الاستثمار في العالم العربي... بين جاذبية الفرص و"عدم اليقين" السياسي والاقتصادي

123 مليار دولار التدفقات الأجنبية في 2024 تتصدرها السعودية والإمارات ومصر

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
لقطة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السابع في الرياض.عام 2023

الاستثمار في العالم العربي... بين جاذبية الفرص و"عدم اليقين" السياسي والاقتصادي

لا تزال الاستثمارات المباشرة في الدول العربية محفوفة بالتحديات والأخطار. فعلى الرغم من الجهود المبذولة عبر سن قوانين خاصة بالاستثمار، وتقديم التسهيلات القانونية والإعفاءات الضريبية، وحتى تخصيص الأراضي للمشاريع بأسعار مخفضة أو مجانا أحيانا، فإن ذلك لم يكن كافيا لمنح هذه الدول القدر المطلوب من الجاذبية الاستثمارية أو لإتاحة تدفقات مالية مستدامة.

تعود بعض التحديات إلى البيروقراطية والتعقيدات في تنفيذ المشاريع، التشريعات والقوانين، أو إلى نقص العمالة الوطنية الماهرة التي تتطلبها بعض الاستثمارات النوعية. غير أن الأسباب الجوهرية تبدو مرتبطة أكثر بالأوضاع السياسية والأمنية، وبنية الاقتصاد، إضافة إلى الثقافة المجتمعية ومدى تقبّلها للاستثمارات الأجنبية.

منذ أربعينات القرن الماضي، بدأ مستثمرون عرب، ومن بينهم عدد مهم من دول الخليج، بتوظيف رؤوس أموالهم في دول عربية مثل العراق ومصر ولبنان وسوريا، أي قبل تدفق العائدات النفطية الضخمة.

تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت بنسبة 11 في المئة في عام 2024 لتصل إلى نحو 1,5 تريليون دولار. كما أن اضطراب أوضاع التجارة العالمية، ولا سيما نتيجة رفع الرسوم الجمركية، أسهم في تعطيل مسارات الاستثمار

تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)

كما برز اهتمام ملحوظ بالاستثمار في دول المغرب العربي، خصوصا تونس والمغرب، منذ سبعينات القرن الماضي. وقد وُجّهت أموال مهمة عبر القطاع الخاص والأفراد، فضلا عن مؤسسات وهيئات حكومية خليجية، إلى دول عربية مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق والمغرب، وتونس واليمن والسودان. إلا أن تقارير مالية عدة أظهرت أن شريحة واسعة من هؤلاء المستثمرين تكبدوا خسائر نتيجة تلك الاستثمارات.

ترتيب الدول العربية دون المتوسط العالمي

أصدرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، ومقرها الكويت، تقريرها الأربعين حول مناخ الاستثمار في 21 دولة عربية، خلال عام 2024، وأظهر أن متوسط ترتيب الدول العربية في مؤشر ضمان لمناخ الاستثمار ظل دون المتوسط العالمي، إذ جاء عند المرتبة 103. كما أشار إلى أن رصيد الاستثمارات الأجنبية بلغ 123 مليار دولار في العام المنصرم، في حين وصلت تكاليف المشاريع إلى 119 مليار دولار.

وتضمن التقرير جملة من التوصيات للحكومات العربية، أبرزها ضرورة تنفيذ حزمة من التعديلات والإصلاحات لتطوير البنية التحتية، وتحسين الأطر المؤسسية والتشريعية، إلى جانب تبسيط الإجراءات الحكومية. كما شدد على أهمية مراعاة تأثير الأوضاع السياسية والعوامل الأمنية في صوغ السياسات الاستثمارية.

.أ.ف.ب
أبراج ومباني مدينة دبي، 13 نوفمبر 2023

وبيّن التقرير أن حصة الدول العربية من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية ارتفعت إلى 14,2 قي المئة في عام 2024 مقارنة بـ9,3 في المئة في عام 2023. أما على المستوى العالمي، فقد زادت هذه النسبة من 5,5 في المئة إلى 8,1 في المئة خلال الفترة نفسها. ومع ذلك، تبقى هذه التدفقات متفاوتة بين الدول العربية، حيث تتصدر السعودية والإمارات ومصر قائمة الوجهات الأكثر جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر.

مصر والإمارات تتصدران الاستثمارات المباشرة

أظهر تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتراجعت بنسبة 11 في المئة في عام 2024 لتصل إلى نحو 1,5 تريليون دولار، مشيرا إلى أن العام المنصرم كان الثاني على التوالي الذي يشهد تراجعا في هذه التدفقات. وأوضح التقرير أن اضطراب أوضاع التجارة العالمية، لا سيما نتيجة رفع الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة، ساهم في تعطيل مسارات الاستثمار.

