية؟

تحاول موسكو البقاء بالقرب من المياه الدافئة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل وفدا روسيا رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في دمشق، 9 سبتمبر 2025

بعد تصريحات الشرع... آفاق جديدة للعلاقات السورية – الروسية؟

أنهى الرئيس السوري أحمد الشرع كل التكهنات حول دور روسيا في مرحلة معركة ردع العدوان التي انطلقت نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي أفضت إلى انهيار النظام السوري وهروب بشار الأسد إلى موسكو. تصريحات الشرع وتوضيحاته حيال الدور الروسي والمكانة الروسية في ماضي ومستقبل روسيا ربما تهدف إلى تخفيف الغضب الشعبي من روسيا التي ساندت النظام السوري بكل قوّتها العسكرية، كما تُمهد تصريحات الشرع الطريق لطبيعة التوافقات التي يمكن أن يتم التوصل إليها مع موسكو على المستوى العسكري والاقتصادي، فالشرع أكد أنه لا بد من "تجاوز" عقبات الماضي والتعامل "بديناميكيات واسعة" وأن العلاقات ينبغي أن تُبنى "على أساس السيادة السورية".

الشرع وفي مقابلة تلفزيونية يوم الجمعة 12 سبتمبر/أيلول الجاري أوضح أن قوات "ردع العدوان" عندما وصلت حماة جرت مفاوضات مع روسيا، و"عند وصولنا إلى حمص، ابتعد الروسي عن المعركة، ضمن اتفاق جرى بيننا وبينها، وهذا كان له أثر إيجايي"، إلا أن الرئيس الشرع لم يكشف طبيعة التوافقات التي تمت مع الجانب الروسي حينها، وهل تضمنت إبقاء الأسد دون محاكمة وإخراجه مع عدد آخرين من الضباط السوريين الذين ارتبطوا بروسيا خلال السنوات الماضية. الشرع قال إن قوات "ردع العدوان" وخلال المفاوضات مع الروس رأت أن روسيا "ليست متمسكة" بشخص النظام، وأن ما يهمها في سوريا مصالح وعلاقات قديمة وتاريخية واستراتيجية.

وعن مستقبل العلاقة مع الروس، قال الشرع إن سوريا لا تريد حالة من القلق والتوتر مع أي دولة في العالم، وأن سوريا تبحث عن الهدوء التام في العلاقات مع كل دول العام والمنطقة بما فيها الدول التي كان لديها موقف سلبي. وتابع أن "هناك روابط وثيقة بين روسيا وسوريا ولدت منذ نشأت سوريا عام 1946"، وعدّ الشرع أنه نتيجة عمق العلاقات الروسية-السورية وتاريخها "لا ينبغي العبث في بنية الدولة من داخلها، وإذا أردنا أن نحول بعض المسارات يجب أن تكون ضمن استراتيجية هادفة". وأضاف الشرع أن سوريا لديها ارتباطات بروسيا في مجالات السلاح، والطاقة، والغذاء، وأنه "ينبغي الحفاظ عليها وإدارتها بطريقة هادئة ورزينة"، إضافة إلى أن سوريا عليها عقوبات كثيرة منها مرتبطة "بمجلس الأمن، وروسيا تمثل مقعدا دائما وصوتها يجب أن يكون هادفا".

تحاول روسيا البقاء بالقرب من المياه الدافئة في سوريا لما لذلك من فوائد على مستوى النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي لصالح روسيا في مواجهة الغرب

وقبل يومين من تصريحات الشرع، وللمرة الثالثة منذ سقوط النظام، والثانية في أقل من شهرين، وقبل أسابيع من دخول الرئيس السوري إلى قاعة الأمم المتحدة في نيويورك، وصل وفد روسي رفيع المستوى دمشق لبحث مستقبل العلاقة بين البلدين في مرحلة ما بعد الأسد. ملفات كثيرة على الطاولة، والقرارات التي يمكن اتخاذها بين الطرفين سيكون لها تأثير كبير على مستقبل سوريا وعلاقتها مع الغرب الذي التمس فرصة تاريخية للدخول إلى سوريا في معركة تكسير الأجنحة الروسية-الإيرانية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد.

اللقاءات مستمرة.. توافق أم تفاوض؟

طائرة روسية حطّت في دمشق الثلاثاء 9 سبتمبر/أيلول الجاري، حملت وفدا روسياً رفيع المستوى يترأسه نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك الذي يتولى دورا فاعلا في اللجان الروسية التي تنسق مع عدد من الدول العربية، وضم الوفد أيضا نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، نائب وزير الدفاع يونس بيك يفكوروف، وزير البناء والإسكان والخدمات العامة، إيرك فايزولين، وآخرين. الوفد استقبله الأمين لرئاسة الجمهورية ماهر الشرع، الذي حضر جلسة النقاشات وتولى أيضا ترجمة كلمة وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني خلال افتتاح جلسة النقاشات بين الطرفين. الطرفان بحثا عدة قضايا أبرزها ملفات أمنية تتعلق بالوجود الروسي في سوريا ومفاعيله على مستقبل البلاد، وملفات اقتصادية تتعلق بمصير الاتفاقات الروسية-السورية التي تم إبرامها زمن النظام السابق. كما التقى الوفد الروسي مع الرئيس الشرع بعد انتهاء النقاشات.

سانا
الرئيس السوري أحمد الشرع

وفي مستهل اللقاء الذي جمع الوفد الروسي مع الجانب السوري، قال ويز الخارجية السوري أسعد الشيباني إن "علاقتنا مع روسيا عميقة ومرت بمحطات صداقة وتعاون لكن لم يكن التوازن فيها حاضرا، وأي وجود أجنبي على أرضنا يجب أن تكون غايته مساعدة الشعب السوري على بناء مستقبله"، مضيفا أن سوريا ترحب بالتعاون مع روسيا "على أساس عادل وشفاف"، وأنه "كلما استقرت سوريا انفتحت أمام الجميع آفاق التعاون وكلما ضعفت زادت فرص الفوضى والإرهاب، والدعم الروسي الصريح لمسار سوريا الجديد سيكون خطوة في صالح بلدنا والمنطقة بأسرها".

من جانبه، قال نوفاك إن "المرحلة التاريخية الجديدة ستكون العلاقات فيها بين الشعبين مبنية على الاحترام المتبادل"، مجددا دعوة بلاده لزيارة الرئيس الشرع إلى موسكو "للمشاركة في القمة العربية الروسية"، ومعقّبا: "نؤكد على سيادة ووحدة الأراضي السورية".

أجندة اللقاء...

معلومات "المجلة" تقول إن اللقاءات لم تتركز على ملف الديون بشكل رئيس، وأن المحاور التي تم نقاشها هي مستقبل العلاقات بين البلدين، على المستويات الأمنية والاقتصادية، فروسيا تحاول البقاء بالقرب من المياه الدافئة في سوريا لما لذلك من فوائد على مستوى النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي لصالح روسيا في مواجهة الغرب، كما تحاول الحصول على ضمانات للحفاظ على الاتفاقات السابقة المُبرمة بين روسيا وسوريا. 

لم تُخفف روسيا من وتيرة تعزيز نفوذها العسكري في شرق الفرات وقاعدة حميميم بعد اللقاء الذي حصل في موسكو، بل استمرت في عمليات إرسال التعزيزات إلى مطار القامشلي

على الرغم من انفتاح دمشق على ملفات مثل الوقود وبعض جوانب التنسيق الاقتصادي مع روسيا، فإن دمشق قلقة بشكل رئيس من النفوذ الذي تملكه روسيا في المنطقة الساحلية، لما لذلك من تأثير على جهود الدولة لترسيخ الاستقرار في البلد في حال أرادت روسيا خلط الأوراق في المنطقة، إضافة إلى النفوذ الروسي الموجود شرق الفرات والذي يمكن أن تستغله أيضا موسكو في سياق التفاوض مع دمشق لتحقيق مكاسب.