نجحت السعودية في تطوير بنيتها الاقتصادية بما جعلها إحدى الوجهات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، فيما سجل عام 2024 وحده تدفقات بلغت 15,8 مليار دولار

وبحسب التقرير، فقد استقطبت الدول المتقدمة 626 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مسجلة انخفاضا نسبته 22 في المئة مقارنة بعام 2023. في المقابل، حصدت الدول النامية نحو 867 مليار دولار، بزيادة طفيفة نسبتها 0,2 في المئة عن العام السابق. وتوزعت هذه التدفقات على 605 مليارات دولار لآسيا، و164 مليارا لأميركا اللاتينية، و97 مليارا للقارة الأفريقية.

وتربعت كل من مصر والإمارات على قائمة الدول العشر الأولى في قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2024، حيث جذبت مصر 47 مليار دولار، فيما استقطبت الإمارات 46 مليار دولار خلال عام 2024.

السعودية تعزز جاذبية الاستثمار المباشر

نجحت السعودية في تطوير بنيتها الاقتصادية بما جعلها إحدى الوجهات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ بلغت القيمة المتراكمة لهذه الاستثمارات في نهاية عام 2024 نحو 2,9 تريليون ريال (770 مليار دولار)، فيما سجل عام 2024 وحده تدفقات بلغت 15,8 مليار دولار. وتوظف المملكة هذه الاستثمارات بما ينسجم مع مستهدفات "رؤية 2030"، التي تركز على تطوير مشاريع الطاقة الخضراء والتكنولوجيا الحديثة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية، إلى جانب دعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال. كما تولي اهتماما خاصا بتعزيز البنية التحتية للمشاريع السياحية، بعد أن أصبحت البلاد مقصدا متنامي الأهمية في منطقة الخليج العربي.

وتُظهر بيانات وزارة الاستثمار السعودية تطلع المملكة إلى رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الناتج المحلي الإجمالي من 22 في المئة في عام 2019 إلى 30 في المئة في حلول عام 2030. ولتحقيق ذلك، تعمل على تبني بدائل استراتيجية تشمل توليد فرص استثمارية جديدة، وتوسيع قاعدة المستثمرين من القطاع الخاص عبر شراكات مع الشركات الأجنبية، فضلا عن توفير قنوات تمويل ملائمة تعزز القدرة على التنفيذ والإنجاز.

المغرب على خريطة المستثمرين

بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب خلال عام 2024 نحو 43,2 مليار درهم مغربي (4,8 مليارات دولار). وعلى الرغم من أن هذه القيمة تظل متواضعة مقارنة بإمكانات المغرب من حيث الجغرافيا وعدد السكان، فإن هناك فرصا واعدة لتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد.

تعد سوريا مثالا على دولة عانت من ظروف سياسية وأمنية صعبة أدت إلى انعدام الاستثمارات الأجنبية لعقود، إلا أن هناك مؤشرات واعدة، مع طرح مشاريع حيوية والتعاون مع جهات دولية ومستثمرين عرب وأجانب

ومنذ تولي الملك محمد السادس الحكم، تبنت الحكومات المتعاقبة سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز جاذبية الاستثمار، مع توجيه الاستثمارات نحو قطاعات رئيسة مثل صناعة السيارات والطاقة والرعاية الصحية. كما عزز المغرب مكانته على الصعيد الدولي بعد حصوله على حق استضافة مباريات كأس العالم عام 2030، الأمر الذي سيحفز إقامة منشآت رياضية وسياحية وفنادق ومنتجعات، ويعزز تطوير قطاع الخدمات والبنية التحتية، مما يؤكد قدرة البلاد على تنظيم فاعليات عالمية، على غرار ما شهدته قطر عام 2022.

.أ.ف.ب
برج الملك محمد السادس، في العاصمة المغربية الرباط 21 أغسطس 2023

يبقى المغرب بلدا ذا أهمية استراتيجية في علاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي، ويحتل موقعا بارزا في خريطة المستثمرين الدوليين.

الاستثمارات رهينة السياسة والاقتصاد

تواجه بعض الدول العربية صعوبة في جذب الاستثمارات بسبب الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة وهشاشة الاقتصاد. وتعد سوريا مثالا على دولة عانت من ظروف سياسية وأمنية صعبة أدت إلى انعدام الاستثمارات الأجنبية لعقود، إلا أن هناك مؤشرات واعدة، مع طرح مشاريع حيوية والتعاون مع جهات دولية ومستثمرين عرب وأجانب لتوجيه الأموال نحو قطاعات أساسية مثل الطاقة والاتصالات والسياحة.

ويتمتع القطاع الخاص العربي بتاريخ طويل من الخبرة والمبادرة، مما يعزز إمكاناته الإدارية والمهنية وقدرته على دعم الاستثمار المباشر. أما الدول العربية الأخرى التي لم تنخرط بعد في استراتيجيات جذب المستثمرين، فإن معالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية تساهم بشكل كبير في تعزيز الثقة لدى المستثمرين وزيادة تدفق رؤوس الأموال. ويظل لبنان من الدول الواعدة، شرط تجاوز تحدياته السياسية والأمنية المعروفة.

font change

مقالات ذات صلة