ومن الأهداف التي وضعتها دمشق في حسبانها خلال اللقاءات هو التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية والقصف المستمر لأهداف في سوريا، فالحكومة السورية ترى في روسيا لاعبا رئيسا في مسار المحادثات الإسرائيلية-السورية والتأثير فيها، لذلك تريد الحكومة السورية أن لا تكون روسيا في الجانب السلبي لذلك المسار، خصوصا وأن إسرائيل لا تريد للحكومة السورية أن تمتلك قوّة عسكرية فعالة، بالتزامن مع حالة التوتر الموجودة بين تل أبيب وأنقرة، ودخول الأخيرة على خط التعاون العسكري مع دمشق وتدريب الكوادر العسكرية السورية.

كما أن الحكومة السورية تريد من روسيا أن لا تقف في وجه أي تصويت/خطوة دولية لرفع الرئيس الشرع عن قوائم الإرهاب الخاصة بالأمم المتحدة، فالفيتو الروسي سيكون ضربة قوية في وجه القيادة السورية للخروج من القوائم الأممية السوداء، تمهيدا لتعزيز خطوات الاستقرار والحصول على الدعم الدولي الاقتصادي.  

عامل آخر يجعل دمشق ترغب في إبقاء الروس في الجانب الحيادي أو الأقرب إلى الإيجابية في الفترة الحالية، وهو شعور دمشق بأن الغرب لم يحسم موقفه بعد تجاه سوريا في ظل التوترات الحاصلة والمستمرة بين دمشق وكل من السويداء، شرق الفرات، والمنطقة الساحلية. لذلك يبدو أن دمشق تريد إيصال رسائل للغرب- قبيل اجتماعات الأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري- بأنها قادرة على إعادة بناء تحالفات جديدة وتغطية الفجوات التي يمكن أن تعيق دمشق من التقدم في ملفات الاستقرار والدعم الاقتصادي.

رويترز
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يتصافحان خلال مؤتمر صحفي عقب محادثاتهما في موسكو، روسيا، 31 يوليو 2025

الغاية الأخيرة- الرسائل للغرب- هي مسار محفوف بالمخاطر بالنسبة لدمشق التي تلقت أكثر من مرة رسائل بأن الوجود والنفوذ الروسي والإيراني غير مرحب به في سوريا، وأن التحرك نحو تحالفات مع روسيا قد يُفقد دمشق الشهية الغربية نحو دعم سوريا على المستويات السياسية والاقتصادية، لكن فيما يبدو أن دمشق تسير بخطى بطيئة من الناحية العلمية تجاه روسيا، سيما وأنه رغم حصول ثلاثة لقاءات بين الحكومتين السورية والروسية منذ سقوط النظام إلا أن هذه اللقاءات لم تتمخض عن أي تحرك عملي وملموس للتنسيق الأمني أو الاتفاق على بقاء القواعد الروسية في سوريا. فاللقاء الذي حصل في موسكو نهاية شهر يوليو/تموز الماضي بين وفد الحكومة السورية والجانب الروسي تضمن توافقا على إعادة تفعيل اللجنة السورية-الروسية المشتركة والتي ستكون مهمتها التنسيق بين سوريا وروسيا على مستوى ملفات السياسة والأمن والاقتصاد. لكن هذا الملف لم يتم التقدم فيه فلم تُشكل اللجان بعد ولم يتم التوافق على الأطر التي ستعمل ضمنها هذه اللجان.

بين اجتماعين...

لم تُخفف روسيا من وتيرة تعزيز نفوذها العسكري في شرق الفرات وقاعدة حميميم بعد اللقاء الذي حصل في موسكو، بل استمرت في عمليات إرسال التعزيزات إلى مطار القامشلي، وتدعيم علاقاتها مع "قسد" وبعض قيادات النظام السابقين خلال الفترة الممتدة بين نهاية يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول الجاري، ما يوحي بأن روسيا ما زالت غير متيقنة من جدية دمشق في التحرك نحوها والتوافق معها على مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، ومصير التوافقات الاقتصادية السابقة بين نظام الأسد وموسكو.

روسيا تريد التحرك بخطى أسرع للحصول على موافقة سورية جديدة متعلقة ببقائها عسكريا في قاعدة حميميم، وإبقاء اتفاقاتها الاقتصادية في منطقة طرطوس

خلال الأسبوعين الأخيرين من أغسطس/آب أرسلت روسيا عدة رحلات جوية من مطار حميميم إلى مطار القامشلي تحتوي على تعزيزات عسكرية ولوجستية، كما قامت بعدة دوريات في المنطقة المحيطة للمطار، وسط معلومات محلية عن قيام القوات الروسية في المنطقة بعمليات حفر وتعزيز القدرات الدفاعية حول المطار، إضافة إلى دخول مواد بناء إلى المطار، في مؤشر إلى نية الجانب الروسي إجراء عمليات ترميم أو توسعة لمراكزها داخل المطار.

إضافة إلى التعزيزات التي تصل المطار، علمت "المجلة" من أكثر من مصدر محلي في شرق الفرات والمنطقة الساحلية أن روسيا ما زالت على تواصل مع قادة في النظام السوري السابق، خصوصا أولئك الذين عملوا في قوات سورية كان ولاؤها للجانب الروسي، وشخصيات عملت مع الجانب الروسي في مسارات المصالحات التي رعتها روسيا في سوريا في محاولة لتخفيف الضغط العسكري على النظام وإعادة مأسسة الجيش السوري الذي سعت إيران لسنوات إلى تفتيته وتغيير ولاء فرقه لصالحها، والذي حينها كان أحد أبرز عوامل التوتر بين الجانب الروسي والإيراني الذي وصل في أحيان كثيرة إلى مرحلة قام فيها كل طرف بعمليات اغتيال لقادة عسكريين يشكلون تهديدا على أهدافهم لصالح الطرف الآخر. عمليات التواصل مع القادة السابقين أو الشخصيات التي عملت لصالح الجانب الروسي ليست واضحة الأهداف بعد، إلا أنها من الواضح خطوة روسية لتعزيز نفوذها- خارج جغرافيا القواعد- في مناطق الساحل وشرق الفرات، لما له من فوائد في تقوية موقف روسيا في عملية التفاوض مع دمشق.

روسيا التي تدرك التوجهات الغربية لكسب الحكومة السورية الجديدة، وتأثير هذه الجهود على المساعي الروسية التاريخية في الحصول على موطئ قدم عند المياه الدافئة السورية، لذلك وبحسب معلومات "المجلة" فإن روسيا تريد التحرك بخطى أسرع للحصول على موافقة سورية جديدة متعلقة ببقائها عسكريا في قاعدة حميميم، وإبقاء اتفاقاتها الاقتصادية في منطقة طرطوس، هذا السعي يحقق لروسيا هدفين: الأول أمني اقتصادي، والآخر سياسي في معركتها مع الغرب. هذا السعي الذي تحاول روسيا تعزيز أوراقه بكل السبل في منطقتي الساحل وشرق الفرات سيكون بمثابة حقل ألغام تدخله الحكومة السورية التي تعلم أن الغرب ودعمه مشروط بإضعاف النفوذ الروسي-الإيراني في سوريا المستقبل. أما الرئيس الشرع فقد حاول التخفيف من حدّة تعقيدات الموقف السوري عندما قال إن سوريا استطاعت أن تجمع ما بين المتناقضات العالمية، وفي هذه الأثناء ينظر الغرب إلى العجلة الروسية-السورية بحذر، ويبني جزءا كبيرا من سياسته نحو سوريا على أساسها.

font change

مقالات ذات صلة